شعار الحرية بين درعا وعمّان... سوريا قوية فماذا عم الأردن
ما بين منتصف آذار 2011 ونهاية نيسان 2018 ليست فقط مسافات زمنية من السنين ولا فقط مساحات تفصل ما بين شمال حوران وجنوبه، ولكن أطرافاً متباينة من التناقضات في الرؤى والمفاهيم…
فشعار الحرية الذي رُفع وتمّ ترديده ثم وصف كل عمل منظم لتفكيك وتهديم مفاصل الدولة السورية على أنه جزء من عمل حرّ كالجيش الحر والقناة الحرة والنقابة الحرة…الخ.. وبالطبع لن أكرّر ههنا ما شرحناه كثيراً في شأن ما حصل في سورية، ولكن الحدث الأردني الأخير يعود بنا بالذاكرة إلى المقاربة الحقيقية التي آن لمجتمعنا أن يصل إليها في مسك مفهوم الحرية بيديه على أنها واجب، وهي أحد عناصر شعار الزوبعة في فكرنا القومي الاجتماعي والموضوعة في نسق علمي معياري دقيق… لو تسنّى لأجيال مجتمعنا ألا يغيب عنها هذا الفكر لأكثر من نصف قرن قسراً، لعرف أن الحرية بجانب النظام والواجب والقوة إنما تشكل نسقاً معيارياً علمياً متكاملاً لإمكانية تنفيذ قيمة الحرية، وهي خارج ذلك النسق إنما تشبه مكوكاً خرج عن مساره الفضائي وتنتظر بقعة ما من الأرض قد تكون مأهولة بالسكان لتغدو ضحية سقوطه فوقها…
بالمقارنة بين مفهوم الحرية التي إن أطلقت شعاراً من درعا إلى حلب، وتلك التي أطلقت من إربد إلى الأزرق، فإننا سنكون أمام نظامين سياسيين متباعدَيْن كل التباعد في مواصفاتهما، ويشكلان كيانين من كيانات الأمة. فحرية المجتمع تبدأ في مسارها الأول من استقلاله المادي والإنتاجي المتكامل مع الاستقلال السياسي والسيادي، حيث إن جميع هذه المفاهيم نسبية. فحتى الدول الصغيرة والجزر المعزولة التي لا تعاني أي احتلال لكنها ترزح تحت تبعيات شبه مطلقة لشركات كبيرة تستعمرها إن كانت إحادية الإنتاج، كما كان يطلق على جمهوريات الموز أو دول الكاكاو… الخ، ولكن مفهوم الحرية المرتبط بالسيادة هو مفهوم متعدّد العناصر والعوامل المشكلة له ولا يمكن استسهال توصيفه بناءً على نظرة أحادية، لكن الركيزة الأساسية فيه كما أسلفنا تتعلق بأعلى قدر من الاستقلالية الاقتصادية والإنتاج بالطبع. وهو الأمر الذي كان ميزة مطلقة في سورية بالمقارنة مع باقي الدول العربية عموماً، وبالتحديد بالمقارنة مع النظام الأردني الذي انتهج سياسة تكرّس تبعيته للدول الاستعمارية التي لا تزال تنتهج سياسة استعمار كل العالم اقتصادياً لتبقي هيمنتها عليه.
ويكفي أن نعرف حجم الدين الهائل الذي يرزح تحته أهلنا في الأردن في مقابل اللامديونية للجمهورية العربية السورية قبل الأحداث ليدرك أن هذا البلد الذي لم يستطيعوا تطبيق وصفة البنك الدولي لإخضاعه فلم يجدوا سوى السلاح والتفرقة الطائفية وتمويل العصابات المسلحة وإدخالها إلى مدننا وقرانا ووضع البلد كله تحت حصار خانق وجائر من أجل سلبه حريته ولم يستطيعوا ذلك بعد ثماني سنوات من الحرب.
لكن بالمقابل فإن الدولة التي ترزح تحت وطأة دينٍ بعشرات مليارات الدولارات حتى تكفي سيطرة ذلك البنك الدولي على مفاصل القرار في هذا البلد ليكون بيده كل قراره الاقتصادي ليدفعه دفعاً باتجاه الشارع عندما يريد أو يسحبه من الشارع بعد أن يتفاوض على حسابه ويفرغ حركته من قوة المضامين التي يمكن أن تنتصر لقضايا أمته مثل فلسطين والانفتاح على سورية ويعيده من جديد إلى الحضن السعودي الخليجي بشروط جديدة، وكل ذلك يوضع في مقياس حقيقة الحرية.