حرب المضائق والجزر بين الغرب والصين والعدوان الأمريكي
يقع بحر الصين الجنوبي بين الصين الشعبية شمالاً، وفيتنام وماليزيا غرباً، وجزء من ماليزيا في الجنوب الغربي، والفلبين في الشرق. وهو بالتالي يتوسّط أهم ممرّين بحريين، في كل منطقة آسيا وغرب المحيط الهندي، وهما مضيق مالاقا الواقع بين ماليزيا وجزيرة سومطرة الإندونيسية ومضيق تايوان الواقع بين جزيرة تايوان الصينية المنشقة والبر الصيني (جمهورية الصين الشعبية).
تنبع أهمية هذه الممرات او المصائد البحرية من كونها معبراً اجبارياً لسفن التجارة الدولية الى دول كل تلك المنطقة من العالم، بما في ذلك اليابان وكوريا الشمالية والجنوبية والفلبين وإندونيسيا وفيتنام ودول اخرى.
فعلى سبيل المثال لا الحصر فإن:
ما قائمتة 37.3 ترليون دولار من حجم التجارة العالمية يمر عبر المضيقين وبالتالي عبر بحر الصين الجنوبي
وأن 80% من واردات الصين النفطية والغازية تصل الى الصين عبر هذين المضيقين.
وان 39,8 من إجمالي واردات الصين وصادراتها الى العالم تمر عبر هذين المضيقين.
وبما أن بحر الصين الجنوبي يحتوي على مجموعات عدة من الجزر، مثل مجموعة جزر باراسيل (Paracel Islands)، التي لا تبعد أكثر من 250 كم عن البر الصيني / مقاطعة هاينان / وجزر سبراتلي (Spratly Islands)، وانطلاقاً من المسؤولية الدولية، التي تقع على عاتق جمهورية الصين الشعبية، كدولة عظمى وعضو دائم في مجلس الامن الدولي، فإن بكين قد عملت ومنذ انتصار الثورة في البلاد سنة 1949 على تأمين طرق التجارة الدولية في تلك البحار. وبما ان مجموعات الجزر، المذكورة اعلاه، تقع في نقاط حساسة من هذا البحر، فإن تأمينها، او بالأحرى تعزيز حمايتها، كان دائماً جزءاً من مسؤوليات بكين الأساسية، في حماية وتأمين طرق الملاحة التجارية الدولية. خاصة أن هذه الجزر جميعها ليست مشمولة بأية اتفاقيات دولية قد تشمل أساساً قانونياً، لاي جهة كانت، كي تطعن في سيادة الصين الشعبية عليها، وذلك لأنها كانت عبر التاريخ جزرًا صينية خالصة.
ولمزيد من الإضاءة على الموضوع فلا بد من الاشارة الى بعض الحقائق الهامة، المتعلقة بهذه الجزر، وأهم هذه الحقائق ما يلي:
1 ـ ان هذه الجزر بقيت خاضعة لسيطرة الدولة الصينية، ما قبل الفترة شيوعية، حتى سنة 1930، عندما قام الجيش الإمبراطوري الياباني باحتلال معظمها وأقام عليها قواعد او مرتكزات عسكرية له.
2 ـ ان الحكومة الفرنسية، بموجب اتفاقية جنيف، الموقعة سنة 1954 لإنهاء حرب الهند الصينية، بعد هزيمة فرنسا في معركة ديان بيان فو الفيتنامية، بقيادة الجنرال جياب، قد أعطت حق السيادة على معظم هذه الجزر لفيتنام الجنوبية، جنوب خط عرض 17، والذي بقي خاضعاً لحكم قادة محليين تابعين للاستعمار الأجنبي. علماً انه كان من المفترض، حسب اتفاقية جنيف نفسها، اجراء انتخابات عامة في جنوب فيتنام سنة 1956، لإعادة توحيد البلاد. لكن فرنسا وبدعم واضح من الولايات المتحدة قد عرقلت ذلك ومهدت بذلك لحرب فيتنام الثانية التي تورطت فيها الولايات المتحدة ومُنيت بهزيمة نكراء سنة 1975.
3 ـ ان جمهورية الصين الشعبية، وقبل هزيمة الولايات المتحدة، في حرب الهند الصينية – فيتنام وكمبوديا ولاوس – وسقوط سايغون، عاصمة جنوب فيتنام، وفي إجراء احترازي، لتعزيز امن تلك الجزر، وبعد ان اضطرت واشنطن ان تعطيها ضمانات بعدم التدخل في شؤون تلك الجزر، قامت بتعزيز حامياتها العسكرية فيها، وذلك خوفاً من قيام الجيش الاميركي باحتلال هذه الجزر ونشر فلول قواتة الهاربة من فيتنام الجنوبية فيها، واقامة قواعد عسكرية لضمان استمرار هيمنته على تلك المنطقة من العالم.
ولكن فشل تلك المحاولة الاميركية، أواسط سبعينيات القرن الماضي، لم يمنعها من مواصلة التحرش بالصين، ومحاولة إعادة سيطرتها على تلك الممرات البحرية الهامة. اذ انها لجأت، ومنذ بداية القرن الحالي، بتحريض دول المنطقة، وخاصة فيتنام، التي باعتها واشنطن قطعاً بحرية مهمة، ضد جمهورية الصين الشعبية، وشنت حملة إعلامية واسعة ضد بكين، خاصة بعد احتلال واشنطن لأفغانستان سنة 2001، وبدء عمليات الحشد والتطويق الاستراتيجيين لجمهورية الصين الشعبية، من قبل الولايات وحلفائها الغربيين في حلف شمال الأطلسي. كما ان اكتشاف النفط والغاز أواخر العشرية الاولى من هذا القرن، في بعض مناطق وجزر بحر الصين الجنوبي، قد صعَّد من عدوانية واشنطن بشكل كبير ضد الصين، اذ انها واصلت إرسال قطعها البحرية، من الاسطول الاميركي السابع على وجة الخصوص، الى بحر الصين الجنوبي وذلك بحجة أن الصين تقيم جزراً صناعية في هذا البحر لبناء منشآت عسكرية صينية عليها.
وعلى الرغم من مواصلة الصين سياسة الاستثمار في الحلول الدبلوماسية، ومواصلة الجهود السلمية للتوصل الى حلول سلمية، يرضى بها الجميع، وتحافظ على مصالح جميع الدول المعنية بموضوع بحر الصين الجنوبي وتوصلها الى اتفاقية مع مجموعة دول آسيان العشرة ASEAN COUNTRIES)) وتوقيعها بتاريخ 20/7/2011، وذلك كقاعدة للتعاون بين تلك الدول والصين الشعبية وحل جميع الخلافات البحرية بالطرق السلمية، إلا ان واشنطن لجأت الى خطوة استفزازية وتصعيدية، مثلت عدواناً مباشراً على مصالح الصين، وذلك عندما قامت سنة 2015 وفِي عهد باراك اوباما، بالتعاون مع دول الاستعمار القديم، فرنسا وبريطانيا، بتشكيل قوة بحرية أُطلق عليها اسم: فريدوم أوف ناڤِغيشن Freedom of navigation، ضمّت خلالها عدداً من مدمرات وبوارج الاسطول السابع الاميركي، الى جانب مدمرات وطرادات وفرقاطات فرنسية وبريطانية عدة، والتي بدأت بعمليات الاستفزاز والتحرش، بالجزر الصينية، وبقطع القوات البحرية الصينية، التي تقوم بأعمال الدورية الروتينية، في بحر الصين الجنوبي وبحر الصين الشرقي. وقد تصاعدت هذة الاستفزازات الأميركية الى حد عرقلة أعمال سفن الصيد الصينية وبشكل مستمر.
كما عمدت الاساطيل الاميركية منذ عام 2016، وفِي مسلسل خطوات استفزازية جديدة ضد الصين الشعبية، وضمن تعزيز عمليات الحشد الاستراتيجي الاميركي ضد الصين، بتنظيم تدريبات عسكرية بحرية مع القوات البحرية لدول آسيان، وهي: ميانمار، تايلاند، كمبوديا، ماليزيا، سنغافورة، إندونيسيا، بروناي، الفلبين وفيتنام، لاوس، التي تدّعي بعض منها السيادة على بعض جزر بحر الصين الجنوبي.
علماً ان قطع المجموعة البحرية الاميركية الاوروبية المشار اليها اعلاه تتعمد إجراء التمارين العسكرية مع سلاح البحرية لكل دولة من دول آسيان على حدة، وذلك لضمان وجود القطع البحرية الاميركية بشكل دائم في تلك البحار.
ولعله من الجدير بالذكر ايضاً ان رئيس الولايات المتحدة الحالي قد اكد، ومنذ تسلمة الحكم، على ما يلي:
أ ـ ضرورة تعزيز عملية: فريدوم أوف ناڤيغيشن، الاميركية الاوروبية المشار اليها اعلاه، في منطقة بحر الصين الجنوبي وذلك حفاظاً على استراتيجية استمرار ديناميكية (حركية) الانتشار العسكري الاميركي هناك.
ب ـ ان تكون استراتيجية الولايات المتحدة للانتشار العسكري الاميركي، في المنطقة، غير قابلة للتخمين او التوقع او التقدير وضرورة ان يتم نشر القطع البحرية هناك دون سابق إنذار ودون الاعلان عن ذلك.
ج ـ وفي هذا الإطار قامت القطع البحرية الاميركية الأوروبية، المكلفة بعملية فريدوم أوف ناڤيغيشن، ومنذ شهر أيار 2019 حتى اليوم، بتنفيذ اربع عمليات «دورية»، في محيط جزر باراسيل وجزر سبراتلي الصينية،
في بحر الصين الجنوبي، بالإضافة الى القيام بعمليات تحليق جوي، في اجواء الجزر المذكورة اعلاه، من قبل قاذفتي قنابل استراتيجيتين أميركيتين من طراز B 52، وفي الفترة الزمنية نفسها، المذكورة اعلاه.
فهل تقبل الولايات المتحدة أن تقوم القطع البحرية الصينية بأعمال الدورية البحرية، في محيط جزيرتي كاتارينا آيلاند (Catalina island)و تشانيل آيلاند (Chanel Island)، قبالة شواطئ لوس انجيلوس، ام أنها ستعتبر ذلك عدواناً صينياً على سيادتها؟
اوقفوا عدوانكم قبل أن يفوت الأوان وتصبح سواحلكم مسرحاً مفتوحاً للقطع البحرية الصينية وغيرها من الدول التي ترفض عنجهيتكم وعدوانكم المدان. انتهى زمن العربدة البحرية والجوية ولم تعد تخيف أحداً وأنتم تعلمون ذلك جيداً ولن تفيدكم المكابرة الزائفة والتي يجب ان تستعيضوا عنها بسياسة التعاون المثمر مع كل دول العالم ولإنقاذ اقتصادكم ومستقبل أجيالكم قبل كل شيء.