العراق... صعوبة الواقع وآفاق الحل... والوجود الأمريكي سلبي وسبب للمشاكل

15.05.2018

منذ حدوث التغيير السياسي في العراق، في عام 2003، مع الغزو الذي قادته الولايات المتحدة الامريكية، لتغيير نظام صدام، فإن النظام السياسي والقضائي العراقي غير مستقر وضعيف جدا وتشوبه الكثير من العيوب، على الرغم من أن النظام الجديد قدم الحرية والديمقراطية للدولة، المنقوصتين حتى الان.

النظام السياسي الحالي، يعاني من الفساد، ومن أعلى المستويات في الدولة. حيث يُصنّف العراق حالياً، ضمن واحدة من أكثر الدول فساداً في العالم، وفقاً لأحدث تقرير لمنظمة الشفافية الدولية، وهذا ما تؤكده هيئة النزاهة العراقية سنويا، ولكن من دون عقاب لألاف الموظفين الذين ترد اسماهم في قوائم هذه الهيئة، حيث تحولوا الى لصوص تحت غطاء القانون. هذا أدى إلى نهب ثروة هذه الدولة الغنية جدا، والذي تسبب في إبقاء هذه الدولة متخلفة، بالرغم من رفع الحصار الاقتصادي بعد التغيير السياسي ومنذ 15 عاما. فلا توجد خدمات أساسية تقدمها الحكومة للمواطنين. الكهرباء، لا تصل إلى معظم المواطنين باستثناء ساعات قليلة جداً في أغلب المناطق، هناك العديد من المشاكل في شبكات الماء الصالح للشرب، الطرق الرئيسية والشوارع محطمة، الدولة مدمرة، والقطاع الصناعي تراجع انتاجه الى اقل من 1% من حاجة الدولة، وتتفشى البطالة بين العراقيين، وأنواع مختلفة من الجرائم، بما في ذلك الإرهاب، لا توجد استراتيجية واضحة للدولة لإعادة أعمار العراق او لاستثمار عائدات النفط، ولا يعلم أحد اين ذهبت الواردات منذ 2003 والتي تقدر بأكثر من نصف تريليون دولار، حيث نسبة منها دفعت كرواتب للموظفين والمتقاعدين، وهذه هي الاستراتيجية الوحيدة التي تجيدها الدولة حاليا، إضافة الى دعم القطاع الزراعي والذي كان انتاجه ملموسا.

أحد أهم أسباب هذه المشاكل في العراق، هو التواجد والتدخل الأمريكي والذي يتستر ويستقوي به المجرمين، إضافة لغياب نظام قضائي سليم في الدولة، حيث السلطة القضائية الحالية غير حقيقية. فالنظام القضائي الحالي، لا يحاسب أو يعتقل أحدا منهم، حتى أولئك الذين وقعوا بالجرم المشهود، إما أن يطلق سراحهم، أو لا يتم إلقاء القبض عليهم على الإطلاق، وحتى مجرمو الإرهاب لا يقاضونهم، إلا لأغراض سياسية معينة ولإسكات الراي العام في أحيان أخرى، وأغلب الدعاوي تأخذ 10 سنوات وأكثر، ومن دون حكم قضائي صحيح يعيد الحق للمظلومين. لقد تسبب النظام القضائي الحالي في الكثير من ويلات العراقيين، وشكاوى العراقيين اليومية، تملى الجرائد العراقية والأجنبية، وصفحات مواقع التواصل الاجتماعية.

منذ بداية العام 2018، أصدر القضاء العراقي، عدد من أحكام الإعدام بحق الإرهابيين، وخصوصا "نساء من تركيا". تزامن هذه الاحكام مع ما يحصل في الازمة السورية، إضافة الى الجنسيات التي حوكمت، يعطي انطباع أنها بسبب التقارب التركي - الروسي بالنسبة لأحكام الإعدام التي صدرت في بداية نيسان 2018، وبسبب التوغل التركي في سوريا ضد القوات الموالية لأميركا هناك بالنسبة لأحكام الإعدام التي صدرت في شباط 2018، ومن ثم في آذار ونيسان 2018 صدرت عشرات الاحكام بالسجن على روسيات! وعلى النقيض من هذا التشدد بمحاسبة النساء الاجنبيات نرى ان الحكومة العراقية، وفي تبادل أدوار بينها وبين القضاء العراقي وبعد سنوات من الامتناع عن إعدامهم، قد أصدرت في اذار 2018 امرا بالأفراج عن 607 من كبار الإرهابيين، وكما لحالات مشابهة سابقة، فإنها لتهديد الشعب بعودة داعش وبهجمات إرهابية جديدة إذا لم يتم انتخاب نفس الساسة الحاليين في انتخابات 12 أيار 2018 وإذا لم تبقى الهيمنة الامريكية على القرار السياسي العراقي، حيث تم ادخال داعش للعراق اول مرة في حزيران 2014 بعد الانتخابات في ذلك الوقت بأقل من شهر. وهذا يوضح أن القضاء العراقي مسيس أمريكيا ومن قبل الحكومة العراقية ايضا – وهذه مخالفة للدستور العراقي، والذي ينص على أن القضاء سلطة مستقلة في الدولة، ويجب أن يبقى بعيدا عن أي تسيّس - ولم يتم محاسبة الامريكان وعملائهم إطلاقا ومنذ 2003 في انتهاك أخر للقانون العراقي.

هل صحيح إن هناك نقصًا في المعرفة بأمور العدالة والقضاء في العراق؟  وهل إنها جديدة على البلد؟ العراق واحد من أقدم الدول في هذا المجال، وحمورابي أول من وضع القانون، والقوانين السارية حاليا كافية لمعاقبة المجرمين ولجميع أنواع الجرائم، بدليل أن بعض الاحكام تصدر بين الحين والأخر على مختلف أنواع الجرائم الكبرى. وهذا يوضح أنها مجرد حجة أمام المجتمع الدولي للتهرب من المسؤولية، ولتبرير عدم تطبيق القانون بالشكل السليم، ولسرقة المزيد من الأموال تحت ستار الإيفادات الى خارج العراق.

وهل صحيح محاسبة الفاسدين بعقوبات عادية؟  أم من يعرض الجبهة الداخلية للخطر بفساده، والبلد بحالة حرب مع الإرهاب العالمي، وقد قدم البلد عشرات الالاف من الشهداء بهذا الطريق، يستحق الإعدام؟ كونه يساعد العدو الإرهابي في هذه الظروف الصعبة التي يمر بها العراق، وذلك من خلال إضعاف الجبهة الداخلية بأشغالها بأمور ثانوية وبنهب موارد الدولة، حيث أغلب أموال الفساد ذهبت لدعم الإرهابيين.

وقد أدى عدم تطبيق القانون، من قبل الحكومة العراقية والسلطة القضائية، وترك المجرمين بلا عقاب، إلى انتقادات دولية واسعة، حيث إن هذا سوف يؤدي الى زيادة النشاط الإجرامي على نطاق دولي، بما في ذلك الإرهاب العالمي، فمن امن العقاب اساء الادب وكثر وانتشر اجرامه.

إن الدول انما تقاد بالعدل والحزم، فأي عراق سوف يبنى ويستمر ويزدهر مع غياب القانون وعدم تطبيقه!  فلن يعود العراق إلى وضعه الطبيعي، وإلى مكانته العالمية التي يستحقها مثل هذا البلد الغني، موطن الحضارة الأولى، وبلد العلم والثقافة والمكانة الجيوسياسية المهمة، دون "إصلاح قضائي شامل"، يكون عادلاً وحازما، يحاسب المجرمين أيا كانوا. عند ذلك، الجميع سيشعرون بقوة الدولة والقضاء وبهيبتهم، ولن يقترفوا المزيد من الجرائم ضد المواطنين الأبرياء، والدولة، والعالم. وعندها فقط، ستختفي ظاهرة الفساد وغيرها من الظواهر الطارئة على المجتمع. القضاء العراقي في هذه المرحلة، بحاجة لقضاة أشداء، لا تأخذهم بالله لومة لائم، قضاة شرفاء، نزيهين، لا يتسترون على المجرمين، وطنيين، يؤدون عملهم بكل حرية وعدالة.

ولم تأتي انتخابات 12 أيار 2018 بتغير جذري على المشهد السياسي، فلم يحصل المخلصين للبلد على عدد مناسب من المقاعد البرلمانية، يمكنهم من قيادة التغير المنشود، كما لم تحصل دعوة المرجعية الدينية العليا في النجف الاشرف بإن "المُجرب لا يُجرب" على أذن صاغية من قبل الناخبين، حيث بدلا عن ذلك قاطعوا الانتخابات، وعلى العموم فإن هذا التغير كان مستبعدا في هذه الظروف. ولم يبقى للعراق الا وصول المنقذ – كفوء، عادل، حازم، لا تشوبه شبهة فساد او جرائم أخرى - لمنصب رئاسة الوزراء، يأخذ على عاتقه إنقاذ البلد من محنته ويعيد الهيبة للدولة، عندها سيخشى الجميع بمن فيهم القضاة سطوة الدولة.

ووجود أجهزة أمنية قوية، وطنية، بعيدة عن التسيس، ضروري لنجاح الديمقراطية العراقية، والاقتداء بالتجربة الروسية الحديثة في الحكم، كفيل بوصول العراق لبر الأمان والخلاص من كل تداعيات الماضي المؤلمة. فبلاد الرافدين عبر التاريخ كانت وما زالت أحد ثلاث دول رئيسية في العالم العربي، ف"من يسيطر على بابل يسيطر على العالم" كما قال الإسكندر المقدوني "ذا القرنين" – ولذا نرى شعار المحافظين الجدد في أمريكا الذي يكررونه دائما بأن "الرجال الحقيقيين يتجهون إلى بغداد" – وبلاد الياسمين فإنها مركز الدبلوماسية للعالم، وارض الكنانة فقد وصف جيشها الرسول محمد (ص) بأنه "جيش مبارك". ونجد من المهم في هذه الظروف التذكير بكلمات للشاعر العراقي الكبير المرحوم الجواهري، حيث قال:

سينهض من صميم اليأس جيلٌمريـدُ البـأسِ جبـارٌ عنيد

يقـايضُ ما يكون بما يُرَجَّىويَعطفُ مـا يُراد لما يُريد