تنظيم الاحداث الرياضية العالمية.. فوائد اقتصادية وسياسية
يقصد بالاحداث الرياضية الكبري، تنظيم بطولات مثل كأس العالم لكرة القدم أو كأس العالم لأي رياضة أخري والالعاب الاولمبية سواء القارية أو الدولية, فبلا شك تمثل الألعاب الأولمبية الحدث الوحيد تقريباً الذي تشارك فيه وفود من 207 دولة، بما يعني أن هذه الوفود تمثل كل شعوب الكرة الارضية تقريباً.
تسعي الدول لاستضافة ألعاب رياضية دولية على أراضيها، وكل منها يضع للفوز بها مخططاً شاملاً ومتكاملاً لإنجاز البنى التحتية والبنى الرياضية المطلوبة وفق المعايير الدولية، وبذلك تكون اصول ثابتة واستثمارات للبلد نفسه بعد انتهاء الحدث الرياضي.
كما ان هناك فوائد أخرى تسعى إليها الدول المنظمة:
العوائد من تنظيم الاحداث الرياضية الكبري
• لابد من حساب العائد دون حساب قيمة الاصول الثابتة المضافة في البلاد، فيما يري جانب اخر أن معظم الاصول الناتجة عن تنظيم هذه البطولات تقل الاهمية النسبية لمعظمها بعد انتهاء البطولات بسب قله استخدامها، ولكن في كل الاحوال لا يمكن الانكار أن تنظيم الاحداث الرياضية الكبري يحرك البنية التحتيه في البلد المضيف بشكل ايجابي .
• تقسيم المصروفات حيث يمكن تقسيم المصروفات الي مصروفات استثمارية اي يمكن ردها سواء علي مدي الطويل او القصير بل ويمكن الربح منها، وهناك مصروفات بلا عائد كمصروفات الامن وحفلات الافتتاح وغيرها .
وجهات نظر مختلفة
يري فريق أن تنظيم الاحداث الرياضية العالمية يضر الاقتصاد الوطني أكثر مما يفيد، وان تنظيم هذه الاحداث ما هو الا اهدار للاموال العامة دون عوائد، لان العوائد التي تأتي لا تغطي غالباً ما تم انفاقة، ويرى فريق أخر أن الاحداث الرياضية لها عوائد اقتصادية وسياسية واجتماعية.
الاستفادة الاقتصادية
مثل بيع حقوق النقل التلفزيوني للبطولة، وحقوق الرعاية والتسويق الخاصة بالبطولة، وكذلك حقوق ترخيص المنتجات بالاضافة الي الضيافة والسياحه الي جانب التذاكر وغيرها، وتوفير فرص عمل وفرص استثمارية للشركات الاجنبية والوطنية. فقد خططت الحكومة في المملكة المتحدة عند تنظيم اولمبياد لندن 2012، لأن تطلق حملة ضغط اقتصادي غير مسبوقة مع بدء توافد الدبلوماسيين ورجال الأعمال الأجانب على العاصمة لحضور الألعاب الأولمبية.
ومن بين المشاريع المستهدفة -التي بلغ إجمالي قيمتها 6.2 مليار دولار- بناء مؤسسات صحية في الصين وأحواض لبناء السفن في البرازيل ومد خطوط سككية في روسيا وعمليات تنقيب عن المحروقات في المياه العميقة بالسواحل المكسيكية. وفى لندن تم إنفاق تسعة مليارات جنيه إسترليني (14 مليار دولار) لاستضافة الأولمبياد عام 2012، فالحكومة البريطانية تقول إنها استثمارات طويلة الأمد وتوقعت أن تدر عائدات بقيمة 13 مليار جنيه (20 مليار دولار) في الأعوام الأربعة التالية بعد عام 2012 .
القوي الناعمة
كما انها ترويج للقوي الناعمة للبلد المضيف، حيث يتم التسويق لكل شئ يريد البلد المضيف تسويقه للعالم من خلال الدعاية والاعلام، بداية من تسويق النجاح الاقتصادي في البرازيل في اولمبياد 2016 وكأس العالم 2014، وفي كأس العالم في جنوب افريقيا في العام 2010، وصولا لترويج الثقافة او السياحة الوطنيه حتي الاكلات وغيرها, كما أن قطر لم تفوت فرصة تسويق نفسها لتنظيم كأس العالم 2022، فنظمت ما يسمي "بيت قطر" في فعاليات اولمبياد ريو 2016، والذي اعتبر ملتقي ومكاناً مثالياً للتعبير عن روح قطر في قلب ريو دي جانيرو، حيث عرضت ما تريد أن توصله من رسائل من الثقافة والترفيه والطعام في لدعم الروح الأولمبية. وجاء تنظيم فعاليات "بيت قطر" ضمن خطط اللجنة العليا للمشاريع والإرث -المنظمة لمونديال 2022- لحضور كل البطولات الدولية الكبرى بهدف اكتساب الخبرة والاستفادة من مختلف التجارب في تنظيم مونديال قطر.
اولمبياد لندن 2012 والاستدامة البيئية
جرت محاولة مراعاة الاعتبارات البيئية في أولمبياد 2012، فعلي سبيل المثال نجد أن صالة كرة اليد المستضيفة للبطولة كانت مزودة "بانابيب ضوئية" تقوم بنقل ضوء الشمس الى داخل الملعب المزود بمقاعد ذات الوان براقة. الجدران الخارجية للملعب مكسوة بالنحاس، استضاف الملعب اضافة الى سباقات كرة اليد، منافسات المبارزة وكرة اليد للمعاقين, كما صُمم الاستاد الأولمبي العملاق في لندن من أجزاء متراكبة كلعبة الميكانو بحيث يستوعب 80 ألف شخص، ثم يعاد تفكيك أوصاله لتصغيره بعد الألعاب الأوليمبية بحيث يستوعب 25 ألف شخص فقط.
رسائل سياسية واجتماعية
من المؤكد أن الاولمبياد حدث عالمي سياسي قبل أن يكون رياضي، فلقد فضل الرياضيون الأمريكيون عدم المبيت في القرية الأولمبية التي تتواجد فيها جميع البعثات الرياضية المشاركة في ريو 2016، والاقامة في أحد الفنادق العائمة شديدة الفخامة والمتواجدة بداخل البحر مباشرةً, وذلك وسط منافسة شديدة مع الجانب الصيني من أجل الفوز بالبطولة وجمع أكبر عدد ممكن من الميداليات للتأكيد علي المنافسة الاقتصادية والسياسية بين الولايات المتحدة والصين، كما لم يخلُ هذا المحفل الدولي الكبير من رسائل سياسية عربية بمشاركة فلسطين في الاولمبياد، ولو مجرد مشاركة رمزية، لكنها تحمل رسائل كبيرة، وخصوصاً في ظل تعنت سلطات الاحتلال. البعثة الاسرائيلية والتي شاركت وسط صخب من كثير من البعثات العربية والاسلامية وحتي دول لا ترحب باسرائيل وخصوصاً في امريكا الجنوبية، وتأتي المشاركه للتمثيل والاعتراف أكثر من كونها بعثة رياضية. البرازيل قدمت أهم رسالة بتنظيم اكبر حدثين في الرياضة العالمية خلال سنتين فقط، وهما تنظيم كاس العالم 2014 واولمبياد ريو 2016.
قامت اللجنة المنظمة لبطولة كأس العالم لليد بقطر 2015 ومؤسسة "التعليم فوق الجميع"، بأطلاق مبادرة لدعم برنامج "علم طفلاً" حيث تم تحصيل مبلغ وقدره تسعة ملايين ريال قطري من تذاكر بطولة قطر2015 لبرنامج "علِّم طفلاً" مما سيتيح تعليم 25,000 طفل حول العالم لمدة عام كامل!
روسيا ورسائل بطولة كأس العالم 2018
بدأت روسيا استعداداتها لاستضافة بطولة كأس العالم 2018، المهم جدا في هذا البلد الذي يخوض صراعات سياسية واقتصادية على مستوى العالم. وفي إطار تلك الاستعدادات قامت روسيا بإنشاء ملاعب خاصة ومباني وساحات خاصة وفنادق لتستوعب السائحين المتوقع تواجدهم بالدولة أثناء البطولة.
ومن أهم تلك الاستعدادات، قيام روسيا بالعمل على تطوير استاد "دينامو موسكو" والحديقة المحيطة به على طراز حديث جدا، لتكون مركزا لإقامة بطولة كأس العالم بروسيا.
وتطوير هذا الاستاد الرياضي "دينامو موسكو" يزيد من المساحة المتوفرة للجماهير حيث أنه يضم ما يقرب من 45 ألف مقعد داخل الاستاد و10 آلاف مقعد في الساحة المحيطة، كما أنه يحتوي أيضا على مواقف للسيارات ومطاعم وغيرها من المرافق والخدمات التي تجعله مبنى متكامل قادرا على استيعاب التدفق الجماهيري المتوقع من المشجعين.
كما أن شكل هذا الملعب الرياضي يمثل تحديا روسيا كبيرا فهو يجسد الثقافة والفن الروسي العريق كما أن تصميمه يحتضن التاريخ ويخلق رمز للمعاصرة مع القرن الحادي والعشرين مما يعمق الشعور بالفخر والتميز لدى الشعب الروسي، ويقول المهندس المعماري الذي صمم الملعب الجديد، إن روسيا لأول مرة تستضيف بطولة كأس العالم منذ انطلاق البطولة عام 1930، ولذلك يجب على روسيا أن تستغل هذا الحدث أفضل استغلال، حيث أنها ستكون طوال مدة البطولة محط أنظار العالم بأسره، ولذلك يجب عليها أن تظهر بمظهر حضاري وعصري متطور في كل شيء، كي تجذب بعد ذلك جموع السياح إليها، مما يساعد على تعزيز ثقة الشعب الروسي وفخره بوطنه.
ويقع ملعب "دينامو موسكو" في بتروفسكي في قلب موسكو، هذا الموقع ذو الأحداث التاريخية والذي يعود إلى عام 1782، عندما أمرت يكاترينا ببناء قصر بتروفسكي، والذي أصبح بعد ذلك مركز للثقافة في موسكو، ولقد تم افتتاح ملعب "دينامو موسكو" الأصلي عام 1928، ومن أجل مواكبة الأحداث العالمية المعاصرة ولدعم روسيا للفوز باستضافة بطولة كأس العالم على أراضيها، قامت إدارة الاستاد بعقد مناقصة لتطوير وإعادة بناء هذا الاستاد في مطلع عام 2010.
وبذلك فمن يحرص على مشاهدة ومتابعة مباريات بطولة كأس العالم لن يتوقف استمتاعه على المواهب المهارات الرياضية بل سوف يستمتع أيضا بمناظر رائعة جاذبة للنظر، الأمر الذي تسعى من خلاله روسيا لتحسين صورتها بالعالم، واستجذاب السياحة، ما سيصب في المحصلة في مصلحة الوضع السياسي والإقتصادي للبلاد.
كأس العالم قطر 2022
كأس العالم بمثابة محرك أساسي لتحقيق الرؤية المستقبلية لدولة قطر 2030، وذلك من خلال دعمها للاستراتيجية الشاملة وليس اعتبارها بمثابة مبادرة فردية. سوف تعمل استضافة كأس العالم على مساعدة قطر على تحقيق رؤيتها في 2030، من خلال تطوير أجزاء كبيرة من البرامج الرياضية مثل برنامج تطوير وتنمية الرياضة وبالأخص كرة القدم الى جانب برامج الاصلاح والتطوير.
قامت قطر بالبدء فعلا في الاستثمار في البينة التحتية مع التركيز على أهمية التطرق للقضايا الصحية الملحة وذلك من خلال العمل على تطوير المستشفى الطبي الصحي (اسبيتار)، والذي تم تصنيفه عام 2009، من جانب الفيفا كمركز طبي رسمي ممتاز معترف به.
الدول العربية ستستفيد اقتصاديا من المونديال من خلال توفير الأيدي العاملة التي قد تتجاوز نظيرتها في مونديال جنوب إفريقيا، خصوصا مع محدودية عرض العمل من قبل القوى العاملة القطرية، التي سيتم التعويض عنها بالقوى العاملة الخليجية والعربية. أما بعد المونديال، فستبقى البنية التحتية وفوائدها لقطر وسيتم تعظيم الاستفادة من المونديال حين يتم التخطيط منذ الآن لاستغلال البنية التحتية باستخدامات أخرى كإنشاء فروع للجامعات العالمية مع الاستفادة من الوحدات السكنية كوحدات طلابية تساند نمو قطر كمركز إقليمي للتعليم العالي.
الصين واولمبياد بكين 2008
قال وانغ آن شون عمدة بكين أن هناك فرصة من الاستفادة من خبرة هذا الكم الضخم من المحترفين ذوى الخبرة في إقامة مشروع مشترك سيضمن الإقامة السلسة للألعاب، "فتراثنا الإنساني يعد أكبر أصولنا". خلفت أولمبياد 2008 أيضا مجموعة من المحترفين رفيعي المستوى. فهناك عشرة ملايين من المحترفين في مجالات التصميم والتنظيم والرياضة والتسويق والاستقبال والخدمات الطبية والإعلام والنقل، فضلا عن 100 ألف من المتطوعين ذوي الخبرة الوافرة مستعدين لتقديم أكبر حدث رياضي عالمي على الإطلاق. في النهاية قرار تنظيم الاحداث الرياضية من خلال تحليل نقاط القوة والضعف والعوائد والمصروفات والمكاسب السياسية والاجتماعية. إن تنظيم الاحداث الرياضية يتوقف علي تخطيط الدولة المستضيفة للحدث وامكانية توجيه رسائل سياسية واقتصادية للعالم مع كفاءة التخطيط واللجنة المنظمة لامكانية العوائد.