سورية بين الذرائع الكيميائية و الأسلحة النووية…من سيزور دمشق
تدخل سورية عامها الثامن من الحرب التي دعمتها وشنتها أحلاف ومعسكرات دولية كبرى في العالم، مولدةً معها اصطفافات أقليمية ودولية غاية في التشابك والصدامية، حيث أحد أهم أهداف هذه الحرب ضرب دمشق بوصفها قلب التحالف المقاوم، ليسهل فيما بعد تقطيع أجنحة المحور كلاً على حدى.
هذه الغاية أخذت العديد من الوسائل الخطيرة والمدمرة، منها الحرب بالوكالة وتسيير المنظمات الإرهابية العابرة للقارات وحتى التدخل المباشر، كالاحتلال الأمريكي لشرق الفرات، والعملية التركية شمال غرب سورية، كل هذه المخططات كانت تحت إشراف مباشر من البيت الأبيض، وما زاد خطورة وتعقيد هذه الحرب هي الذرائع التي استخدمتها واشنطن لحماية وسائلها في سورية وزيادة فعاليتها في أحيان أخرى، كالذريعة الإنسانية التي استصدرت من خلالها قرارات حمت بعض فصائلها وأعادت تزويدهم بالمؤن والسلاح والمال، وذريعة محاربة الإرهاب التي سمحت للجيش الأمريكي ببناء قواعد عسكرية في الشرق السوري، وصولاً إلى الذريعة الأخطر وهي استخدام السلاح الكيميائي كأول مرة في منطقة خان العسل 19/3/2013 وبعدها غوطة دمشق الشرقية -وهو سلاح التوازن الاستراتيجي ضد القدرة النووية الإسرائيلية- ليصعّد الرئيس الأمريكي السابق أوباما بعدها بتوجيه ضربة أمريكية ضد دمشق في 30/8/2013، والتي أدى تفاديها إلى نزع السلاح الكيميائي السوري بشكل كامل بإشراف منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، ليعاد استخدام ذات الذريعة مرة ثانية لتوجيه ضربة أمريكية على مطار الشعيرات في حمص 7/4/2017 بصواريخ التوماهوك.
ولكن في المرة الثالثة كانت الردود مختلفة تماماً والتي جاءت لحماية فصائل الغوطة الشرقية من تقدم الجيش السوري وحلفائه، حيث صعّدت موسكو برد فوري يتعدى إسقاط الصواريخ إلى إغراق البارجات التي أطلقتها، مادفع البيت الأبيض إلى محاولة ربط الملف الكيميائي السوري بملف كوريا الشمالية بادعاءات حول التنسيق المشترك لإنتاج الأسلحة الكيميائية في سورية، لكن دون طائل يذكر، بسبب اضطرار واشنطن لاحتواء التقارب بين الكوريتين، لتذهب بريطانيا فيما بعد لاتهام موسكو باستخدام السلاح الكيميائي في قضية تسميم الضابط السوفيتي السابق المتعامل مع بريطانيا سكريبال وابنته في مدينة سالزبوري، والتي من أحد جوانبها مثلت رد أمريكي بريطاني على دور موسكو في إبطال مفاعيل الذريعة الكيميائية ضد دمشق بما يورط موسكو بها، وعلى مستوى قضية دولية تمهيداً لاتهامها بتزويد دمشق بالسلاح الكيميائي، ولكن النتائج أيضاً كانت دون المرجوة نتيجة احتواء روسيا لهذه الاتهامات والتعامل معها بطرق دبلوماسية والطلب الرسمي بالمشاركة في التحقيق حول الحادثة.
هذه الردود الجوابية التي تلقتها الولايات المتحدة الأمريكية من روسيا وحلفائها جعلت البيت الأبيض خالي الوفاض، وعاجزاً عن استكمال أجنداته وإدارة الصراع في عدة بقع تشهد أزمات جيوسياسية مفتعلة، والتي تجاوز مفعول هذه الردود سياج البيت الأبيض وأبواب وزارة الخارجية الأمريكية، وكانت سبباً في الإطاحة بكل من وزير الخارجية ريكس تيليرسون، ومستشار الأمن القومي هربرت مكماستر.
هذه التغييرات العنيفة ليست عبثية وإنما تهدف لخلق وإحياء ذرائع جديدة ودمجها بالقديمة بما يعيد للبيت الأبيض القدرة على إدارة الصراع وتسيير النتائج لصالح هيمنتها حول العالم، لتتزامن هذه التغييرات مع سلسلة من الاحداث المعدة مسبقاً، كإعلان الاحتلال الإسرائيلي الغريب في التوقيت مسؤوليته عن الغارة التي استهدفت المفاعل السوري في دير الزور على حد زعمهم عام 2007، بعد أيام قليلة من نشر مجلة “ديرشبيغل” الألمانية صوراً لمنطقة عسكرية في القصير السورية على الحدود مع لبنان، تدعي فيها وجود منشأة نووية لتخصيب اليورانيوم والبلوتونيوم وإنتاج السلاح النووي.
مثل هذه الادعاءات تحتاج إلى مستشار للأمن القومي كجون بولتون والذي شهد وشجع غزو العراق تحت مزاعم أسلحة الدمار الشامل، ليشكل مع وزير الخارجية الجديد مايك بومبيو صاحب الحلول الصدامية، ووزير الدفاع جيمس ماتيس (الملقب بالكلب المسعور) ثلاثياً خطيراً في صناعة القرار الأمريكي، يتوافق مع رؤية ترامب لاستهداف كل من إيران وكوريا الشمالية، بالتالي تفعيل مزدوج للذريعة الكيميائية والنووية على حد سواءً، بما يسمح للبيت الأبيض بربط أعدائه ببعضهم بذريعة هذه الملفات، واستهدافهم بحزم سياسات مخصصة لهذا النوع بما يتلائم مع الاستراتيجية الأمريكية الأخيرة.
مايضعنا أمام تساؤول مهم حول احتمال شن عمل عسكري أمريكي-صهيوني ضد سورية بالذرائع الجديدة؟
حقيقةً الأمر أن ترامب كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية شكل حكومة حرب بكل ما للكلمة من معنى، ولكن ليس للحرب، وإنما تطبيقاً لمبدأ روزفلت (تكلم بهدوء وأنت تحمل العصى الغليظة)، فهو أشبه بمن يربط إلى يده ضبعاً متوحشاً ويخاطب بلهجة هادئة، لذلك موضوع الذرائع الأمريكية المختلقة سيتم استخدامها لتقويض إيران وروسيا وفرض عقوبات اقتصادية جديدة على طهران لمحاولة ضرب الاتفاق النووي الإيراني وإقناع الدول الأوروبية بخطورته وضرورة تعديله، وأيضاً للوقوف بوجه سياسات الطاقة النووية لروسيا وهيمنتها بعقود بناء المفاعلات النووية في دول الشرق الأوسط تحت مزاعم تزويد سورية وإيران بتكنولوجيا صناعة الأسلحة النووية هذا من جهة، ومن جهة أخرى مراقبة الحدود السورية-اللبنانية، كبديل لفشل مشروع الفصل الجغرافي بالوكالة لدول محور المقاومة، حيث اختيار مدينة القصير السورية لم يكن عشوائياً، وإنما لاستخدام الموضوع الذي أثارته الصحيفة الألمانية للتهديد العسكري الذي يتيح فيما بعد التوصل إلى تفاهم بنشر مفتشين ومراقبين دوليين في المنطقة، على غرار تفاهم نزع السلاح الكيميائي السوري ودخول منظمة حظر الأسلحة الكيميائية إلى دمشق في سبتمبر من عام 2013، أي محاولة فهم وتفكيك بنية التواصل والعمل لمحور المقاومة من ذرائع نووية، ومحاصرة مفاصله عن طريق ليّ القانون والأعراف الدولية، بما يخدم الأجندة الأمريكية في الشرق الأوسط.
بالتالي نتيجة اللقاء الأمريكي الكوري وحقيقة ما تحت الأرض هي التي ستحدد زائرين دمشق إما مفتشين دوليين تمهيداً لتوجههم نحو مدينة القصير السورية، أو سيزورها وفد رسمي أمريكي على غرار اللقاء المزعم عقده بين ترامب وكيم جونغ أون؟!