لماذا إدلب خارج الصراع الدولي قريباً؟

13.01.2020

ينتقل الصراع الدولي على الشرق الأوسط من زاوية إلى أخرى، حسب درجات موازين القوى المنقبة عن مصادر الثروة والأهميات الاستراتيجية، حتى أن هذه المنطقة أصبحت تبدو على شكل مناجم وآبار تقتحمها دول وتتخلّى عنها أخرى مقابل التمركز في أنحاء مختلفة واعدة.
هذا ما يحدث في ليبيا التي يتصارع عليها حشد من دول غربية وأوروبية الى جانب تموضع تركي اقتحم المشهد ببركات الاخوان المسلمين المحليين المتقاطعة مع «أريج» الغاز والنفط المنبعث من كامل مساحة ليبيا التي تزيد عن مليون وأربعمئة الف كيلومترمربع يقيم فيها نحو خمسة ملايين نسمة فقط.
بالمقابل تتعرّض منطقة إدلب السورية لاحتلال تركي مباشر يستعين بعشرات آلاف الارهابيين من تنظيمات النصرة وهيئة تحرير الشام وأجناد القوقاز والأيغور من تركستان الصينية وبعض الهيئات التركمانية المحلية والاخوان المسلمين.
الفارق بين إدلب وليبيا، هو وجود دولة مركزية واحدة في سورية تضع نظاماً تدريجياً لتحرير مناطقها المحتلة من الإرهاب الدولي وقوات أميركية وأوروبية وتركية مع تدخل خليجي ـ أردني مكشوف.
هذه الدولة لا تساوم على أيّ جزء من سيادتها، كما أثبتت مرحلة الهجوم الكوني عليها الذي بدأ منذ 2011 ولا يزال مستمراً، والثابت أنها تنتقل من تحرير منطقة محتلة الى أخرى، حتى نشرت سيادتها على رقعة تصل الى 68 في المئة من مساحة سورية بعد تراجع جعل دولة دمشق تنحصر في العاصمة وأريافها المباشرة والساحل البحري.
ما هو واضح الآن، أن الدور في التحرير وصل إلى إدلب بالتزامن مع انفجار الصراع على الكعكة الليبية بين كل من فرنسا وإيطاليا وألمانيا ومصر وتركيا وروسيا والأميركيين وصولاً إلى قطر والسعودية في العالم ومنظمة القاعدة وحواملها من داعش والنصرة وهيئة تحرير الشام.
لذلك، فليبيا اليوم منقسمة بين دولة طرابلس الغرب التي يقودها السراج القريب من «الاخوان» متمتعاً باعتراف الأمم المتحدة بشرعيته، لكنه لا يسيطر إلا على خمس عشرة في المئة من مساحة ليبيا.
بالمقابل هناك قوات حفتر في بنغازي التي تنتشر مع القبائل ومراكز القوى التقليدية على نحو 85 في المئة من مساحة البلاد.
ما هو واجب في البداية يفرض تحديد هوية المتصارعين على كل من ليبيا وإدلب بصيغتيها السورية والحدودية مع تركيا؟
يتنافس للسيطرة على ليبيا، كل من فرنسا وايطاليا والمانيا وانجلترا الى جانب تركيا والروس والأميركيين، بالإضافة إلى مصر التي تستعمل سلاح الخطابة والصراخ، علماً أنها مجاورة تماماً لليبيا، ولديهما الكثير من الروابط والعلاقات بين شعبيهما، هناك أيضاً تنظيمات الاخوان المسلمين والقاعدة بحواملها من داعش والقاعدة، الى جانب تفتت الليبيين حسب اللون القبلي والمناطقي الى الأثني ـ العرقي الذي يفتت ليبيا بين عرب وبربر أمازيغ.
من جهة إدلب، فسكانها سوريون مع أقليات من التركمان السوريين أيضاً، ويبدو أن حدودها مع تركيا أتاح للحكومة التركية استغلال السيطرة الإرهابية على معظم سورية بالتعاون مع الغرب والخليج، فأدخلت جيشها الى محافظة إدلب ومناطق عفرين والحدود، كما اقتحمت حالياً مناطق حدودية في شرقي سورية.
والقوى المسيطرة على إدلب حالياً هي إذاً تركيا وإرهابها القاعدي ـ الداعشي مع دعم أميركي أوروبي ـ خليجي ـ إسرائيلي، تعود أسبابه الى محاولات هذه القوى لتعطيل إمكانية استعادتها من قبل الدولة السورية.
بالمقابل هناك حلف الدولة السورية، مع روسيا وحزب الله والمستشارين الإيرانيين الساعين لتحريرها.
الأمل الذي يدفع الى التساؤل حول هذا التزامن بين بدر عمليات تحرير إدلب وتأجيج الصراع الدولي على ليبيا. فالمصادفات في هذه الأمور لا تحدث إلا قليلاً، خصوصاً أن الفئات المشتبكة واحدة، والأسباب متشابهة، إلا أن خروج فئات من صراع معين لا يعني أبداً أنها غادرت لأسباب حبية، بل لدواعٍ تتعلق بانبثاق خلل في موازين القوى، أو تحاصص حسب المصالح.
فتركيا مثلاً مثالٌ ساطع لقوة تحاول العثور على مواقع نفوذ تؤكد من خلالها على أهمياتها التاريخية، مع الميل إلى الاستفادة الاقتصادية.
وبما أن سورية تشكل بالنسبة اليها المدخل الى المنطقة العربية، فأعطتها مستوى عميقاً من التدخل الايديولوجي والاستعماري المباشر، لكنها فوجئت باستعادة الدولة السورية قوتها وإصرارها على عدم المساومة على أي جزء من أراضيها مع مباشرتها من دون أي تراخٍ بعملية تحرير إدلب.
هذا إلى جانب مواكبة دؤوبة من حلفائها، حتى أن روسيا التي تتفاوض مع أردوغان على مستوى لقاءات «أستانة» أو بشكل ثنائي جزمت لتركيا بضرورة رحيلها من إدلب، لذلك تشارك في قصف مواقع الإرهاب فيها بشكل عنيف، يؤشر الى جزم روسي بضرورة انسحابهم نحو تركيا، التي لم تجد أيضاً آذاناً روسية صاغية لبعض طموحاتها النفطية في شرق الفرات، إلى جانب هلعها من المشروع الكردي المدعوم أميركياً وإسرائيلياً، بالتزامن نفسه يفتتح الجيش السوري ثلاثة معابر إنسانية في ريف إدلب وحلب تسهيلاً لعبور المدنيين من مناطق العمليات العسكرية المرتقبة، بما يكشف نهائياً أن معركة تحرير القسم الأكبر من إدلب بدأت فعلياً وسط إذعان تركي يبحث عن تعويض في ليبيا.
إن القوى الخارجيّة المتورّطة في الأزمتين السورية والليبية واحدة، لكن ردود الفعل الليبية والسورية مختلفة، ففيما تشكل الدولة السورية القوى الأساسية في بلادها ولديها حلفاء لديهم مصالح معها، إنما من خلال مصالح الدولة السورية وسيادتها، فإن القوى الخارجية الداعمة للقوتين الليبيتين المتصارعتين، تلعب الدور الأول والأساسي وتتغطى بالليبيين لاكتساب الشرعية والانتشار الجغرافي.
فالمشير خليفة حفتر الذي تنتشر قواته مع القبائل وزعماء المناطق والأحياء في 85 في المئة من ليبيا مدعوم من فرنسا وإيطاليا وبريطانيا وروسيا ومصر والخليج فيما تؤيد دولة السراج تركيا، وسط موقف أميركي ينحاز تارة نحو حفتر وطوراً نحو السراج في حركة التباس مقصودة توحي بأن الأميركيين لن يتركوا بئراً ليبية واحدة لسواهم.
بدورها روسيا تقتحم المشهد بدعم حفتر وتلعب دوراً وسيطاً مع السراج من خلال تركيا حليفة السراج والتي ترتبط معها بعلاقات وثيقة.
ماذا يريد كل هؤلاء؟ الغاز والنفط اللذان تمتلك ليبيا الكثير منهما، ويبدو أن ضعف القوى الليبية عامل يبيح تقاسم إمكاناتها بين القوى المتصارعة عليها، وما حكاية وقف إطلاق النار بين قوات حفتر والسراج إلا هدنة بسيطة للعودة إلى القتال.
يتبين بالاستنتاج أن قوة الدولة السورية تخفض من مصالح القوى الخارجية، فيما يشكل ضعف الدولة الليبية الشرعية من جهة والإمساك الخارجي الكبير بدولة المشير حفتر من جهة أخرى عوامل تضع ليبيا في قبضة صراعات دولية على ثرواتها، تُعيد مشاهد الاستعمار القديم الذي قسّم المنطقة سابقاً على وقع الانتشار النفطي الموجود في أراضيها. وفيما تذهب سورية نحو مزيد من التماسك وتحرير أراضيها، يخشى المراقبون من تفتيت ليبيا الى كيانات تلبي حاجات الصراع الدولي على ثرواتها أكثر من توق الليبيين إلى وطن واحد.