الصواريخ الإيرانية على دير الزور رد اعتبار...أم شق للطرقات
في حادثة غير مسبوقة بتاريخ السابع من حزيران يستهدف تنظيم داعش الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بعد أن عود مراقبيه على غربية وجهته وهواه، لينجز وللمرة الأولى عمليه إرهابية في قلب العاصمة الإيرانية طهران، والتي من الممكن وصفها بأنها عملية خطيرة، وخطورتها بكل تأكيد لا تكمن بالنتائج المباشرة التي لا تذكر فعلياً، وإنما بالمدلولات الماورائية لهذا الاستهداف، بحيث يشير إلى أن إيران أصبحت هدفاً مباشراً لتنظيم داعش وعملياته الإرهابية من جهة، ومن جهة أخرى إهانة القدرات الاستخباراتية والأمنية الإيرانية التي لا يستهان بها، والتي تعود الإيرانيون وحتى جيرانهم على كفائتها وصعوبة تجاوزها، مما وضع القيادة الإيرانية تحت خيار إجباري ووحيد، وهو الانتقام ورد الاعتبار للقدرات الإيرانية، والتي خلقت سباقاً في مضمار الإعلام حول ماهية وكيفية الرد الإيراني، ليكون الرد على شكل صواريخ انطلقت من الأراضي الإيرانية إلى مقرات ومراكز قيادة مهمة لداعش في دير الزور، ولكن المفاجئ هنا بعض الشيء هو تأخر الرد الإيراني حتى تاريخ 19 من حزيران أي بعد 12 يوماً من الاعتداء الإرهابي، رغم أن السمة الأساسية للقرارات الإيرانية هي الحزم والسرعة في التنفيذ و تحديد الجهة، وهذا ما يضعنا أمام تساؤلين رئيسيين:
- لماذا كل هذا الوقت للرد على الهجوم الإرهابي؟
- ولماذا اختارت إيران هذا الشكل بالتحديد في هجومها الانتقامي؟
رغم أن القرارات الإيرانية تحمل طابعاً جوابياً في كثير من الأحيان إلا أن القيادة الإيرانية كانت تراقب بدقة وحذر تطورات العملية العسكرية في سورية، والتي تشارك فيها قوات رديفة ذات دعم وتمويل إيراني ضد داعش في البادية، وأيضاً في ظل متغير خطير وهو التواجد الأمريكي في التنف واعتداءاته المتكررة على القوات السورية وحلفائها، والذي يستند في وجوده على هدف رئيس وهو قطع التواصل الجغرافي بين إيران وسورية،ومنع عبور القوات السورية لنهر الفرات كحاجز طبيعي،مما يمهد لسيناريوهات تقسيم للدولة السورية، وعززت واشنطن هذا الهدف عن طريق نقل منظومة الصواريخ "هيمارس" التي يصل مداها إلى 300 كم بتاريخ 16 حزيران إلى التنف، بالتزامن مع سيطرة الحشد العشائري الموالي لأمريكا على معبر الوليد بين العراق وسورية، كرد فعل على تطويق الجيش السوري للتواجد الأمريكي في الجنوب الشرقي من البادية السورية، وفتحه الطريق مع العراق شمال التنف، مما يعني أن اختيار القيادة الإيرانية وسيلة الرد على شكل هجوم صاروخي على مواقع تنظيم داعش في دير الزور هو تهديد مباشر للراجمات الأمريكية المنقولة حديثاً في حال تسخيرها لخدمة الغرض الأمريكي السابق الذكر، وهذا ينبئ إلى إمكانية تحول الأراضي العراقية إلى ساحة مواجهة صاروخية بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، وهو سيناريو يدق ناقوس الخطر لدى الحكومة العراقية لما لهذا التصعيد من تبعات كارثية على العراق والمنطقة، ناهيك عن إعاقة تقدم العمليات ضد داعش في العراق، وهو ما سيدفع بالحكومة العراقية والتي تنتهج سياسة المصلحة العراقية فوق كل مصلحة، وسياسة التوافق والتوازن بين الفراقاء، إلى الضغط على واشنطن للعدول عن استخدام منظومة "هيمارس" لقطع الطريق بين طهران ودمشق، أو قصف الإمدادات الإيرانية،أو حتى إعطاء دور إعاقة هذا الطريق إلى أي قوات عراقية مهما كانت طبيعتها وتحالفاتها، إضافة إلى أن الحكومة العراقية ستضع بالحسبان المصالح الإيرانية كقوة إقليمية جارة للعراق، دون الإخلال بالتوازن في علاقة العراق مع إيران، على حساب علاقة العراق مع السعودية والخليج، وليس محض صدفة أن يكون التوقيت متزامن مع الجولة العراقية التي لبت دعوات كل من السعودية وإيران بعدها والتي قد تشمل روسيا، بالتالي نستطيع القول أن التأني في الرد الإيراني على هجمات طهران كل هذه المدة، واختيارها الرد على شكل هجمة صاروخية من إيران تطير فوق العراق وتقصف في مدينة دير الزور السورية، لم يكن فقط انتقاماً من داعش ورد اعتبار فحسب، وإنما أيضاً لتأمين طريق استراتيجي يشكل الشريان الرئيسي لمحور المقاومة،وإيصال تهديد مبطن للجيش الأمريكي بجاهزية إيران لقلب الطاولة في حال استهداف الطريق الواصل أو ما يمكن أن يحمله من عتاد وعتيد، بواسطة منظومة الصواريخ الأمريكية، وإبطال فاعلية أي محاولة أمريكية مستقبلية لتعزيز هذه المنظومة وإضافة منظومات أخرى لتطال طهران يوماً ما بذريعة الأمن الأقليمي ومحاربة الإرهاب.