مليونيّة بغداد بداية الخروج الأمريكيّ من العراق

27.01.2020

رمت واشنطن بثقلها لإنجاح حملة التعبئة التي قادتها ومعها حلفاؤها العراقيين والعرب لشيطنة الدعوة للمليونيّة التي ضجّت بها شوارع العاصمة بغداد أمس، وتعريتها من مشاركة مكوّنات العراق بين أبناء السنة والأكراد، ومخاطبة جمهور الشيعة من بوابة عرب وفرس ومرجعيات متنافسة، وبالسعي لتفعيل الحراك المعارض للفساد والفشل الحكومي الذي يشكلون الأساس فيه، واعتبار المليونيّة تخريباً عليه، وجاء لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالرئيس العراقي برهم صالح مدخلاً لنقل تهديدات بالعقوبات، وبمطالب مالية طائلة إذا تواصل التحرّك نحو المليونيّة، أما التلويح بالحرب الأهلية فقد خرج إلى العلن من مراجع سياسية محسوبة على الأميركيين، ومثله توصيف المليونيّة بالمحاولة الإيرانيّة للسيطرة على العراق بتجريده من الحماية الأميركيّة، وخرج رموز من النظام السابق يخاطبون العراقيين بلغة «قومية عربية» للقول إن المرحلة ليست لإخراج الأميركيين بل لمواجهة الهيمنة الإيرانيّة، وتمّ تنشيط تنظيم داعش للقول إن خطر داعش لا يمكن مواجهته بدون الأميركيين، لكن المليونيّة تمّت ونجحت وفاق الحضور التوقعات وأدهش كل مَن له بصر، فماذا بعد؟

– الخطوة الأولى التي تقول إن لا شيء سيمنع العراقيين من إطلاق صوت موحّد هادر يعلن بدء مسيرة إخراج الأميركيين من بلدهم، تمّت وبنجاح منقطع النظير وشديد الإبهار، وما بعدها ليس كما قبلها، لكن كلمة السيد مقتدى الصدر لا تقل عنها أهميّة. فالواضح أنها حملت برنامجاً للتحركات، التي ستتم تحت عنوان الضغط الشعبي والسياسي قبل اللجوء إلى المقاومة المسلّحة، ومنها محاصرة القواعد العسكرية التي يتمركز فيها الأميركيون بآلاف وعشرات آلاف المتظاهرين، وخوض المواجهة الدبلوماسية والقانونية لإسقاط الصفة الشرعية عن الوجود الأميركي طلباً لجدولة زمنية لخروج القوات الأميركية بصورة نهائية. وفي نهاية الطريق اعتباره احتلالاً واعتبار المقاومة طريقاً حتمية لإخراجه.

– الخطوة الثانية هي تسمية رئيس للحكومة الذي تتفق عليه كتلتا البناء وسائرون، أي قوى الحشد الشعبي والسيد مقتدى الصدر، ووضع هدف إخراج القوات الأميركية عنواناً لأولى مسؤوليات الحكومة الجديدة، ولم يعد ممكناً للأميركيين أن يتجاهلوا هذا المسار السياسي المنطلق بهذا الزخم، ولا تفادي مخاطر إعلان نهاية المهلة السياسيّة بعد شهور وبدء أعمال المقاومة، وعليهم من الآن أن يقرّروا خريطة طريق للتحرك، إما باتجاه البقاء عنوة وتحمّل تبعات معاملتهم كقوة احتلال. وفي هذه الحالة سيكون عليهم الانسحاب إلى كردستان من الآن، لأن عملية الانتقال تستغرق شهوراً أطول من شهور المهلة السياسية، وفي هذه الحالة سيكون الانسحاب الجزئي انجازاً أولياً لمسيرة طردهم من العراق، لكن عليهم هنا الإجابة عن سؤال لاحق، كيف سيشرعنون وجودهم في كردستان؟ فعل يعودون لرعاية مشروع الانفصال الذي رفضوا التورّط فيه من قبل؟ وهل يتحمّل الأكراد أعباء معركة دفاع عن الأميركيين تؤدي لتحوّلهم إلى أعداء في سائر مناطق الأكراد فيغلقون مناطقهم على أنفسهم نحو العراق وإيران ويرتضون الاختناق كرمى لعيون ترامب، ثم ماذا بعد؟ ومن سيعترف بالتقسيم الذي تمّ التوافق الدولي على رفضه من قبل؟

– الخيار البديل أمام الأميركيين هو الاعتراف بأن زمن خروجهم من العراق قد بدأ، وأن التجاوب مع طلبات الحكومة العراقية بوضع جدول زمني مشترك لإنهاء الوجود العسكري الأميركي هو أفضل السبل لحفظ ماء الوجه، وحفظ المصالح الأميركية الأهم في العراق. وفي هذه الحالة قد يكون مخططهم البديل هو تصعيد المواجهة مع بقايا تنظيم داعش بالتعاون مع الجيش العراقي للوصول إلى لحظة إعلان نهاية التنظيم وإعلان الأميركيين عن إنجاز المهمة وبدء الانسحاب على توقيت يزعمون أنه توقيت نهاية الحرب على داعش، وليس نتيجة الضغوط والمطالبات، لكن في كل الأحوال سيكون على الأميركيين الاعتراف أن ما وعد به قادة محور المقاومة، بأن ما بعد استشهاد القائدين قاسم سليماني وأبي مهدي المهندس غير ما قبله بالنسبة للوجود الأميركي في المنطقة انطلاقاً من العراق.