صراع النفوذ بين السعودية والإمارات في اليمن
بدأت ملامح التباين في مواقف السعودية والإمارات، تطفوا إلى السطح، فلطالما وحدهما التدخل العسكري ضد الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن، إلا أن تصادم حسابات الدولتين، أنشأ صراعا خفيا على النفوذ، وخصوصا في جنوب البلاد.
صراع النفوذ ليس نقطة الخلاف الوحيدة حاليا بين أبوظبي والرياض، بل يتعداها إلى ملفات أخرى، أبرزها ملف "إخوان اليمن" الذي يمثل من وجهة النظر الإماراتية، تجسيدا مطلقا للشر في البلادد، بينما تبدو الرياض أكثر ليونة في التعامل مع هذا الملف.
وتمارس الإمارات الضغط على السعودية لرفع يدها اللينة عن "إخوان اليمن"، المتمثل في حزب التجمع اليمني للإصلاح، غير أن النظرة السعودية للحزب باعتباره أحد المكونات السياسية الأمر الذي يصاعد من حدة القلق الإماراتي إزاء هذا التسامح من قبل جارتها الكبرى.
وأسفر قرار الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، في نيسان/إبريل من العام الجاري، بإطاحة خالد بحاح من منصبي نائب الرئيس، ورئيس الحكومة، عن اتساع هوة الخلافات بين الإماراتيين والسعوديين، خصوصا أن القرار اسند أحد المنصبين للجنرال علي محسن الأحمر الذي يعتبره الإماراتيون، الجناح العسكري لـ"إخوان اليمن".
ويشير الموقف الرسمي لدولة الإمارات الى أن إقالة بحاح وتعيين الجنرال الأحمر والقيادي بحزب المؤتمر احمد بن دغر، بديلان عنه، من شأنه أن يقلص من قدرة أبو ظبي على التأثير ولعب دور في تشكيل مستقبل البلاد، وتحديدا في شطرها الجنوبي.
وبدا امتعاض الإمارات من هذا القرار، عندما قررت سحب جميع قواتها المشاركة ضمن التحالف الداعم للشرعية اليمنية، من معسكر التداوين بين محافظتي مأرب والجوف شمال شرقي اليمن، احتجاجا على الإطاحة ببحاح، الرجل المقرب من سلطاتها، لولا نجاح المباحثات التي أجرتها قبائل مأرب معها، لثنيها عن هذا القرار، وهو ما تم بالفعل .
كما أن الاعتراض الإماراتي جاء على صيغة تحفظ بل أحيانا (بصورة علنية) على لسان وزير الشؤون الخارجية، أنور قرقاش الذي اعتبر قرارات الرئيس اليمني "انفرادية وتستهدف المصالح الشخصية والسياسية الضيقة" باليمن، باعتبار استقرار اليمن هدف استراتيجي للإمارات ودول التحالف التي ضحت بالدماء والأرواح من أجل ذلك الهدف الاستراتيجي.
وأظهر الخلاف الخفي بين أبوظبي والرياض، تحريك الأولى لعدد من أوراقها السياسية، كان أهمها إفساح المجال أمام شخصيات تنادي بانفصال جنوب البلاد عن شماله، تقيم في أراضيها، وهو ما يعد تلويحا إماراتيا بتحريك ورقة الانفصال، كردة فعل على مساعي الحد من تأثير حضورها في المشهد العام بالبلاد.
وتتواجد شخصيات جنوبية بارزة في الإمارات، أبرزها نائب الرئيس اليمني الأسبق، على سالم البيض، وحيدر أبوبكر العطاس، أول رئيس وزراء بعد تحقيق الوحدة مع الشمال، والقيادي بحزب رابطة أبناء الجنوب، عبدالرحمن الجفري، بل مثلت غرفة لتحركاتهم السياسية، وكل هذه الوجوه تنادي بفك الارتباط عن مركزية صنعاء والعودة بالجنوب الى ما قبل عام 1990 الذي شهد إعلان الوحدة بين الشمال والجنوب.
في غضون ذلك، عكس التوتر بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة مدى اتساع رقعة الخلافات جراء الطموح المتزايد للأخيرة في تقاسم خارطة النفوذ باليمن مع المملكة، التي تسعى إلى إدامة واستعراض نفوذها في هذا البلد، لما يمثله من عمق جيواستراتيجي، ولذلك يرفض الساسة السعوديون بروز أي منافس قوي لهم في هذا المجال الجغرافي الخاص بمملكتهم.
وأظهرت الشائعات المستمرة عن رغبة الإمارات في توسيع خارطة نفوذها نحو مدن شرق اليمن، مدى الشكوك التي تساور السعوديين تجاه التحرك العسكري للقوات الإماراتية نحو مدينة المكلا، كبرى مدن حضرموت، التي كان يسيطر عليها تنظيم "القاعدة" منذ نيسان/ إبريل من العام 2015. لاسيما وأن العملية سبقها تقديم دولة الإمارات طلبا للولايات المتحدة للمساندة العسكرية في حملتها ضد تنظيم "القاعدة" في معاقله التاريخية في الجنوب اليمني.
والمعضلة أن هذا الطلب تم بشكل منفرد وبعيدا عن التحالف المنضوية تحته ـ أي التحالف العربي بقيادة السعودية ـ ما مثَل اختبارا صعباً لأهم دولتين في التحالف العسكري ضد الحوثيين الشيعة المدعومين من طهران، فيما يخص التعاطي مع الملف اليمني، لكن لا مؤشرات على أن البلدين يمكن أن يذهبا إلى حد المواجهة ناهيك عن الخصومة المعلنة.
وعلى الرغم من كل أشكال التباين التي رشحت بين البلدين، إلا أن ذلك لم يمنع المملكة العربية السعودية من الدفع بقوات خاصة من جيشها لتقود في نيسان/ إبريل من العام الجاري 2016، معركة طرد عناصر التنظيم من المكلا بإسناد إماراتي واسع، وبمشاركة قوات من الجيش اليمني تلقت تدريبات في معسكر رماه الحدودي مع المملكة.
والتباين في المواقف بين نظامي الإمارات والسعودية، منشأه تقدير الأولى لمواقف ولائحة الأعداء الاستراتيجيين التي يتصدرها من وجهة نظرها "الإخوان المسلمون"، ممثلين في التجمع اليمني للإصلاح، الذي أعلن أكثر من مرة عدم وجود أي ارتباط مع التنظيم الدولي للإخوان.
إلا أن هذا الموقف تسبب في تفاوت أداء التحالف من جبهة عسكرية إلى أخرى، وأصبحت محافظة تعز (جنوب البلاد) أحد ضحايا هذا التباين في الخلافات بين الرياض وأبو ظبي، لاعتقاد الأخيرة أن النفوذ الكبير للإصلاح في تعز يشكل أحد أهم أسباب خذلان المقاومة هناك.
كما أن هناك مؤشرات حقيقية تفيد أن الإمارات المتحدة تسعى إلى فرض ترتيباتها الخاصة في المحافظات الجنوبية، وهو سبب إضافي لأن تدفع باتجاه عدم الحسم في تعز بما يسمح بالإبقاء على خط التقسيم الشطري.علما أن تلك الترتيبات لا تتفق مع ما تريده المملكة التي تشعر بخطر استفحال خطر الحوثيين ومشروعهم المرتبط بإيران.
فضلا عن ذلك، تواصل السياسية الإماراتية توسيع خارطة تحالفاتها عبر احتواء قيادات محسوبة على التيار السلفي، لعبت دورا مهما في قتال الحوثيين وقوات حليفهم صالح في مدينة عدن ومدن جنوبية أخرى، ومن أبرز تلك القيادات، هاني بن بريك، الذي يقود قوات الحزام الأمني في عدن والمدن المحيطة بها، التي تحظى بدعم من أبوظبي، ولذلك بات ضمن قائمة ما يعرف بـ"رجالاتها في اليمن" لاسيما وأن الإماراتيين قلصت دعمها للحراك الجنوبي الذي يمثله اللواء عيدروس الزبيدي، حاكم مدينة عدن، نتيجة الفشل الذي يرافق مسيرة إدارته للمدينة.
الإماراتيون دفعوا بالداعية السلفي بن بريك، الذي عين في كانون الثاني/يناير مطلع العام الجاري، وزيرا للدولة في الحكومة التي يرأسها أحمد عبيد بن دغر، إلى الواجهة، والذي بدوره سجل حضورا قويا في المشهد بعدن، عبر لواء "الحزام الأمني" الذي بدأ يشن حملات أمنية وعسكرية لم تتوقف عند أنصار تنظيمي "القاعدة" و"الدولة الإسلامية"، بل طالت رجال دين بذريعة مساندة تنظيم "القاعدة في جزيرة العرب" الذي يتخذ من اليمن مركزا له.
لكن الأهم في هذه النقطة، أن الإمارات تحاول تحقيق اختراق واسع في التيار السلفي المعروف بولائه للسعودية ودول أخرى في الخليج كقطر والكويت، الأمر الذي ضاعف من حجم الغضب والعداء المتنامي لها وحليفها بن بريك في عدن، وقوات النخبة الحضرمية في مدينة المكلا، عقب المعالجة الأمنية التي اتبعتها في التعامل مع رجال دين سلفيين، مازال البعض منهم قيد الإخفاء القسري منذ أشهر.
مجددا يعود خالد بحاح، نائب الرئيس السابق إلى الواجهة، كأحد أوراق أولاد زايد باليمن، عبر دفعه تفعيل نشاطه السياسي والتنقل بين عواصم الدول الأوروبية، بعد أيام من طرح المبعوث الدولي، إسماعيل ولد الشيخ، لخطته المثيرة للجدل، التي حظيت بموافقة جماعة "أنصار الله" (الاسم الرسمي للحوثي) وحزب المؤتمر (الجناح الموالي لعلي عبدالله صالح) بينما رفضت الحكومة الشرعية (حكومة هادي) استلام نص الخطة التي اعتبرتها "شرعنة" لما أسمته "انقلاب الحوثي وصالح" على شرعيتها، وتجاوزا للمرجعيات الدولية الممثلة بالمبادرة الخليجية وقرار مجلس الأمن الدولي رقم (2216).
وتنص خطة ولد الشيخ على "نقل هادي صلاحياته لشخصية توافقية يتم تعيينها في منصب نائب الرئيس،عقب تنحي الجنرال الأحمر من هذا المنصب، على أن يقوم النائب الجديد بتشكيل حكومة جديدة يشارك فيها الحوثيون، بينما سيصبح منصور هادي، رئيسا شرفيا حتى إجراء انتخابات رئاسية في البلاد. المهم في هذا الأمر أن هذه الخطة كانت بمثابة "باورهوس" لبحاح، حيث يسود الاعتقاد أنه الرجل المرشح لمنصب النائب الجديد، وفقا لخارطة المبعوث الدولي، كونه يحظى بقبول لدى حلفاء صنعاء (الحوثي وصالح).
عزز هذا الاعتقاد، الحديث المثير الذي أدلى به بحاح في سياق مقابلة تلفزيونية مع قناة "بي بي سي" البريطانية، بأن الرئيس هادي سيصبح على المدى القريب "رئيسا سابقا" داعيا إياه إلى "التنحي"، ما أثار أسئلة عديدة عن خلفيات هذا التصريح، فيما ذهبت بعض التحليلات إلى أن حديث نائب هادي السابق، يستند لإعلان وزير الشؤون الخارجية الإماراتي، أنور قرقاش، عن أن "بلاده تدعم مبادرة ولد الشيخ"، رغم أنها تحدد مصير هادي على سدة الحكم باليمن، الذي تشارك في التحالف الداعم له، معللا قرقاش موقفهم بأن "الخيارات البديلة مظلمة"، بمعنى أن بحاح يتكأ على الموقف الإماراتي الذي يلفه الغموض، في ظل تمسك الرياض بشرعية منصور هادي والتي شكلت تحالفا عسكريا لدعمها.
ويبدو أن القضية بين البلدين الخليجيين، بدأت تتجاوز في حد ذاتها مسألة إسناد ودعم حكومة الرئيس عبدربه منصور هادي، إلى مسألة نفوذ ومصالح كإحدى حلقات المنافسة بينهما، لكن رغم كل هذا التعقيد لم تندفع الرياض إلى التصعيد بل غلبت جانب التهدئة والرصانة.
المقال يعبر عن رأي كاتبه، ولا مسؤولية على هيئة التحرير