هل هناك خطر تقسيم في سورية؟
مع الإعلان عن اتفاق مناطق التهدئة بين الدول المؤسسة لمسار أستانة، وهي روسيا وتركيا وإيران قالت الأطراف السياسية والعسكرية التي تحمل عنوان المعارضة والفصائل إنها غير معنية بالإعلان وربطت رفضها بالتحذير من خطر تقسيم سورية. ولم يغِب هذا القلق في الحديث عن التقسيم عن تحليلات الكثير من المتابعين للوضع في سورية، ومن بينهم من يقفون على ضفة دعم الدولة السورية والحرب التي تخوضها، وصار السؤال مشروعاً، هل يفتح مشروع مناطق التهدئة الباب لفرضية تقسيم سورية؟
– التقسيم كفرضية يستدعي مجموعة من الشروط لا علاقة لها بالقلق والرغبات أو المخاوف والتمنيات. فالتقسيم أولاً يستدعي إما إرادة فريق مهيمن عسكرياً وسياسياً وقادر على فرض خياراته على الآخرين، وأن يكون من ضمن خياراته التقسيم كمشروع تقسيم العراق، وفقاً للرؤيا الأميركية بعد الاحتلال، أو توازن سلبي للقوى يفرض أمراً واقعاً من التقاسم الطويل المدى وعجزاً متبادلاً بين المتصارعين عن تغيير التوازنات التي تفرضه كتقسيم كوريا بين شمال وجنوب، أو تفاهماً بين المتصارعين بالتراضي على تكريس التوازن القائم بشرعنة التقسيم كتقسيم ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية أو تقسيم السودان حديثاً، وفي الحالة السورية ليس أمامنا أي من هذه الشروط. فالتحالف الروسي السوري الإيراني مع المقاومة تمكّن من كسر التوزان السلبي وفرض مسار ترجح كفته العسكرية لصالحه، والتقسيم لا يمكن أن يكون رضائياً، ولا ضمن مشروع الدولة السورية وحلفائها.
– التقسيم يكون وفقاً لخطوط تماس ديمغرافية، وفقاً لهوية مهيمنة على كل منها، عرقياً أو طائفياً أو مذهبياً، ويكون على توازن سكاني وجغرافي في القابلية للحياة بمعزل عن الشق المقابل من الدولة المقسّمة، والنظر للمناطق السورية المعنية يقول بوضوح إن 10 فقط من مساحة سورية هي مناطق التهدئة، ومثلها 10 بين سيطرة النصرة وداعش و25 هي منطقة البادية التي لا يسيطر عليها أي طرف وتتجه الدولة السورية لحسمها، وأكثر من 55 بيد الدولة، وبالمقابل 90 من المدن السورية بيد الدولة ومدينة بيد النصرة وأخرى بيد داعش. وهما خارج التفاهم ولا توجد مدينة واحدة ضمن التهدئة بل جزء من مدينة درعا التي يتقاسم السيطرة عليها الجيش السوري والجماعات المسلحة ومن ضمنها وأهمها جبهة النصرة، و90 من السكان تضم أغلبية أبناء الطوائف والمذاهب السورية بلا استثناء في مناطق سيطرة الدولة و3 في مناطق التهدئة والباقي في مناطق سيطرة النصرة وداعش. ومناطق التهدئة لا تملك فرص الحياة فهي لا تطلّ على بحر ولا على حدود ولا أنهار فيها ولا محاصيل نوعية ولا نفط ولا غاز، وتعتمد في الخبز والرواتب والكهرباء والماء على ما يردها من الدولة، فهل يُعقل تخيّلها مناطق مستقلة؟
– الربط بين الحديث عن التقسيم يتمّ بالتلاعب بالكلمات، فيربط الوجود العسكري الأميركي والتركي بالوجود العسكري الروسي والإيراني ليقال بجعل الصديق والعدو متساويين أن سورية صارت مناطق نفوذ لغير السوريين. ومن جهة يربط الحديث عن مناطق التهدئة بوجود طرح كردي للفدرالية والاستقلال، لجمع هذه المتناقضات ضمن سلة واحدة. والقول هناك خطر تقسيم، لكن التدقيق في كل منها على حدة يوصل إلى أن في سورية مشروع دولة تسعى لاستعادة ما وقع من أرضها تحت سيطرة الجماعات المسلحة، وقد قطعت شوطاً هاماً على هذا الطريق، ولتزخيم مسعاها منحت بعض الجماعات المسلحة فرصة تهدئة لفصلها عن جبهة النصرة من جهة، والتفرغ لاستعادة منطقة البادية التي تشكل عشرة أضعاف مناطق سيطرة المسلحين وإحكام السيطرة على الحدود مع العراق ذات الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية.
– كان التقسيم حاضراً لو نجحت تركيا ومن معها بالسيطرة على حلب، ونجحت فتنة السويداء التي صمّمتها «إسرائيل» قبل سنتين، ولو كانت روسيا مع التقسيم لما جاءت بقواتها إلى سورية، ولتركت ذلك يقع وقبضت ثمنه غالياً من واشنطن وأنقرة وتل أبيب والرياض، فصار الشمال والشرق حتى حماة بيد تركيا ومَن معها ومن خلفها والساحل والوسط بيد الدولة والجنوب منطقة نفوذ متحركة لأمن «إسرائيل»، ولكانت لخطوط التماس هوية طائفية ولموارد الكيانات مصادر ذات أهمية. أما وأن الدولة السورية مدعومة من حلفائها أنجزت ما أنجزت من خطوات أصابت قلب مشروع التقسيم شمالاً وجنوباً فقد قبر التقسيم بدخول حلب وثبات السويداء في قلب الوطن، ومناطق سيطرة الأميركيين والأتراك لن تشكل فرصاً للتقسيم بل للتفاوض على مستقبل مطالب الأمن من الدولة السورية، وهي مطالب تتحرّك سقوفها كلما تغيّرت موازين القوى. وسورية تعزّز قوّتها لتجعل سقف هذه المطالب مشروعاً وليس مساساً بمستقبل الهوية السيادية للدولة، فلا تمنح لإسرائيل ولا لتركيا ولا لواشنطن امتيازات أمنية، ولا حزام أمن حدودي لأي منها وبعد حسم البادية والحدود مع العراق، وبدء حرب النصرة، وهما هدف مناطق التهدئة، لكل حادث حديث.