عشيّة معركة حلب وعشيّة معركة إدلب... لبنان على حاله

09.08.2019

من المفيد التذكير أن معركة حلب التي أرست قواعد توازنات جديدة في المنطقة لا تزال آثارها حاضرة، قد رافقتها أشدّ الأزمات اللبنانية توتراً تحت عنوان الانتخابات الرئاسية، ولم تكد المعركة تتكشف عن نهاياتها العسكرية، حتى انجلى الغبار الرئاسي في لبنان عن الحل، ففي الفترة الفاصلة بين ولادة داعش صيف 2014 وبداية الحسم العسكري في سورية انطلاقاً من حلب التي حسمت في خريف 2016 كان هناك عنوان وحيد في المنطقة هو معركة حلب. ففي حلب كان الثقل التركي ومقابله جاء الثقل الروسي ودار ما دار بينهما، من إسقاط الطائرة الروسية وصولاً للانضواء التركي في حلف أستانة. وفي حلب كانت المواجهة الأميركية الإيرانية التي كان ظاهرها على طاولة التفاوض على الملف النووي الإيراني، والذي كان التوقيع على الاتفاق حوله بعضاً من أثمان افتراضية أميركية للانسحاب الإيراني من معركة حلب، وجاء الانسحاب الأميركي من الاتفاق رداً بنسبة كبيرة على تمسك إيران بدورها الإقليمي الذي كانت معركة حلب بداية تجليّاته الساطعة. وفي لبنان لم يكن مجرد صدفة أن تمتد أزمة التجاذب والفراغ في الرئاسة اللبنانية في الفترة نفسها، من صيف العام 2014 حتى خريف العام 2016.

 المشكلة في لبنان هي في أن القراءات السياسية الدولية والإقليمية، حتى لدى القادة الكبار تمتلئ بالهلوسات والتهيؤات، ويختلط فيها التحليل الاستنسابي بالشائعات، وكثيراً ما ينسى القادة أنهم أطلقوا الخطاب التعبوي المبني كثيراً من الأحيان على قراءات مبالغة في التفاؤل وتجميل الصورة حشداً للصفوف، فيصدقون على طريقة راجح، ما فيه من روايات وتخيلات وتصير بعضاً من قراءتهم التي يبنون عليها القرارات، ولو لم يكن الأمر كذلك، فماذا جنى الذين راهنوا على هزيمة الجيش السوري وحزب الله وإيران وروسيا وتناقضاتهم المفترضة وأوهام وجود مشاريع متناقضة بينهم، والنتيجة قالت إنه لأجل معركة حلب الفاصلة جاءت روسيا وتحمّلت ما تحمّلت من أكلاف من أوكرانيا إلى سوق النفط وحرب الأسعار والعقوبات، ومثلها فعلت حليفتها إيران التي تحملت المخاطرة بسقوط الاتفاق النووي الذي كان قد وقع في صيف 2015 برهان أميركي على تحييد إيران عن الحرب السورية. ومن بعده بشهرين جاء الروس فقط لأنهم تلقوا ضمانات من إيران ومن حزب الله بأنه مهما كانت الكلفة فإن القتال حتى النصر هو قدر لا خيار.

 اليوم عشية معركة إدلب يتكرّر المشهد، وتكثر الأوهام، وتكبر الرؤوس، ويتحوّل الخطاب التعبوي الدعائي إلى تحليل سياسي، ويستعيد البعض حكاية مشروع روسي ومشروع إيراني، ويقرأون في بيان السفارة الأميركية تحولاً يشبه ما قرأه حكام الخليج بمجيء الأساطيل، ووقعوا في أحابيل التضليل، لكن ما كُتب قد كُتب، وما جرى في حلب سيجري في إدلب. فلماذا تعلقون لبنان على مشنقة جبهة النصرة، كما في عرسال وحدود الجولان والسويدا ودرعا، وكما في القصير قبلها، وكما في حلب، في إدلب؟