هل يتحول حزب الله من ذراع ضاربة إلى ذراع مصفدة بأغلال أمريكية؟

10.03.2018

بما لا شك به أن حزب الله اللبناني ساهم بشكل كبير جداً في إحباط أجندات أمريكية مهمة في المنطقة من حماية لبنان من المد الداعشي وتحصين الحدود اللبنانية بالتعاون مع الجيش اللبناني، وصولاً إلى مشاركته في القضاء على داعش في العراق، وليس انتهاءً بمشاركته بمحاربة الإرهاب في سورية التي لا تزال قائمة إلى اليوم، أدوار فاقت في حجمها حجم حزب الله ذاته، وبلغ تأثيرها درجة الدول ذات الوزن الإقليمي، حتى أصبح هذا الحزب وزناً حقيقياً في الشرق الأوسط عابر لمفهوم المقاومة في حيز جغرافي معين، إلى مفهوم رأس حربة دول محور المقاومة، والتي تحالفت مسبقاً مع روسيا بوصفها دولة كبرى، وأمنت لذاتها غطاءً كبيراً في كل المحافل الدولية والتي يشكل مجلس الأمن إحداها.
وقد أدى تعاظم دور وقوة حزب الله في المنطقة إلى ترشيحه كقوة ضاربة على المستوى الدولي وليس فقط الإقليمي، كنتيجة التطور السريع في العلاقة بين حزب الله وروسيا بسبب تقاطع المصالح في محاربة الإرهاب على ذات الصف والجبهة في سورية.

تقاطعاً بلغ مرحلة التنسيق العابر للحدود السورية إلى الحدود المائية اللبنانية، التي يسعى الكيان الإسرائيلي إلى سرقة مواردها وإنشاء شبكة من خطوط نقل الغاز تصل إلى أوروبا في مشروع طاقوي استراتيجي، وهو ما يضر بكل من لبنان من جهة الاعتداء على مياهه الإقليمية وسرقة ثرواته، وروسيا من جهة الاعتداء على السوق الروسي الأكبر المتمثل في الاتحاد الأوروبي ومشاريع الأنابيب الكبرى (تركي ستريم، السيل الشمالي1 –قائم-، السيل الشمالي2)، ما دفع الأمين العام لحزب الله ليعلن صراحة في خطابه المتلفز 16/02/2018 أن حزب الله على استعداد تام لاستهداف محطات النفط والغاز للكيان الإسرائيلي، وبغطاء دستوري وقانوني من الدولة اللبنانية، كحق مشروع لكل لبنان واللبنانيين، ولكن هذا الحق ذو تأثير أبعد من المياه الإقليمية اللبنانية أو البلوك9، بل هو تهديد يعطل فعلياً أي عملية استثمارية في الجانب الفلسطيني المحتل، فيرفع مبالغ التأمين على الشركات ومنصاتها إلى حدود خيالية تصبح معها الاستثمارات عديمة الجدوى الاقتصادية إذا لم تكن خاسرة أيضاً، وينهي حلم الكيان الإسرائيلي بأن يصبح عقدة أنابيب الغاز في الشرق الأوسط، حلم قد يدفع موسكو إلى دعم حزب الله بكل الطرق المتاحة لمنع تحقيقه، ويدفع واشنطن أيضاً بقوة أكبر إلى استخدام كل الأساليب الممكنة لتدمير حزب الله وإنهائه، ما يجعل المرحلة القادمة في حال بقيت بلا معالجة مرحلة حرجة وبالغة الخطورة على حزب الله وداعميه، ابتدأت فعلياً بإعلان المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الحريري أن عملية الاغتيال هي عملية إرهابية بعد توجيه الاتهام إلى عناصر تابعة لحزب الله، بالتزامن مع إجراء مناورات الدفاع الجوي “جونيبر كوبرا” الدورية بمشاركة حاملة الطائرات الأمريكية “إيو جيما” كمحاكاة لهجوم صاروخي من ثلاث جبهات.

خطوة امريكية صهيونية تحمل دلالتين مهمتين الأولى خارجية دفاعية تهدف إلى جذب الاستثمارات وتطمين الشركات بقدرة إسرائيل على صد أي اعتداء بحري أو جوي لخفض تكاليف التأمين على المشاريع الطاقوية، والثانية في إطار الاستهداف الداخلي حيث تسعى إلى إخراج حزب الله من إطار حزب سياسي لبناني بجناح عسكري، إلى منظمة إرهابية عابرة للحدود.
وليس من سبيل المصادفة أن يكون التوقيت الذي تتخذ فيه مثل هذه الخطوات متزامن مع زيارة الحريري إلى السعودية قبيل الانتخابات النيابية اللبنانية في أيار.
وما يدق ناقوس الخطر بشكل حقيقي هو تشكيل لجنة الهافنيت في وزارة العدل الأمريكية، وهي لجنة معنية ببحث النشاط الإجرامي لحزب الله، بوصفها لجنة جزء من المنظومة الأمريكية بمحاربة الجريمة المنظمة في العالم، حيث تتهم الإدارة الامريكية حزب الله بالضلوع في الجريمة المنظمة العابرة للحدود، كاتهام خطير يشكل عنواناً عريضاً لمئات الاتفاقيات الدولية التي تنص على مكافحة الجريمة المنظمة، أي أن الإدارة الأمريكية تسعى اليوم إلى توصيف حزب الله بصفة مزدوجة الإرهاب والإجرام، فإذا كانت الأولى غير معرفة وغير متوافق عليها دولياً، فالثانية وهي الإجرام أو الجريمة المنظمة هي محط إجماع دولي.
وليس من سبيل المصادفة أن تكون التهمة الإجرامية الملفقة هي الاتجار بالمخدرات، وهي ذات الصفة التي أدت إلى اجتياح أفغانستان بذريعة محاربة الإرهاب والجريمة المنظمة المتمثلة بإنتاج المخدرات الأفيونية والاتجار بها.

فهل نحن أمام اجتياح للبنان وضرب كامل لحزب الله بوجود بوارج أمريكية ووصول البريطانية؟
بكل تأكيد الأمر ليس بهذه البساطة عندما يتعلق الموضوع بخوض حرب أو فتح جبهات، إضافة إلى ذالك، كل الإدارات الأمريكية المتعاقبة على واشنطن لاتخوض حرباً إزا لم تكن نتيجتها شبه محسومة، وهو مايتعذر تحقيقه حالياً، ولكن الخطورة تكمن في ازدواجية المسارات المضادة لحزب الله، حيث الأول هو المسار العسكري والذي تستخدمه إدارة ترامب بما يتوافق مع استراتيجية 2018، على مبدأ روزفلت  (تكلم بهدوء وأنت تحمل العصى الغليظة)، وهو أدى إلى التحرك السعودي السابق لعقد لقاء قمة وزراء الخارجية العرب في القاهرة 19/11/2017 وجر مصر في اعتبار حزب الله منظمة إرهابية، أي تأمين الطريق من البحر الأحمر إلى المتوسط عبر قناة السويس لأساطيل التحالف، والانضمام إلى الاساطيل الغربية، لتشكل تهديداً عسكرياً كبيراً، بعد الاستفادة والتعلم من كيفية مكافحة العصابات الإرهابية في سورية، والتي استوحت أسلوبها العسكري من حركة حماس وحرب تموز في 2006.

أما المسار الثاني فيهدف إلى تحويل حزب الله بالنسبة لداعميه إلى حمل فائق العبئ، حيث الاستهداف الأول ضد إيران من بوابة حزب، بما يتيح لواشنطن الإبقاء على الاتفاق النووي الإيراني، وفرض عقوبات اقتصادية جديدة على طهران بذريعة تمويلها للجريمة العالمية المنظمة التي تقودها حركة إرهابية حسب وصفهم، والاستهداف الثاني ضد روسيا بإعادة تطبيق نموذج أفغانستان ضد موسكو وفرض عقوبات جديدة وشيطنة روسيا، بحيث تتحول الشراكة بين حزب الله وموسكو إلى اتهام دولي على شاكلة الاتهامات الأمريكية الأخيرة بتحالف موسكو مع طالبان كمنظمة بصفة مزدوجة إجرامية-إرهابية.

وبكل تأكيد إن أبعاد هذا الاستهداف سيبقي على سورية ساحة الصدام الاستراتيجي الكبرى، بما يمهد لتقسيمها والإبقاء على التواجد الأمريكي شرق الفرات، ويضرب مفهوم مقاومة الاحتلال الأمريكي قبل أن يبدأ، ويحاصر عملية إعادة الإعمار.
زر الإطلاق لكل هذه الأحداث هي في شهر أيار القادم، والذي قد يحمل في حال لم يتم تداركه نكسة كبرى جديدة، حيث تتزامن الانتخابات النيابية العراقية مع اللبنانية مع نقل السفارة الأمريكية إلى القدس في 14/05/2018، فهل يكون الشهر الخامس من هذا العام شهراً أسوداً جديدة في تاريخ الصراع العربي-الصهيوني؟!