لماذا يستصعب التحالف السعودي إيقاف عدوانه على اليمن؟
لماذا تتهرب السعودية من اتخاذ القرار الذي لا مفرّ منه؟ وما هي تداعيات انسحابها من هذه الحرب الآن؟
مع انتهاء العام الخامس وبداية العام السادس من العدوان على اليمن، لا يبدو أن هناك قراراً حتى الآن لدى تحالف الدول التي أعلنت الحرب لوقفها. صحيح أن الأخيرة تقدمت بأكثر من عرض لوقف إطلاق النار، ولكنها بقيت جميعها دون المستوى الجدي والصادق والعملي الذي يمكن أن يشكل أرضية صالحة لكي يتجاوب معها الجيش واللجان الشعبية اليمينة، إذ كانت تلك العروض بأغلبها محاولات للقفز فوق خسائرها الميدانية أو محاولات لاستعادة الأنفاس والانطلاق باعتداءات لاحقة.
أصبح واضحاً اليوم أن أي متابع للوضع العسكري الميداني أو الوضع العسكري الاستراتيجي، لم ولن يجد، ومن خلال نظرة تحليلية موضوعية، أي إمكانية لتحالف العدوان بأن ينتصر في هذه الحرب، فالميدان الذي سيطرت عليه وحدات العدوان ومرتزقته بداية الحرب، بدأ يتلاشى وينحسر يوماً بعد يوم، ومعارك الشرق الثلاث الأخيرة؛ "نصر من الله" في نجران، و"البنيان المرصوص" في نهم والحزم، و"فأمكن منهم" في الجوف ومشارف مأرب، هي خير دليل على خسارة العدوان جميع نقاط الارتكاز التي كان من الممكن أن تؤمّن له قواعد انطلاق للسيطرة والتقدم واحتلال مواقع يمنية داخلية.
أيضاً، ومع تطور فعالية الأسلحة النوعية الاستراتيجية التي امتلكتها وحدات الجيش واللجان الشعبية ووحدات أنصار الله، من صواريخ باليستية وطائرات مسيرة ومنظومات دفاع جوي، حيث برهن السلاح الأخير عن فعالية متقدمة في حماية الأجواء اليمنية من قاذفات العدوان وطوافاته ومسيّراته، مع هذا التطور في القدرات الاستراتيجية، خسر العدوان كل إمكانيات الانتصار، وباتت متابعة الحرب بالنسبة إليه أشبه بسراب، تضيع معه جهوده وقدراته ومكانته من دون نتيجة.
أمام هذا العجز في تحقيق أي انتصار عسكري للعدوان، وأمام استحالة حصول أي تغيير ميداني على الجبهات، أو سياسي لناحية مواقف قيادة الجبهة الوطنية في صنعاء، والتي يبدو أنها تثبت أكثر فأكثر، يوماً بعد يوم، وحيث لم يعد أمام العدوان، الذي تمثل السعودية رأس حربته، إلا إيقاف الحرب بشكل جدي والبحث عن تسوية أو مخرج ينهي العدوان، فلماذا تتهرب السعودية من اتخاذ هذا القرار الذي لا مفرّ منه؟ وما هي تداعيات انسحابها من هذه الحرب الآن؟
في الواقع، هناك الكثير من الأسباب الّتي تضع السعودية في موقف من يخشى أو يستصعب وقف الحرب الآن، والتي يمكن تحديد أهمها بالتالي:
أولاً: معنوياً
سوف تجد المملكة في وقف الحرب على اليمن الآن، مع النتائج العديمة القيمة لناحية الأهداف التي وضعتها، والتي لم تصل إليها، ضربة معنوية لموقعها ومكانتها الداخلية والإقليمية، إذ تطرح نفسها إقليمياً دولة أساسية في الساحتين العربية والإسلامية، وستكون بموقع لا تحسد عليه بعد انسحابها من الحرب من دون تحقيق أي هدف وضعته، وخصوصاً بعد إعلانها أهداف عاصفة الحزم في بداية العدوان، وأيضاً ستكون مرغمة على القبول بما لم تكن تقبل بدايةً النقاشَ فيه حتى.
ثانياً: ماذا يربح اليمن؟
في أي وقف للحرب الآن، وبشروط عادلة وواقعية تمثل حقيقة الموقف الميداني والعسكري والسياسي، سوف تفرض الجبهة الوطنية في صنعاء (الجيش واللجان وأنصار الله) معادلة متقدمة من الناحية السياسية الداخلية، لن تكون لمصلحتها فقط، بل لمصلحة كل أبناء الشعب اليمني ومكوناته أيضاً، وفي أساسها لوحدة اليمن.
وستكون هناك سلطة قوية ذات سيادة على قرارها وأرضها، قادرة على إدارة البلاد وعلى استغلال ثرواتها لكل أبناء اليمن؛ سلطة قادرة على الوقوف بوجه كل الدول موقف الند للند، من موقع السيادة واحترام حقوق الدول ومصالحها؛ سلطة غير مرتهنة، يتقاسم أبناؤها إدارتها ومواقعها بعدالة وبمساواة، سلطة قادرة على إعادة تنظيم اليمن وتطويره، وتجاوز مآسي الحرب وآثارها.
هذا الأمر طبعاً لن يكون لمصلحة السعودية التي لطالما رأت في اليمن تابعاً أو فرعاً مرتهناً.
ثالثاً: ماذا يربح محور المقاومة؟
أيضاً، إن أي وقف للحرب الآن، وبمعطيات الوقائع الميدانية والسياسية والاستراتيجية، سيشكّل نقطة رابحة لمحور المقاومة، إذ يمثّل اليمن اليوم بقواه الوطنية طرفاً أساسياً في هذا المحور، حيث العدو مشترك والمصالح الاستراتيجية مشتركة، إضافة إلى الموقف والرؤية من العدو الأساس؛ الكيان الصهيوني الأميركي.
من ناحية أخرى، فإنّ إيقاف الحرب اليوم من قبل السعودية، وفي ظل هذه المعطيات الإيجابية لصالح جبهة صنعاء الوطنية، سيشكل موقفاً مهماً لمحور المقاومة، حيث تتثبَّت أكثر نقطة ارتكاز قوية لهذا المحور على سواحل البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن ومداخل بحر العرب والمحيط الهندي الجنوبية، وذلك بمواجهة جبهة العدوان الأميركي الصهيوني، الّذي لطالما خطّط ويخطّط لإضعاف هذا الموقع الاستراتيجي وانتزاعه من محور المقاومة، من خلال تثبيت سلطة يمنية ضعيفة مرتهنة للأنظمة الخليجية، وتدور في فلكها. هذا الارتكاز لصالح محور المقاومة واليمنيين لن تقبل به اليوم، لا "إسرائيل" ولا الولايات المتحدة الأميركية، وسوف تستصعب السعودية حدوثه.
انطلاقاً من كل ذلك، يمكن أن نستنتج صعوبة اقتناع العدوان بوقف حربه على اليمن، بسبب ما يمكن أن يخلقه هذا الانسحاب من الحرب على اليمن الآن من تداعيات مباشرة وغير مباشرة على السعودية أو الإمارات أو "إسرائيل" وواشنطن، ولكن في النهاية، ومع هذا المسار المتدحرج من الهزائم والخسائر المعنوية والعسكرية والاستراتيجية لتحالف العدوان على اليمن، ومع المسار المتصاعد لقدرات جبهة صنعاء الوطنية وموقعها وموقفها في المقابل، سيكون التحالف مُجبراً على وقف الحرب والاقتناع بالتسوية السياسية، التي يريدها اليمنيون من موقعهم القوي الآن، عادلة وواقعية ومنصفة للجميع.