عام التعافي و الانطلاقة في سوريا.. فأين كانت الثغرات.. وماذا عن العام القادم اقتصاديا

02.01.2018

من المؤكد أن أي قراءة لأي مجال في سورية يجب أن لا ينظر وفق مؤشرات و سياسات مثالية لبلد يمتلك كل الخيارات و الأدوات للإدارة المجتمعية فالإحاطة بالأزمة لا يعني انتهائها و تداعياتها ستنعكس لسنوات طويلة و هذه التداعيات تقلص الخيارات و البدائل.
وانطلاقاً من هكذا رؤية سيكون مسار تقييمنا الكلي بعيداً عن الجزئيات، فبالرغم من استمرار معاناة المواطنين المعيشية لا يمكننا نكران جهود الأغلبية الحكومية التي بذلت بنشاط حيوية ولكن ضمن استمرار نفس العقلية التي كانت قبل الأزمة، وكانت مدخلاً للأزمة قبل استغلالها الدولي و الإقليمي وفق مخطط قذر هدفه الاستنزاف وقطع التنمية بكل أنواعها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من أجل تحويل سورية إلى دولة فاشلة بعدما وصلت لمراحل تنموية متطورة تضاهي أغلب البلدان و قدر من العدالة الاجتماعية كون نسيج صلب صعب الاختراق إلا بانقلاب اقتصادي اجتماعي صدموي.
وقد كانت السمة الأكبر للعام الماضي عام 2017 هي التعافي الاقتصادي و ذلك بعدما أطلقنا على العام الماضي 2016 عام الاحتواء لكل الضربات و الأساليب القذرة وخاصة بالاقتصاد من حصار ومضاربات و عقوبات و تهريبات من أجل ضرب المنتج المحلي و حرق وتهريب محاصيل أساليب "دواعش" الاقتصاد، فقد كان واضحاً التوجه العام نحو التقشف للأغلبية عبر السياسات والأدوات المالية والنقدية وعبر جدولة المستوردات بحيث تتجه نحو السلع الضرورية و نحو طاقات إنتاجية جديدة سواءً بالقطاع الزراعي أو الصناعي. ولكن هذا التحسن الاقتصادي لم ينعكس بشكل مناسب على معيشة المواطنين فالتحسن الجزئي للمؤشرات الاقتصادية كان يفترض انعكاسها على معيشة المواطن عبر زيادة الرواتب و الأجور وخاصة بعد الفجوة الكبيرة بين الدخل والأسعار و التي بلغت فوق الـــ200 ألف وفق متوسط أجر (26 ألف) و متوسط تكلفة معيشة لأسرة من 5 أشخاص حوالي 275 ألف ليرة سورية، و توقع الخبراء اتخاذ الحكومة هذه الخطوة، خطوة أولى لتحسين الوضع المعيشي للمواطنين وفق نسب فقر كبيرة وفقر مدقع لأكثر من النصف و لكن قلة الموارد من جهة وعدم استثمار الوضع الاقتصادي والعسكري على نحو أمثل جعل اتخاذ هذا القرار أمراً صعب التحقيق في ظل تكرار مسؤولي الشأن المالي احتمالية ذلك لاعتبارات عديدة، فإطلاقنا على العام عام التعافي والانطلاقة، كان من منظور ما كان يراهن عليه طوال الحرب من ناحية الإسقاط الاقتصادي لتحويل سورية إلى دولة فاشلة لكنّ هذا الرهان سقط.

وقد كتبت الانطلاقة والتعافي برسائل وعناوين ومنها معرض دمشق الدولي ومؤتمرات للاستثمار دلت على تزايد الأمن والأمان بفضل الجيش العربي السوري، وزادت الموارد الاقتصادية بتحرير الكثير من الأراضي وكذلك المناطق التي تحوي الآبار النفطية والغازية، ما انعكس إيجاباً على الطاقة وخاصة الكهرباء وخفّت أغلب الأزمات فيما يخص الطاقة وزاد الأمان على أغلب طرق النقل وأعادت الحياة لأغلب المدن الصناعية وحاولت الحكومة تلبية أغلب مطالب الصناعيين، لذا كانت انطلاقة مدروسة وإن لم تنعكس على مستوى معيشة المواطنين رغم تحسن سعر الصرف وبقيت الفجوة كبيرة بين مستوى الدخول والمبلغ اللازم لتأمين مستلزمات المعيشة.

وقد توافقت رؤيتنا مع رؤية للحكومة في عدم زيادة الأجور من أجل عدم فلتان الأسعار في ظل «حركة بدون بركة» لوزارة حماية المستهلك في ضبط الأسعار ومواجهة الاحتكار، الذي يعد أحد أهم مسببي التحكم بالأسعار، وكذلك يؤخذ على موضوع السياسات النقدية والمالية بأن المصرف المركزي لم يكن جاداً في تخفيض سعر الصرف وكان موضوع الرسوم والضرائب بعيداً عن الحالة المعيشية للمواطن وفي حالات محاباة لبعض الفئات على حساب المواطن.
ولكن بنظرنا سارت الظروف بالشكل الذي بنينا عليه نظرتنا لعدم زيادة الرواتب إلا أن الأداء الحكومي بالسير نحو هذا الخيار كان ضعيفاً من ناحية مواجهة قوى السوق المحتكرة للمواد و المتحكمة بالعباد ويعد ذلك استمرارية لنهج ما قبل الأزمة بترك مفاتيح الاقتصاد و السلع الضرورية بيد بعض المحتكرين الهادفين للربح ولو على حساب لقمة عيش المواطن و عافية الوطن فكانت وزارة حماية المستهلك هي الأكثر ظهوراً ولكن ديكورياً من دون فاعلية فكانت عقوباتها آنية شكلية و ليست غائية هادفة لضبط الأسعار و منافسة محتكري المواد وكيف تفعل ذلك إن استمرت بآلية استجرار المواد من محتكريها و الانقياد بالأسعار ورائهم وإن قامت بحملات إعلامية دعائية على سلع لا تنعكس على معيشة المواطن كالمتة و الشاورما لتفاجئنا باستجرار مادة الموز و توزيعها في وقت يجب أن يواجه استيراده المحارب لمحصول الحمضيات الاستراتيجي و يبقى السؤال كيف تستجر مؤسساتها الموز لكسر سعره و تتعامى عن الاستجرار المباشر عن طريقها أو عن طريق مؤسسة التجارة الخارجية لسلع ضرورية يومية يحتاجها المواطن باستمرار.

وهنا يجب التأكيد على أهمية الدور المنوط بوزارة حماية المستهلك و بوقت التعافي و الانطلاقة و هذا الدور لم يستثمر ولم يكن بما تتطلبه الظروف و الصور و الديكورات لا تعني الكفاءة و الجودة بالأداء وإنما العبرة بانعكاساتها على أسعار المواد وجودتها و صحيتها و توفيرها ومنع احتكارها و إيجاد العقوبات الرادعة لتكون وسيلة لعدم المشاركة بالحرب على البلد من منظور اقتصادي.
وكذلك فإنه رغماً من حيوية ونشاط في إعادة تأهيل المناطق المحررة وإعادة الروح لها حسب الإمكانات و الطاقات ولكن لم نجد نيات و أفعال واقعية لإصلاح القطاع العام وخاصة الإنشائي و الصناعي في ظل الحاجة الماسة لجهوده ولكل الطاقات الأخرى لإعادة الإعمار، حيث لا تزال بعض القوى تفرض رؤيتها على الحكومة بمعزل عن معاناة المواطنين وأزمة البلد، والأمثلة كثيرة على ذلك كموضوع تسعير الأسمدة قبل إعادة تقييمه وأسعار الأدوية، وكما حصل في استيراد القطاع الخاص للمازوت، رفع أسعار "تضخمي" مثل ما حصل بالإسمنت ومن هذه الناحية كان نظام التسعير محابي للخاص وشكل ميزان لرفع الأسعار في فترة معينة ومن دون إعادة النظر ببعض الأسعار من العام لن نجد تعافي للأسعار بشكل عام وهو ما لاحظناه بعد إنخفاض سعر الصرف الذي لم يرافق بهكذا سلوكيات وإنما ترافق برفع رسوم وفرض ضرائب جديدة ولكن فعليا ًمتى دارت عجلة الإنتاج بدأ الاقتصاد يدخل مرحلة التعافي، وهو ما تحقق هذا العام بدليل زيادة حجم الإنتاج والصادرات، مع انخفاض حجم المستوردات، التي تشكل المواد الأولية ومدخلات الإنتاج حوالي 75%، ما يبين تحسن واقع القطاع الصناعي، الذي يعد مع الزراعي من القطاعات الإنتاجية الحقيقية، مع أهمية القطاعات الأخرى لكنهما يبقيان الأهم، فهما الرافعان الأساسيان للاقتصاد المحلي...

وبالنسبة للسياسة النقدية فإنه على الرغم من استقرار سعر الصرف بعد هزات سابقة لكنه أطال الاستقرار حول سعر فاق ما ورثه الحاكم الحالي بحدود 530 ليرة بعد أن أوصله السابق ل470 بعد هزات عنيفة و حالة تذبذب تعد أخطر من الارتفاع، وهو أمر أثنى عليه التجار والصناعيون نظراً لتأثيره الإيجابي في الأسواق استيراداً وتصديراً، وكانت السياسة التي انتهجها المركزي اعتماده على المصارف العامة والحد من دور شركات الصرافة التي كانت متهمة سابقاً في المضاربة على سعر الليرة وتوسيع نطاق السوق السوداء، التي تقلص دورها تباعاً وخاصة بعد قراره مؤخراً في تخفيض سعر الصرف إلى حدود 430 ليرة، ما شكل صدمة بداية للأوساط الصناعية والتجارية، التي استجابت للوضع الراهن نتيجة طمأنتها للمتغير الجديد، الذي يصب في مصلحة قوة الليرة واستعادة عافيتها، وتالياً تحسين القدرة الشرائية للمواطن عند عكس ذلك على أسعار السلع، الأمر الذي لم يستجب له التجار فوراً من جراء عجز التجارة الداخلية عن وضع حد لاحتكارهم لها بسبب اعتماد سياسة تسعيرية غير صحيحة، ما يفترض إعادة النظر فيها بغية تمكنها من فرض سيطرتها على الأسواق وإلزام التجار بقراراته ولم تكن السياسة النقدية لمصرف سورية المركزي منذ بداية العام الجاري واضحة المعالم حتى الأشهر الأخيرة، إذ كان جل الاهتمام منصباً على سعر الصرف المتأرجح بين الارتفاع والانخفاض، وكيف السبيل إلى مواجهة مضاربي السوق والحفاظ قدر الإمكان على الاحتياطي الاستراتيجي من القطع الأجنبي، ولكن لم يُكتب للقائمين على المركزي حينذاك النجاح في مساعيهم، والسبب يعود إلى قرارات فتحت المجال أمام المواطنين لتحويل أموالهم بالليرة إلى قطع أجنبي وادخاره، أملاً بتنفيذ صفقات تحويل يجنون منها مرابح خيالية، وكان للانخفاض الحاد في سعر الصرف لحدود 400 في السوداء ومحاولة المركزي تثبيته بحدود 440 ليرة تأثيراً على القراءة لأهم المواضيع التي كان الرهان واضح عليها، فبعد سيرورات سعر الصرف أصبح المركزي يملك الأدوات للتحكم بسعر الصرف و لكن إصراره على سعر مرتفع دفعنا للتساؤل حول المبررات وخاصة كان الرهان على تحسين سعر الصرف و ضبط الأسعار ومنها الوقود لتحسين مستوى المعيشة من دون الانقياد لزيادة الرواتب و التي ضمن هكذا سلوكيات أصبحت ضرورية.

وبخصوص السياسة المالية سعت وزارة المالية لرفع المساهمة في إعادة الإعمار من خلال رفع رسم المساهمة في إعادة الإعمار إلى 10% بعد أن كان 5%، وبرر كسلوك آني رغماً من إنعكاسه على مستوى المعيشة و استمرت الدراسات لزيادة الرسوم للكثير من الخدمات وسط استغراب لجهل الغاية من هكذا سياسة، وكان هناك إيجابيات بالعمل الجدي بموضوع القروض المتعثرة بحيث بوشر بتحصيلها ووضعها موضع التطبيق و تحصيل جزء كبير منها وكذلك فتح موضوع إعادة تقييم أملاك الدولة و التي كانت تؤجر بأسعار زهيدة وسط فساد علني غير عابىء بأي مسؤولية و كذلك كان العام الماضي إيجابي من ناحية التخفيف من أغلب الأزمات المازوت، الغاز، الأدوية

وكذلك كانت من الأمور اللافتة تصريحات لبعض المسؤولين لا تراعي المواطن و لا ظرف البلد متضمنة استخفافاً و استهزاءاً وهو ما يجب أن يلفت النظر له لتداركه، من مزايا العام المنصرم طرح مشروع الإصلاح الإداري وفق رؤية صائبة و تحليل عميق و دقيق للواقع وعلاجات صحيحة ولكن لم يبدأ العمل به وكانت أهم بنوده التعيين على أساس الكفاءة و النزاهة و تفعيل دور المتابعة و المراقبة و المحاسبة للإحاطة بالفساد المستشري بشكل غير طبيعي يستثمر جزء منه من تجار الأزمة تجار الدم، الفساد الذي لم يستثن أي قطاع ومنها التعليم و القضاء و حتى نهج تحويل أغلب المشافي لهيئات أكمل المشوار وكذلك لوحظ تعافي السياحة و خاصة الداخلية بانتظار عودة العافية للصناعة السياحية التي كانت رافداً كبيراً لموازنتنا، المهم وإن كان هناك تقصير يوازي ما حققته المؤسسة العسكرية من إنجازات و لكن اللبنات الأولية الأساسية للانطلاقة الفعالة قد وضعت بانتظار وضعها موضع التطبيق و العمل لمكافأة المواطن الذي صبر و احترام الدماء التي فاضت و الأمل كبير و الإمكانات متوفرة و سيكون العام القادم عام الوطن والمواطن و السياسات الهادفة لتحقيق العدالة الاجتماعية قدر الإمكان لمواطن يراعي ظروف بلده ولكنه يتطلع لاستثمار الموارد و الطاقات الاستثمار الصحيح.