استبدال أوكرانيا بسورية.. واللعب مع الشيطان
تنبأ بعض الخبراء الروس بعد انسحاب جزء من القوات الروسية من سورية، بإمكانية تحسن العلاقات مع الغرب. من منطلق، لقد حصلتم على ما تريدونه، فلنصبح أصدقاء من جديد.
ولكن حدث العكس، إذ هاجمت وسائل الإعلام والسياسيون الغربيون روسيا مرة أخرى. حين بدأت فيكتوريا نولاند، ووزير الخارجية البريطانية ، وصحيفة واشنطن بوست، وموقع بلومبرغ، حملة جديدة معادية لروسيا، أطروحتها الأساسية، ضرورة تمديد العقوبات، روسيا دولة عدوة، الروس خائفون من الخيار الأفغاني، أبدوا جبنا وهربوا، وفي كل الأحوال روسيا تمثل الشّر.
وفي هذه الأثناء، يتوجه كيري إلى موسكو، في حين صرحت وسائل الإعلام انه ذاهب، لاستبدال أوكرانيا بسورية.
هل فعلا روسيا تريد مثل هذا التطور، وهل الغرب قادر على شراكة طبيعية؟ هذا ما طلبنا التعليق عليه من أحد الخبراء الكبار، مدير مركز الدراسات الجيوسياسية وعضو الغرفة العامة فاليري كوروفين.
- برأيك، هل يعقل أن ننظر إلى سحب القوات من سورية، على أنه محاولة لاقامة علاقات ودية مع الغرب؟
- الحقيقة أن الصداقة بين روسيا والغرب غير ممكنة، لأنها تتناقض مع جوهر الحاضر والتاريخ. وعلاوة على ذلك، هذا من حيث المبدأ، سيعني نهاية التاريخ، بسبب اختفاء إحدى الحضارتين التاريخيتين. اختفاء الغرب، كمجموعة من المعاني الحضارية المحددة، أو اختفاء روسيا باعتبارها نقيض لهذه المعايير، وهذا في الواقع يعني نهاية العالم.
لذلك، من البداية، مفهوم تخفيف أو القضاء على الصراع بين روسيا والغرب والمصالحة الروسية مع الغرب، هو خطأ ومستحيل في جوهره، ومن غير المرجح أن هذا الهدف، هو قصد فلاديمير بوتين والقيادة الروسية من وراء اتخاذ قرار سحب القوات من سورية.
السؤال الآخر، هل روسيا مستعدة اليوم لسيناريو المواجهة القاسية مع الغرب؟ هل لديها إمكانيات؟ وإلى أي مدى هي مهيأة داخليا، في ظل الظروف الراهنة، لبدء المعركة الحاسمة بين قوى "الخير والشر"، روسيا والغرب، النور والظلام؟ هذه القضايا مثيرة للجدل حقا، عند مقارنة كل "الايجابيات" و"السلبيات"، في ظل إدراك الموقف الذي نتواجد به حاليا، فإن قرار بوتين سحب القوات الروسية من سورية، جاء لوقف التصعيد المتزايد وتأجيل المعركة النهائية لبعض الوقت.
من ناحية أخرى، فإن التحديات التي واجهتها الدولة الروسية على مدى السنوات القليلة الماضية، بدءا من إنطلاق "الربيع العربي"، مرورا بـ"الثورة" في كييف، وحتى الحملة السورية الحالية، يدفعنا للتفكير، إلى أي مدى هذه الإجراءات المتخذة، قادرة فعلا على الرد على أي تحديات؟ ما هي الخطوات الأساسية التي يجب اتخاذها من أجل إعادة هيكلة الدولة الروسية الحالية، لتصبح قادرة على خوض المعركة النهائية الحتمية مع الغرب؟ تأجيل الصراع إلى ما لانهاية، مستحيل، عاجلا أم آجلا، سيكون علينا مواجهة هذا التحدي والرد عليه بشكل كاف.
بالطبع، لدينا ميزة، وهي استعدادنا في أي وضع لتحقيق النصر العسكري، وعرض الروح الروسية وقوة الأسلحة الروسية، ولكن دائما وفي كل الحالات تبقى مسألة الثمن. لا بد من أن نفهم، أن الانتصار يمكن أن يكون مكلفا جدا ومرهقا، الأمر الذي يطرح سؤالا عن مدى قدرة الدولة الروسية والحضارة الروسية على البقاء على هذا النحو. وهنا، يتضح أن الأمر غير ممكن دون بعض الخطوات التحضيرية، من حيث التعبئة الروحية والعقائدية الداخلية الروسية كموضوع تاريخي، للفوز في المعركة النهائية، والمواجهة اللاحقة لحجم التحديات مع الغرب. الذي ينظر –بالمناسبة- لهذه القضية من منظلق تاريخي شامل، ويعلن بصراحة عزمه على استكمال المواجهة التاريخية، والنصر الكامل والتام على منافسه المستمر، أي علينا. أعتقد أن الحملة السورية الحالية أصبحت بالنسبة لنا الإشارة الأخيرة، وأن الوقت قد حان لبدأ نظام التعبئة.
الغرب أعلن بوضوح أن العقوبات ضد روسيا، والتي أصبحت أحد العوامل المحورية، لن يتم رفعها، ولن يتم النظر في إمكانية إلغائها، إلا بعد عودة شبه جزيرة القرم، وهذا ما لن يحدث أبدا.
كل هذا يجب أن يؤدي إلى استنتاجات أساسية تاريخية خطيرة جدا بالنسبة للنخبة الروسية الحالية، والتي تكمن في حقيقة أن الغرب كان وسيبقى دائما عدونا، وانه من دون التعبئة الداخلية، وتشكيل فكرة وجود الدولة الروسية واستعادتها كموضوع تاريخي، لا يمكننا البقاء على قيد الحياة. وأخيرا أن الانتصار العسكري الكامل للأسلحة الروسية والشعب الروسي، هو الشرط الضروري والكافي، الذي سيوصل الرسالة لأعدائنا. أنصاف التدابير والحلول، غير قادرة على تأكيد إرادتنا، ولن تجبر العدو على عمل حساب لنا.
هذه هي الاستنتاجات الثلاثة الرئيسية، التي ستسفر عنها حتما، سلسلة الأحداث التي تجري مع روسيا في السنوات الأخيرة. هي أساسا النتيجة الأكثر إيجابية لكل التحديات، خلافا لتلك الإجراءات التكتيكية قصيرة المدى، التي يقترحها العديد من المعلقين على الأحداث الجارية.
نحن دخلنا التاريخ على محمل الجد، ونقف على أعتاب المعركة النهائية، وفقط هذه المبادئ، يجب أن تستخدم في تقييم ما يجري أمام أعيننا.
- فيما يتعلق بالمعركة النهائية، قريبا سيزورنا كيري، وعلى ما يبدو، ستكون هناك محاولة لمناقشة الأمر بلغة الانذارات، على الرغم من عدم استبعاد خيار ان الولايات المتحدة، قد تطرح نوعا من الصفقة. ماذا لو أن الولايات المتحدة عرضت تبادل: يمكنكم أن تعطونا الأسد، ونحن سوف نعيد لكم، مثلا، إن لم يكن كل أوكرانيا، فعلى الأقل دونباس. ما رأيكم، هل هناك أي فرصة لمثل هذا التبادل؟
بطبيعة الحال، من الممكن التوافق، والاتفاق مع كيري. ولكن في نفس الوقت يجب علينا ألا ننسى أننا قد بادلنا بالفعل أوكرانيا بالقذافي، وسلمنا ليبيا، بدلناها في التسعينات بالقروض، وبادلنا أسطول البحر الأسود وشبه جزيرة القرم بالمساعدات المالية وبخروج ألمانيا من الحرب مع روسيا السوفياتية في أوائل القرن العشرين. من حيث المبدأ، يمكنهم فعلا طرح مبادلة أوكرانيا مقابل أي شيء آخر، ليستعيدوها ويطرحوا صفقة جديدة مرة أخرى.
- كلام منطقي. هل الأفضل ضمها بشكل نهائيا؟
- برأيي، أوكرانيا جزء لا يتجزأ من روسيا العظمى، يسكنها الشعب الروسي، ودائما ستظل جزءا لا يتجزأ من الحضارة الروسية.
ظهور أوكرانيا ككيان مستقل، هو استمرار للإرادة الروسية لخلق دولة على حدودها الغربية ، ومواصلة دعمها، وبنائها، وتطوير الصناعة والاقتصاد فيها، ثم منحها السيادة. وبعد ذلك محاربة المعاداة لروسيا فيها بدعم غربي، لتتم مرة أخرى اعادتها إلى الكيان الأم.
من حيث المبدأ، تاريخ الانتصارات والبعثات الروسية إلى الغرب، يوضح للبشرية جمعاء، أن أوكرانيا، وحتى ما بعد أوكرانيا، يمكن أن ينتمي لنا بسهولة.
كنا مرتين في برلين، وكنا في باريس، والدم الروسي تدفق بغزارة في جميع أنحاء أوروبا، ووجودها الحالي هو شكل من أشكال الحضارة الروسية. هو مجرد دليل على إرادتنا، وعلى عظمة واتساع الروح الروسية الكريمة.
لذلك، فإننا يمكننا بالطبع عقد صفقة مع كيري، يمكننا أن نلعب معه في لعبته، ولكن كل هذا لا بد من القيام به، في ظل إدراك بأن اللعبة تدور مع الشيطان، الذي يغش ويخدع دائما، والذي يستخدم كل الفرص والبوادر على ضعفنا لصالحه.
ولكن في تلك اللحظة، عندما نريد فعلا هذا، نحن سنعيد كل ما هو لنا، دون أي لعبة، وبمساعدة الإرادة والعقل الروسي.
فاليري كوروفين
حاوره- روسلان ليابين