الرئيس التركي يسعى للسلطة بأي ثمن
تكاثرت الأحاديث حول الخلافات بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس وزرائه أحمد داوود أوغلو، الذي أعلنت عدة وسائل إعلام تركيا وعالمية عن نيته الاستقالة من رئاسة الحزب والحكومة إثر خلافه مع أردوغان. وبالنسبة إلى الرئيس التركي رجب طيب أروغان ورئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو، فإن الاجتماعات هي مجرد روتين أسبوعي. ومع ذلك، فإن اجتماعهما الذي عقد يوم الأربعاء، جاء مبكرًا عن موعده بيوم كامل وسط شائعات أن داوود أوغلو قد يتنحى بسبب خلافات مع الرئيس.
تأتي هذه الأنباء في ظل مخاوف حول حدوث انقسامات في الحكومة التركية، في وقت تعاني فيه البلاد أمنيًّا وتتسبب الانعكاسات السياسية لقضايا المنطقة في قدر هائل من عدم الاستقرار. على وجه الخصوص، تخوض تركيا المواجهة حاليا ضد التمرد الكردي سواء في الداخل أو في البلدان المجاورة، في حين تقوم بوضع اللمسات الأخيرة مع الاتحاد الأوروبي حول صفقة تهدف إلى استيعاب الملايين من المهاجرين.
وعلى الرغم من النفي العنيد من الإدارة التركية لهذه الأقوال خلال الفترة الماضية، فقد سرت شائعات عن تصاعد التوتر بين أردوغان وداوود أوغلو منذ فترة طويلة في تركيا. ومنذ اختار أردوغان رئيس وزرائه داوود أوغلو، وزير الخارجية الأسبق، في سبتمبر/أيلول 2014، ظلت العلاقات بينهما دومًا محفوفة بالتوترات.
وقبل هذا التعيين، كانت العلاقات تبدو وثيقة بين الرجلين. وكان داوود أوغلو يلعب دورًا أساسيًّا في تشكيل مهمة حزب العدالة والتنمية والتي تضمن ترسيخ صورة تركيا كقبلة للعالم الإسلامي، إضافة إلى توسيع نفوذها في الشرق الأوسط. ولكن الخلافات نشأت بسبب مجموعة متنوعة من القضايا بما في ذلك التوازن المناسب للسلطة بين الرجلين. وقد عمل أردوغان بشكل مضطرد على عكس النموذج التركي التقليدي الذي يتمتع فيه رئيس الوزراء بمعظم السلطة، في حين يبقى دور الرئيس كرنفاليًّا. والأحاديث الأخيرة عن الاستقالة المحتملة لداوود أوغلو، يأتي في أعقاب قيام أردوغان بخفض صلاحيات رئيس الوزراء. ففي 29 إبريل/نيسان، قام الرئيس بإلغاء سلطة رئيس الوزراء في تعيين رؤساء المقاطعات والمناطق في حزب العدالة والتنمية.
طموح أردوغان
الخلاف بين قادة تركيا يعكس طموحات أردوغان لتوطيد سلطته ليس فقط على حزبه ولكن أيضًا على البلاد ككل. وبهدف السيطرة على أكبر قدر ممكن من السلطة، يسعى أردوغان إلى دستور جديد يمنح منصب الرئيس معظم الصلاحيات التنفيذية. في المقابل، يتهم العديد من السياسيين في تركيا أردوغان بأنه يبدي ميولًا ديكتاتورية.
وتتسبب سياسات أردوغان في زيادة الاستقطاب في البلاد وزيادة الانقسام داخل حزب العدالة والتنمية وحتى الأحزاب السياسية الأخرى. وخاصة، الانقسام الذي شهده حزب الحركة القومية حول الشراكة مع الحزب الحاكم، الذي رغب في زيادة قاعدته الشعبية بين الناخبين القومين خلال الانتخابات الأخيرة. وعلاوة على ذلك، فإن ضغوط أردوغان لرفع الحصانة القضائية عن النواب التشريعيين تتسبب في انقسامات بين صفوف قادة الأحزاب في تركيا، والذين يخشون من استخدام أردوغان مثل هذا التشريع لعرقلة منافسيه، خاصة وأنه ليس موجهًا فقط ضد النواب المتهمين بالتواطؤ مع حزب العمال الكردستاني.
ملفات مهددة
وفيما وراء الصراعات السياسية، فإن أنقرة تواجه مخاوف أمنية متزايدة. وعلى الرغم من تركز الاضطربات في جنوب شرق البلاد، فإن حملة تركيا الفعالة ضد المتشددين الأكراد قد تسببت مؤخرًا في هجمات امتدت إلى أنقرة وإسطنبول. المخاوف بشأن حزب العمال الكردستاني تمتد إلى العراق وسوريا، حيث قامت تركيا بتوسيع عملياتها العسكرية ضد الأكراد في كل من سوريا والعراق. كما أن التهديدات التي يمثلها تنظيم "الدولة الإسلامية" تزيد من مخاوف تركيا بشأن الأكراد.
وبينما كان داوود أوغلو يتحدث حول إمكانية استئناف محادثات السلام مع حزب العمال الكردستاني، يبدو أردوغان متمسكًا في الوقت الراهن بالحل العسكري. فمن أجل حشد الدعم السياسي لمساعي الأمن القومي، قد يقوم أردوغان بحملة عسكرية أكثر عدوانية ضد الأكراد في سوريا أو العراق. ولكن ذلك قد يورطه في نزاعات مع روسيا أو إيران.
وتجدر الإشارة إلى ملف آخر قد يتأثر بشكل كبير باستقالة أوغلو، وهو صفقة المهاجرين الوليدة مع الاتحاد الأوروبي. التي يعزى معظم الفضل في التفاوض على هذه الصفقة إلى داوود أوغلو وقد تم توقيعها في 20 مارس/أذار وتنص على أن تركيا ملزمة تنفيذ تدابير لضمان حماية جميع المهاجرين في تركيا. وقد وافق البرلمان التركي مساء الثلاثاء على 72 شرطًا للاتحاد الأوروبي لتحرير قيود التأشيرات في أواخر يونيو/حزيران. ومع ذلك، تبقى تركيا منقسمة حول مدى استعدادها لاستيعاب الملايين من المهاجرين في البلاد، والانقسامات التي يمكن أن تجعل العديد من التدابير الأساسية أكثر صعوبة في تنفيذها. وهذا بدوره يمكن أن يؤثر على قرار الاتحاد الأوروبي دعم جانبه من الصفقة، بما في ذلك المساعدات بقيمة 6 مليارات دولار وتسريع مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد.
وبغض النظر عما إذا كان داوود أوغلو سيتخلي عن منصبه، فإن جهود أردوغان لتوطيد سلطته تفاقم الانقسامات بين الأحزاب السياسية في تركيا. وفي الوقت الذي تواصل فيه البلاد وزن قراراتها السياسية والأمنية الهامة، فإن هذه المناورات قد تؤثر على جهود أنقرة للمضي قدمًا.