حرب واشنطن المالية على روسيا.. وإيقاف بنك "لاتفيا"

19.03.2018

بدأت واشنطن مرحلة جديدة في حربها المالية الجيوسياسية في جمهورية لاتفيا الصغيرة. فتمكنت في غضون أيام من إجبار الحكومة اللاتفية والبنك المركزي الأوروبي على حل ثالث أكبر بنك في لاتفيا دون أي عملية قانونية. ومهما كانت علاقة بنك "ABLV" في لاتفيا بغسيل الأموال أو بكوريا الشمالية أو روسيا، فإن خطوة واشنطن يمكن اعتبارها خطوة سيئة وبداية لمرحلة جديدة من الابتزاز للبنى المالية في الاتحاد الأوروبي أو الدول الأجنبية الأخرى التي لا تتفق مع واشنطن.

اعتبر البنك المركزي الأوروبي في 23 شباط، أن بنك "ABLV" يفتقر إلى السيولة الكافية، واعتبره فاشلاً أو من المحتمل أن يفشل، ويجب إخضاعه لقرار الحل الصادر عن مجلس القرار الواحد الأوروبي. وذلك بالرغم من حقيقة أن البنك أعلن أنه قد جمع ما يقارب 1.7 مليار دولار في أربعة أيام لتثبيت عمليات سحب الودائع. وتأتي هذه الخطوة بعد ساعات من اعتقال ممثل "لاتفيا" في مجلس محافظي البنك المركزي الأوروبي "إلمارز ريمسيفيكس" والذي هو حاكم البنك المركزي في لاتفيا، وسط مزاعم الرشوة في قضية من المفترض أن لا علاقة لها بقيام البنك المركزي الأوروبي بإيقاف البنك. وتم إطلاق سراحه بعد يومين دون توجيه تهمة إليه، ولكن التوقيت مشبوه للغاية.

أصدر البنك المركزي الأوروبي في تلك المرحلة، تعليماته إلى هيئة الرقابة في لاتفيا، بفرض حظر على البنك لإعطائه مهلة ليستقر وضعه. كما فرضت سلطات لوكسمبورغ حظراً على شركة تابعة للبنك في لوكسمبورغ.

تصرف وزارة الخزانة الأمريكية

من الجدير بالملاحظة أن الإجراء الذي اتخذه البنك الأوروبي لإغلاق بنك لاتفيا، جاء بعد أيام فقط من نشر مشروع قانون مكافحة الجرائم المالية في وزارة الخزانة الأمريكية في 13 شباط. سبب الإعلان الأمريكي سحب الودائع المصرفية من بنك "ABLV" مما أدى إلى انقطاع السيولة من البنك ولم يعد قادراً على دفع التزاماته. وقد استخدم البنك المركزي الأوروبي هذا الموقف بذكاء لتبرير إغلاق بنك "ABLV"، على الرغم من أن المؤشرات تؤكد أنه كان من الممكن تجنب إغلاقه.  

تمكنت وزارة الخزانة الأمريكية في غضون عشرة أيام فقط، بعد إصدار ما تسميه بالمسودة، من إجبار الاتحاد الأوروبي على إغلاق أحد بنوك منطقة اليورو، وعلاوة على ذلك فإن للبنك روابط واسعة مع شركات روسية وأوروبية مركزية، وكل هذا دون الاعتماد على إجراءات قانونية.

القضية ليست غسيل أموال. فقد اتهمت العديد من البنوك البارزة مثل "إتش إس بي سي" و" جي بي مورغان تشيس" وبنك "دويتشه" المحترم للغاية بعمليات غسيل الأموال أو غيرها من الأعمال الغير قانونية، وتلقت عقاباً صغيراً فقط. يبدو أن هناك أجندة سياسية وراء الإجراء الأخير لوزارة الخزانة الأمريكية. والمؤشرات تدل أنها البداية لما يحتمل أن يكون عملية لإعاقة النشاط المالي الروسي بالكامل في منطقة اليورو.

أدى هجوم الاتحاد الأوروبي على قبرص في عام 2012، من خلال فرض قانون متطرف جديد على المودعين الذين اضطروا لدفع حصة من الديون لدى البنوك القبرصية، إلى تحفيز العديد من الشركات الروسية وعملاء كبار من أصحاب الثروات الروسية، حسبما ورد، لنقل تعاملهم من قبرص كقاعدة تمويل خارجية في الاتحاد الأوروبي إلى لاتفيا. وكان بنك "ABLV" أكبر مساهم في تدفق الأموال من روسيا ووسط أوروبا في ذلك الحين. ومن الواضح أن وزارة الخزانة الأمريكية تنتظر اللحظة المناسبة للضرب. فمن خلال دور موسكو الرئيسي لوقف إطلاق النار في سوريا، وكذلك دبلوماسية موسكو الأخيرة لتفادي تصاعد أزمة كوريا الشمالية التي ترغب واشنطن بحصولها بشدة، فإن ضرب الشريان المالي الرئيسي لبعض الشركات الروسية هي طريقة ممتازة لتوجيه ضربة لموسكو.

الأسباب 

إن إيقاف وزارة الخزانة الأمريكية لبنك "ABLV" الشهر الماضي يفتقر إلى أي اتهامات واضحة. ويعلن البيان أنه يستند إلى مشاركة البنك مع الكيانات التي شاركت في شراء الصواريخ الكورية الشمالية. وتدعي الاتهامات أن غالبية عملاء "ABLV" هي شركات قشرية خطرة مسجلة خارج لاتفيا. إنه من غير المفهوم كيف يمكن اتهام شركة ما بالخطورة. وبالنسبة لاستخدام شركات قشرية مسجلة خارج لاتفيا، فإن معظم الشركات الأمريكية الكبرى مثل "آبل" و"هاليبرتون" تعتمد على شركات قشرية لتجنب الضرائب.

وتتابع شبكة مكافحة الجرائم المالية التابعة لوزارة الخزانة الأمريكية بالمزيد من التبريرات لقيامها بإيقاف البنك. وفي الحقيقة فإن البنك الوطني الأوكراني في آب 2016، أصدر تحذيراً للبنوك الأوكرانية بأن بنك "ABLV" كان يشتبه بارتباطه بعمليات مالية غير شرعية، بما في ذلك غسل عائدات الأنشطة الإجرامية. وخلصت شبكة مكافحة الجرائم المالية أن النشاط المالي للبنك يشمل أنشطة تجريها جهات غير مشروعة والتي تهدد الأمن القومي للولايات المتحدة.

الهدف روسيا

تشير جميع الأدلة في عملية إيقاف بنك لاتفيا، إلى مرحلة جديدة من الحرب المالية الأمريكية ضد روسيا، وإن هذا التوقيت مشبوه أيضاً، فهو سبق الانتخابات الرئاسية الروسية المهمة في 18 آذار. 

في أعقاب إجراءات الاتحاد الأوروبي ضد البنوك القبرصية في آب 2012، انتقلت أموال الشركات الروسية إلى لاتفيا كخيار بديل. ومنذ انضمام لاتفيا إلى الاتحاد الأوروبي في عام 2014، أصبحت قناة رئيسية تسمح للشركات والمصارف الروسية بالعمل داخل الاتحاد الأوروبي. وأصبح بنك "ABLV" المستفيد الرئيسي من التدفق الروسي.

أصدر الكونغرس الأمريكي في آب 2017 قانون مكافحة خصوم أمريكا من خلال العقوبات. ويتطلب هذا القانون من "ستيفن منوشين" وزير الخزانة الأمريكي، والمصرفي السابق في بنك "غولدمان ساكس"، أن يصف بالتفصيل الآثار المحتملة لتوسيع العقوبات.

بالإضافة إلى ذلك أصدر الكونغرس قائمة بالعديد من أعضاء الحكومة الروسية والأعمال التجارية القريبة من الرئيس بوتين، ورغم أنها غريبة جداً، إلا أنه تم الإعلان أنها ليست قائمة عقوبات.

وبعد أيام من إعلان وزارة الخزانة الأمريكية لإيقاف بنك معروف تستخدمه الشركات الروسية في الاتحاد الأوروبي، فإن تقرير قانون مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات يشير إلى أن واشنطن تسعى الآن إلى كسر الروابط المتبقية بين بنوك الاتحاد الأوروبي وروسيا لتصل إلى كوريا الشمالية.

من الواضح أن واشنطن تهدف إلى أكثر بكثير من بنك لاتفيا الصغير.

وهذا أحد الأسباب الرئيسية التي جعلت البنك المركزي الروسي يشتري احتياطي الذهب بوتيرة كبيرة. وتجاوزت حيازات الذهب الرسمية في روسيا في شهر شباط، تلك الموجودة في الصين. وأعلنت روسيا مؤخراً وفقاً لنائب رئيس الوزراء "أركادي دفوركوفيتش" أن المؤسسات والشركات المالية الروسية مستعدة للعمل بدون خدمات التحويل النقدي بين البنوك. ويمكن أن يؤدي تصعيد الحرب المالية الأمريكية المباشرة ضد روسيا إلى عواقب سلبية على الأنظمة الأوروبية والأمريكية أكثر بكثير مما تتوقع واشنطن.