من سيكون خليفة البغدادي بعد إعلان مقتله؟

26.06.2017

صرحت وزارة الدفاع الروسية أنه وفقا للمعلومات التي يتم التحقق منها من خلال قنوات مختلفة، أن زعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي قد قتل نتيجة للغارات الجوية التي قامت بها الطائرات الروسية بالقرب من الرقة في 28 أيار/ مايو.

واستهدفت الضربات اجتماعا للقادة الكبار من تنظيم "داعش"، حيث أفيد بأن البغدادي كان حاضرا. و كان  الاجتماع  قد عقد للتخطيط لوسيلة  لخروج المسلحين من الرقة عبر ما يسمى "الممر الجنوبي".
حيث تسببت هذه الغارات في مقتل  30 من قادة ":الدولة الإسلامية" الميدانيين وما يصل إلى 300 من المسلحين وكان من بين الذين قتلوا ما يسمى "أمير الرقة" أبو الحاج المصري، و"الأمير" إبراهيم النايف الحاج، و"مدير أمن داعش" سليمان السواح.

وعلى الرغم من أن البغدادي لم يعين خليفته علنا، إلا أن اثنين من أقرب مساعديه الذين برزوا كمساعدين له على مر السنين هم إياد العبيدي وهو وزير دفاعه، وعياض الجميلي وهو المسؤول عن الأمن. وقيل إن هذا الأخير قد قتل في غارة جوية شنت في نيسان / أبريل في منطقة القائم على الحدود العراقية مع سوريا.
وهكذا، فإن العبيدي سيكون على الأرجح  هو خليفة البغدادي. هذا وكان الجميلي والعبيدي قد خدما سابقا كضباط أمن في الجيش البعثي العراقي تحت حكم صدام حسين، ومن المعروف أنه وبحكم الواقع سيكون العبيدي هو خليفة البغدادي.
غير أنه تجدر الإشارة إلى أن وزارة الخارجية الأمريكية البنتاغون لم تؤكد وفاة الجميلي ولا البغدادي. هذا وتعمل وسائل الإعلام الرئيسية على العودة إلى الوراء لإثبات أن البغدادي لا يزال على قيد الحياة وكان يختبئ في الصحراء بين الرقة والموصل مع اثنين فقط من حراسه الشخصيين في شاحنة صغيرة.
ليس من مصلحة واشنطن الآن تأكيد مقتل كبار قادة الدولة الإسلامية "داعش" حتى لو تلقت تقارير موثوقة عن وفاتهم لأن القوات الأمريكية والميليشيات المحلية المتحالفة معها شنت هجمات ضد معاقل "داعش" في الرقة و تسببت بخسائر هائلة في الأرواح البشرية.
كما واستخدمت الذخائر التقليدية والفوسفور الأبيض بكميات كبيرة ضد سكان المدينة ، وبالتالي سيتحول الرأي العام بسرعة ضد التدخل الخاطئ في العراق والتدخل الأميركي غير الشرعي في سوريا بحجة شن حرب ضد الإرهاب.

وذكرت وسائل الإعلام الروسية والإقليمية أن القوات الجوية الأمريكية تقوم بضرب الرقة  بالفوسفور الأبيض كما وتعمل في الوقت نفسه على توفير خروج آمن لمسلحي داعش عبر "الممر الجنوبي" إلى محافظة دير الزور الغنية بالبترول والتي دور الصراع فيها بين الجيش السوري و داعش  والميليشيات المسلحة المدعومة من الولايات المتحدة.

وهكذا، فبدلا من الحرب الحقيقية للقضاء على الإرهاب، فإن الحرب التي تقودها الولايات المتحدة ضد "داعش" تتحول إلى تزاحم للقوى في المنطقة بهدف بلقنة سوريا  بين الأكراد في الشمال، والحكومة السورية في الغرب والميليشيات المدعومة من قبل الولايات المتحدة المتمركزة في الشرق الغني بالطاقة (النفط).
لذلك، ليس من مصلحة واشنطن أن يتم التحقق من القضاء على القيادة العليا لتنظيم داعش حتى لو تلقت تقارير موثوقة في هذا الشأن، لأن شبح البغدادي يجب أن يبقى حيا إلى أن تحقق الولايات المتحدة أهدافها الإستراتيجية في سوريا والعراق .
وباستثناء البغدادي وبعض مساعديه الإسلاميين المتشددين، فإن بقية القيادات العليا في داعش تتألف من مسؤولين عسكريين ومخابراتيين من عهد صدام. وطبقا لتقرير موقع ( Associated Press) الإعلامي ، فإن مئات البعثيين العراقيين السابقين يشكلون هيكل القيادة العليا والمتوسطة من "الدولة الإسلامية" وهم من  يخططون لجميع عمليات  تنظيم داعش ويوجهون إستراتيجيته العسكرية.
وهكذا، وبصرف النظر عن التدريب والأسلحة التي تم توفيرها لمسلحي داعش في معسكرات التدريب الواقعة على الحدود التركية والأردنية المتاخمة لسوريا من قبل وكالة المخابرات المركزية (سي آي أيه )، وبالتعاون مع وكالات الاستخبارات التركية والأردنية والسعودية، فإن العامل الآخر الوحيد الذي ساهم في نجاح داعش إلى حد ما هو أن كوادرها العليا تتكون من ضباط عسكريين ومخابراتيين محترفين من عهد صدام.
وعلاوة على ذلك، فمن الحقائق التي لا جدال فيها أن المعنويات والأيديولوجية تلعب دورا هاما في المعركة، ويجب على القراء  أيضا أن يدركوا أن العقيدة التكفيرية لمعظم الجهاديين في هذه الأيام مستوحاة مباشرة من أيديولوجية السلفية الوهابية المتشددة من المملكة العربية السعودية، ولكن الأيديولوجية وحدها ليست كافية للنجاح في المعركة.

وبالنظر إلى المكاسب المذهلة التي حققتها داعش في سوريا والعراق في عام 2014، يطرح سؤال مفاده : أين يحصل المسلحون على جميع التدريبات والأسلحة الحديثة التي لا بد منها ليس فقط لحرب العصابات، بل للسيطرة على مساحات واسعة من الأراضي؟
يبدو أن خبراء السياسة الخارجية السوريين يتساءلون في هذه الأيام من أين يحصل جهاديو داعش على جميع الأسلحة المتطورة وخاصة تلك الشاحنات الضخمة من تويوتا التي يتم تزويدها بالرشاشات على الظهر، والتي تعرف بالعامية باسم "التقنية "بين الجهاديين؟
وطبقا لتقرير إخباري صادر في كانون الأول/ ديسمبر 2013  من صحيفة تابعة لحكومة الإمارات العربية المتحدة والتي تدعم المعارضة السورية، فإنه من الواضح أنه وبالإضافة إلى طائرات أك-47 والآر بي جي والمعدات العسكرية الأخرى فإنه سيتم تسليم شاحنة تويوتا مزودة بالرشاشات  لكل دفعة من خمسة جهاديين أكملوا تدريبهم في معسكرات التدريب الواقعة في مناطق الحدود الأردنية.
وبمجرد عبور هؤلاء المسلحين للحدود الأردنية السورية إلى درعا والقنيطرة في جنوب سوريا ، فإن شاحنات ال "بيك اب" هذه يمكن أن تسافر بهم  بسهولة إلى الرقة ودير الزور ومن ثم إلى الموصل والأنبار في العراق.
وعلاوة على ذلك، فإنه يظهر  بوضوح في التقرير أن المسلحين السوريين يحصلون على الأسلحة والتدريب من خلال مركز قيادة سرية مقره مبنى مقر المخابرات في عمان بالأردن، ويعمل به مسؤولون عسكريون رفيعو المستوى من 14 دولة، بما في ذلك الولايات المتحدة ، والدول الأوروبية، وإسرائيل، ودول الخليج العربية لشن حرب سرية ضد الحكومة في سوريا.

على الرغم من ذلك، ومن أجل خلق مظهر من الموضوعية والنزاهة، فإن صناع القرار والمحللين الأمريكيين على استعداد دائما لقبول اللوم على أخطاء الماضي البعيد التي لا تؤثر على الحاضر، ومع ذلك، فأي حقيقة يمكن أن تضر بسياستهم الحالية يتم وضعها جانبا أو التغاضي عنها.
وبالمثل، فإن المعلقين السياسيين في عصر "الحرب على الإرهاب" يقبلون "بسخاء" حقيقة أن سياسة عصر الحرب الباردة بدعم القاعدة و المقاتلين الأفغان المعروفين باسم "مقاتلي الحرية" ضد الاتحاد السوفيتي السابق كانت خطأ، لأن  كل تلك الأمور التي حصلت في السابق لا تؤثر على السياسة الحالية.
إلا أن المستشارين الإعلاميين في وسائل الإعلام  ينسون أن إنشاء داعش و الجماعات الجهادية الإرهابية الأخرى في سوريا والعراق له علاقة بالغزو الأحادي الجانب للعراق في عام 2003 في عهد إدارة بوش كما هي الحال في  سياسة إدارة أوباما المتمثلة في تمويل وتسليح وتدريب المشردين وضعيفي العقول ضد الدولة السورية منذ عام 2011 في أعقاب انتفاضات ما يسمى "الربيع العربي" في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
في الواقع، فإن السبب المباشر وراء صعود تنظيم داعش وجبهة النصرة وأحرار الشام وجيش الإسلام والعديد من الجماعات الجهادية  الأخرى في سوريا والعراق هو سياسة إدارة أوباما للتدخل في سوريا.

إن الحدود بين سوريا والعراق مفتوحة دائما وحراستها سيئة. وقد كانت سياسة إدارة أوباما لرعاية المسلحين ضد الدولة السورية من شأنها أن تخلف رد فعل على العراق، عاجلا أم آجلا. لذلك، فحالما عززت داعش مكاسبها في سوريا، قامت بتفتيت الموصل والأنبار في العراق في أوائل عام 2014 .
والآن، ومرة أخرى السكان البائسون في تلك المناطق يواجهون التفجيرات الانتحارية وتفجيرات السيارات التي تنفذها داعش من جهة، والقصف المدفعي والجوي المدعوم من الولايات المتحدة والفوسفور الأبيض من جهة أخرى.