الإستثمار الحكومي في البنية التحتية: علاج غير فعال لعلل الإقتصاد الروسي

04.05.2016

في الأشهر القليلة الماضية، اقترح اقتصاديون مرموقون ومسؤولون حكوميون، إعادة انعاش الاقتصاد الروسي من خلال الاستثمارات الحكومية الضخمة في البنية التحتية.

النائب الأول السابق لوزير التجارة والتنمية ميخائيل ديميترييف، روّج بنشاط لفكرة استثمار ما لا يقل عن 3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في مشاريع البنية التحتية سنويا، بحجة أن هذا سيؤدي إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي على المدى الطويل بمعدل 3% سنويا.

في المناقشات الاقتصادية عالية المستوى، يشير المسؤولون بشكل خاطئ إلى أن الاستثمار في البنية التحتية هو السبب في نجاح فرانكلين روزفلت في إخراج الولايات المتحدة من الكساد الكبير والطفرة الاقتصادية الألمانية في ثلاثينات القرن الماضي.

هل ستتمكن مشاريع البنية التحتية الممولة من قبل الدولة من معالجة المشاكل الاقتصادية في روسيا؟
على الرغم من أن الاستثمارات الحكومية في البنية التحتية والنمو الاقتصادي غالبا ما تكون مرتبطة، إلا أن الاستثمارات الحكومية ليست دائما سببا للنمو. من أجل نجاح الاستثمار في البنية التحتية، يجب أن تتوافق هذه الإستثمارات مع الطلب الحالي أو المحتمل في السوق. محاولات استخدام الاستثمار في البنية التحتية لتنشيط الاقتصاد، نجحت في بعض البلدان الأفريقية،  بسبب تجاوز مستويات الطلب على البنية التحتية لمستويات العرض.

هذا النوع من الاستثمار هو أكثر فعالية عند وجود القليل جدا من البنية التحتية في ظل طلب مرتفع للتنمية. في البلدان ذات البنية التحتية الجيدة نسبيا، مثل روسيا، أثر هذه الخطوة سيكون أقل من ذلك بكثير. وفي كثير من الحالات، الاستثمار الحكومي "الناجح" في البنية التحتية، في الواقع يكون استجابة لنمو الاقتصاد.

البنية التحتية ليست العامل المحدد لتثبيط نمو الاقتصاد الروسي. قدرات النقل العالية، والاتصالات، والتكاليف اللوجستية، تتضاءل بالمقارنة مع القضايا الأكبر التي تواجه الشركات، بما في ذلك غياب سيادة القانون والفساد وعدم وجود الحماية القانونية للمستثمرين ورجال الأعمال وعدم وجود يقين سياسي. وعلاوة على ذلك، روسيا تفتقر إلى رأس المال والموارد العمالية اللازمة لدعم النمو الاقتصادي السريع.

في ظل مثل هذا المناخ الاقتصادي، مشاريع البنية التحتية الحكومية على نطاق واسع، تواجه عددا من التحديات.

المحسوبية هي عقبة واضحة في التنمية: الحكومة ستستثمر بشكل شبه مؤكد في المشاريع المربحة لجماعات الضغط ذات العلاقات الوثيقة مع الحكومة، بدلا من تلك التي تعمل على أفضل وجه، لخدمة الصالح العام.

التمويل سيكون مشكلة أيضا. فمشاريع البنية التحتية في المستقبل ستكون مكلفة جدا وستشكل عبئا على الميزانية. ما هو أسوأ من ذلك، أن جزءا كبيرا من الأموال المخصصة للاستثمار، ستتدفق حتما إلى الخارج، ما سيزيد من ضعف سعر صرف الروبل.

ومن المتوقع أن التنفيذ سيكون بطيئا وسينتهك معايير الجودة. ونتيجة لذلك، بعض هياكل البنية التحتية ستكون غير فعالة، إن لم تكن عديمة الفائدة تماما. ومن غير المرجح أن تقوم الحكومة بالاستثمارات اللازمة في مجالات صيانة والخدمة التقنية، وهذا يعني أن المشاريع التي ستنفذ، ستكون ذات أعمار قصيرة.

مشاريع البنية التحتية على نطاق واسع من المرجح أن تكون ذات تأثير سلبي على صافي الطلب الكلي: سيتم جمع الأموال للاستثمار بواسطة الإصدارات النقدية، الأمر الذي سيؤدي إلى التضخم وانخفاض الطلب، وكذلك سيحد من فائدة المشاريع.

كما من المتوقع أن يؤدي تحويل موارد الدولة إلى البنية التحتية، لزيادة تكاليف الشركات المستقلة: بسبب النقص في القدرات البشرية، الاستثمار الحكومي سيشكل عبئا على المواد والأيدي العاملة، ما سيرفع الأسعار والأجور.
الإصلاح الداخلي على الأرجح سيتضرر نتيجة للاستثمار في البنية التحتية على نطاق واسع. ستقدم الاستثمارات المدعومة بالإصدارات النقدية للنخب فرصة سريعة لكسب المال، ومرة أخرى، سيتم تأجيل الإصلاحات. وسيزداد تأخر تطوير روسيا عن منافسيها.

ومن المحتمل أن تصبح السياسة الخارجية لروسيا أكثر عدوانية من أجل تعويض المشاكل الاقتصادية المشار إليها، ما سيكون له تأثير سلبي على شعبية الحكومة. وهذا بدوره سيضعف قدرة روسيا على جذب الاستثمارات وسيفاقم انعزال روسيا عن الاقتصاد العالمي.

حتى لو كانت كل التحديات المذكورة أعلاه قد تمت دراستها وأخذها في الحسبان، وبالفعل هناك طلب كبير على البنية التحتية في روسيا، فإن الاستثمارات الحكومية تستلزم نفقات هائلة لتنشيط الاقتصاد: من أجل نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3 في المئة سنويا، روسيا بحاجة لزيادة استثمارات الدولة بنسبة 36 في المئة في السنة الأولى، وزيادة الاستثمار الأولي بنسبة 18 في المئة في العام التالي، و9 في المئة في العام الذي يليه، ثم 4.5 في المئة، وهكذا دواليك.

وهذا يعني أن الاستثمارات الحكومية يجب أن تزيد بأربع مرات تقريبا من أجل الوصول لنمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3 في المئة سنويا. وبالنظر إلى أن 50 في المئة من جميع الأموال المخصصة لمشاريع البنية التحتية ستفقد بسبب الفساد وعدم الكفاءة، ربما يتعين زيادة التكاليف بسبع مرات من أجل تحقيق هذا الهدف.

وتشير تقديرات متحفظة إلى أن روسيا ستضطر لاستثمار 15 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في البنية التحتية سنويا لعدة سنوات، من أجل تحقيق تأثير إيجابي ملحوظ على الاقتصاد. هذا غير عملي: على سبيل المقارنة، تنفق المكسيك 5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي على البنية التحتية، الهند تنفق 10 في المئة، وأندونيسيا تنفق أقل من 7 في المئة، والصين تنفق ما بين 6 و11 في المئة.

الاقتصاد الروسي لديه مشكلتين أساسيتين: التنظيم المفرط والمخاطر العالية التي تعوق ممارسة الأعمال التجارية. وسوف يتطلب النمو الاقتصادي احتمالات ربح عالية جدا بالنسبة للشركات أو انخفاض هائل في مخاطر العمل. الاستثمار في البنية التحتية لا يفعل شيئا لمعالجة أي من هاتين القضيتين، وبالتالي هو علاج غير فعال لعلل الاقتصاد الروسي.