ما الذي تفعله واشنطن في أرمينيا ضد موسكو؟

09.05.2018

كانت هناك تكهنات كبيرة في الأيام الأخيرة الماضية حول ما إذا كانت الاحتجاجات الأخيرة والمستمرة في جميع أنحاء أرمينيا، هي زعزعة ناتجة عن "ثورة" واشنطن الملونة أم تمثل ببساطة ثورة للمواطنين الغاضبين الذين سئموا الفساد الشديد وانعدام التنمية الاقتصادية في ظل نظام رئيس الوزراء سيرج ساركسيان. وأُجبر الرئيس السابق على الاستقالة في 23 نيسان بعد أيام من الاحتجاجات الكبيرة، معلناً: "نيكول باشينيان كان على حق، لقد كنتُ مخطئاً". إن أرمينيا هي عضو أساسي في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي الروسي، وكونها أصبحت تحت سيطرة المعارضة الموالية للناتو يمكن أن تحدث مشكلة استراتيجية بالنسبة لموسكو. 

ومن المفارقات أن ما أثار الاحتجاجات اسمياً هو ما فعله ساركسيان تجاه أردوغان. وتمكن هو وحزبه الذي يتمتع بالأغلبية البرلمانية من تجريد مكتب الرئيس من الأدوار الرسمية، ومنح سلطة القرار الفعلي لمنصب رئيس الوزراء. ومن الواضح أن رد فعل موسكو على الاحتجاجات الجارية حتى الآن قد تم كتمه بعد إصدار بيان ينص على أن موسكو لن تتورط في الشؤون الداخلية الأرمينية.

وبالرغم من أن ساركسيان استقال من منصب رئاسة الوزراء ولم يقدم نفسه كمرشح منافس لباشينيان في أول في تصويت للبرلمان في 1 أيار، إلا أن باشينيان لم يصل إلى الأغلبية المطلوبة لتسميته رئيساً للوزراء، ودعا إلى قطع تام لحركة المرور والمباني الحكومية من خلال أعمال سلمية من العصيان المدني. وقال للحشد الذي كان متواجداً خارج البرلمان بعد إعلان التصويت الفاشل: "أعلن الإضراب غداً، وسنقوم بقطع جميع الشوارع والاتصالات ومترو الأنفاق والمطارات ابتداءً من الساعة 8:15 صباحاً، فكفاحنا لا يمكن أن ينتهي بالفشل".

هل هي ثورة ملونة؟

ما هي الأدلة التي تشير إلى أن هناك تدخل موجه لواشنطن نحو دولة استراتيجية بالنسبة لموسكو؟ أولاً لدينا الوجود الثابت في يريفان لمكتب مؤسسة المجتمع المفتوح التابع لجورج سوروس. ومع احتدام الاحتجاجات المناهضة للحكومة في 17 نيسان، وقعت العديد من المنظمات غير الحكومية رسالة مفتوحة إلى الحكومة تحذر فيها أنهم قد اكتشفوا أن هناك متظاهرين محتملين مدعومين من الحكومة وحذروا من انتشارهم ضد المتظاهرين السلميين.

وقد تم التوقيع على هذه الرسالة من قبل لجنة "هلسنكي" في أرمينيا، وهي جزء من لجان هلسنكي التي تم تمويلها جزئياً من قبل مؤسسة المجتمع المفتوح لجورج سوروس. كما تم التوقيع من قبل مؤسسات المجتمع المفتوح في أرمينيا. 

وأعلنت المنظمة التابعة لجورج سوروس، في شهر شباط الماضي عن مشروع مشترك مع الاتحاد الأوروبي يهدف إلى التركيز على تفعيل دور الشباب والناشطين الصحفيين الشباب، وسيكون بمثابة جسر بين المدافعين عن حقوق الإنسان في أرمينيا وأجيال شابة من النشطاء المهتمين باكتساب المزيد من الخبرة في الدفاع عن حقوق مواطني جمهورية أرمينيا. 

ومن بين الموقعين الآخرين على البيان التحذيري المقدم إلى الحكومة الأرمنية كانت هناك منظمة غير حكومية أرمينية تطلق على نفسها اسم منظمة "حماية الحقوق بلا حدود". اتضح أن هذه المنظمة غير الحكومية تمول من قبل منظمات المجتمع المفتوح في أرمينيا ومن قبل الاتحاد الأوروبي ووزارة الخارجية الأمريكية أيضاً. 

حقيقة أن مؤسسات المجتمع المفتوح في أرمينيا وآخرين وقعوا مثل هذا البيان المرتبط بالأحداث الجارية في شوارع يريفان توحي بأن الموضوع أكثر من اهتمام أكاديمي بالاحتجاجات المتزايدة. 

ماذا عن دور المنظمات غير الحكومية الأخرى في أرمينيا والمعتمدة على الولايات المتحدة؟ المؤسسة الأمريكية غير الحكومية الرائدة في تغيير النظام، المؤسسة الوطنية للديمقراطية، التي تم تأسيسها في الثمانينات تفعل ما اعتادت أن تفعله وكالة المخابرات المركزية ولكن بشكل خاص. وتكشف بعض الأبحاث أن الصندوق الوطني للتنمية قام بتمويل العديد من البرامج في أرمينيا بدءاً من برنامج تعزيز سيادة القانون والمساءلة الحكومية في أرمينيا، وكذلك تمويل برنامج للصحفيين الأرمن في عام 2017، لإظهار كيف تستفيد جورجيا من ارتباطها بالاتحاد الأوروبي وكيف أن أرمينيا لا تجني مزايا مماثلة من الاتحاد الاقتصادي الأوراسي. ومنح الصندوق في منحة سخية أخرى أكثر من 40 ألف دولار في عام 2017، وهو مبلغ ضخم بالنسبة للاقتصاد الأرمني، لتمويل صحيفة التايمز الأرمنية لتحسين الجودة حسب قولهم.

وبالإضافة لذلك، فإن حقيقة أن وزارة الخارجية الأمريكية على اتصال نشيط مع زعيم المعارضة "نيكول باشينيان" تزداد احتمالاً. وقبل التصويت المصيري للبرلمان في 30 نيسان، أشار مساعد وزير الخارجية الأمريكية للشؤون الأوروبية والأوراسية "ويس ميتشل" أنه أجرى حواراً هاتفياً مع "نيكول باشينيان". وذكر ميتشل في بيانه الرسمي ببساطة أن حكومة الولايات المتحدة تتطلع إلى العمل بشكل وثيق مع الحكومة الجديدة في أرمينيا، بهدف تعميق العلاقة بين الولايات المتحدة والأرمن.

ويصف مركز تحليل السياسة الأوروبية، وهي مؤسسة فكرية في واشنطن تأسست في عام 2004 في الوقت الذي كانت فيه الولايات المتحدة منخرطة في الثورة الأوكرانية، مهمته بأنها تعزيز منطقة وسط وشرق أوروبا تتمتع بالنشاط والاستقرار الاقتصادي وخالية من السياسة، ولكن يبدو ان هناك روابط وثيقة مع برنامج هذه المؤسسة المكرس لكشف المعلومات الروسية في بلدان أوروبا الوسطى والشرقية.

بالإضافة إلى اتصال ميتشل مع زعيم المعارضة نيكول باشينيان، فإن السفير الأمريكي في أرمينيا " ريتشارد ميلز" يدين بوظيفته للمتحدثة باسم إدارة الخارجية الأمريكية "فيكتوريا نولاند"، والتي نقلت ميلز إلى يريفان للمساعدة في جلب أرمينيا إلى المجال الأمريكي بعيداً عن روسيا مثلما حصل مع أوكرانيا. 

تشير هذه المرة جميع المؤشرات إلى إعادة صياغة أكثر دقة لثورة الولايات المتحدة الملونة وهذه المرة مع زعيم موثوق. وهو "باشينيان" الصحفي الذي يبلغ من العمر 42 عاماً، ومحارب قديم في السجون نتيجة لإجراءاته المناهضة للحكومة. كان باشينيان حذراً في إعلان ما إذا كان قد تم تكليفه رئيساً للوزراء، بأنه لن يخرج أرمينيا من الاتحاد الأوراسي الاقتصادي. فقد أعلن في الأول من أيار: "إننا نعتبر روسيا حليفاً استراتيجياً، وحركتنا لا تخلق تهديداً، لهذا إذا انتُخبت رئيساً للوزراء ستظل أرمينيا في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي ومعاهدة الأمن الجماعي".

ومن الواضح أنه على الرغم من كلمات باشينيان المهدئة، فإن الأحداث الأرمينية ليست أنباء سارة لموسكو على الإطلاق التي ستكون خياراتها المباشرة محدودة في الوقت الراهن.

لماذا أرمينيا؟

تعتبر أرمينيا حليفاً استراتيجياً لموسكو منذ تفكك الاتحاد السوفيتي عام 1991. وتحدها دولتان معاديتان أذربيجان وتركيا. وجيرانها الآخرون هم إيران وجورجيا. والوضع في جورجيا غير مستقر منذ أن قامت الولايات المتحدة بثورة ملونة في البلاد في عام 2003، وجلبت "ميخائيل ساكاشفيلي" الموالي للناتو إلى السلطة. وبذلك أصبحت البلاد تحت حكم زعيم مصمم على إخراج البلاد من الاعتماد الروسي. 

وهناك أصوات في أذربيجان تستبق بسرور مثل هذه النتيجة. في الأول من أيار عندما رفض البرلمان الأرمني تسمية باشينيان كرئيس للوزراء، حذر عضو البرلمان الأذربيجاني "جودرات هاسانغولييف" من أن الوضع في أرمينيا قد يتحول لحرب أهلية. وأصر على أن أذربيجان يجب أن تكون مستعدة لاستخدام مثل هذه الحرب الأهلية كفرصة لاستعادة منطقة مرتفعات قرة باغ الانفصالية والتي غالبية سكانها أرمن.

منذ انتهاء الحرب بين الجيش الأذربيجاني المدعوم من الولايات المتحدة وأرمينيا بقي إقليم قرة باغ إقليم وقف إطلاق نار غير مستقر. تم خرقه لفترة وجيزة في عام 2016 عندما حاولت القوات الأذربيجانية القيام لاحتلال عسكري قبل أن تضطر للتراجع.

تشير جميع الأدلة في هذه المرحلة إلى أن هناك يداً قذرة للمنظمات غير الحكومية الأمريكية ووزارة الخارجية التي تضغط من أجل استغلال الغصب الداخلي داخل أرمينيا من أجل إضعاف روسيا والاتحاد الاقتصادي الأوراسي.