دائرةُ الصِراع في الفلك السوري ... بين الساقط وما هو آيل للسقوط

14.02.2018

- أكثر ما يدعو للاستغراب ويثير التعجب، هم الذين يستهجنون ويتعجبون من أخذِ دمشق قراراً بإسقاط طائرة الـ F16 الإسرائيلية !

وكأن دمشق التي جابهت ثلاثة أرباعِ العالم، وصمدت ومستمرة حتى اليوم بالذود عن حياض ترابها الوطني، والتي تعانق النصر كل يوم أكثر من الذي قبله، منذُ فجر 15/3/2011 تاريخ بداية الربيع العربي في سورية، الغربي التُربة والخصوبة والمحصول، عاجزةٌ عن اتخاذ مثل هذا القرار!  

بيَّد أن حالة التخبط التي عاشتها إسرائيل، بعد إسقاط الطائرة التي لا تحسد عليها، تفسر ذلك.

- فإسرائيل "قبضاي" واشنطن والغرب في المنطقة، الذي يخيف الجميع، والذي ملأ الدنيا صراخاً، بأنه الأقوى جواً – وفقط جواً – بعد أن بترت قدمهُ اليمنى الـ ميركافا، على يد حزبُ الله اللبناني في حرب تموز عام 2006.

أطاح لهُ صاروخاً روسياً من منظومة "سام"، في العاشر من الشهر الجاري يدهُ اليُمنى طائرة الـ F16 – المطورة، فوق صدرِ الجليل المحتل، وأطاح معها أخر أحلام الجيش الذي لا يقهر.

- صاروخ "سام" الذي طالما أرّق جفون العم سام في لبنان بداية الثمانينات، والذي ربما من المفيد العودة لتلك المرحلة من التدخل الأمريكي، وإعادة شريط الذكريات مع هذا الصاروخ.

صاروخ "سام" هو: صاروخ أرض- جو أو باسم آخر صاروخ سطح - جو ( بالإنجليزية:  surface to air missile  ) اختصاراً (SAM) هو صاروخ موجه مصمم ليتم إطلاقه من الأرض إلى الجو بهدف إسقاط الطائرات أو الأهداف الجوية الأخرى كالصواريخ أو الطائرات بدون طيار.

الصاروخ الذي هو جزء أساسي من أنظمة الدفاع الجوي المضادة للطائرات والدفاعات الصاروخية، والتي تمتلك منها سورية مخزوناً لا يستهان بهِ.

- سقطت طائرة الـ F16 وقضي الأمر، فما ضريبة ذلك على سلاح الجو الأمريكي – الإسرائيلي؟ الذي تشكل هذه الطائرة عماد تفوقه الاستراتيجي. 

وما هو حجم الخسارة على مستوى سباق التسلح النوعي والكمي بعد إسقاطها؟

- التطور اللافت من داخل الكيان الإسرائيلي ظهور طرفان في معادلة الرد - والرفض لديه، طرف يدعو للرد والذهاب بالأمور حد الوصول لحرب شاملة تعيد ترتيب كامل الأوراق بين كل الأطراف، وطرف آخر على نقيض الأول، يدعو للتروي وممارسة ضبط النفس والاحتفاظ بحق الرد، بل ويحذر من خطر حقيقي يتهدد وجود كيانه.

الغريب في الأمر إننا كنا قد اعتدنا مثل هذه النغمة، أن تصدر عن دوائر الحكم في كبرى الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية خاصةً، عندما يضطرها الأمر لتبرير العودة عن القيام بأمر ما، بمثل هذه الحُّجة الواهية، وتدعي أن الطرف الأخر الذي يشاركها الحكم لا يؤيد فعله.

فهل هذا الواقع الجديد هو احد نتائج ما بعد إسقاط الطائرة؟

من يعلم! ربما قد نجد أيضاً مستقبلاً شركاء جدد لهم، يطلقون عليهم اسم "المُدبِرون"، أي الذين أدبروا لغير رجعة...

- اللافت أيضاً ومن زاويةً أخرى، السوق الإعلامي الممنهج ، بأن إيران هي المقصودة من وراء هذه الغارات، فما هو البعد الذي حاولت إسرائيل لأجله استجداء رأي عام  داخلي - خارجي محدد لتأييد فعلتها، ضد رأي عام آخر داخلي – خارجي أيضاً، ولكن معارض؟

- أما السؤال الذي يترك الباب مفتوحاً على مآل التحولات الساخنة في الأيام القادمة، والتي أعتقد أنها قادمة لا محالة وليست ببعيدة. 

أننا كنا قد اعتدنا على إسرائيل "الابنةُ" الغير شرعية للعم سام في المنطقة، حين تحشر في الزاوية، كانت تهرول مسرعةً أليه كي يخرجها من الحشر، فماذا تغير بالمعادلة؟ 

ولماذا ذهبت في قصدها ومطالبها بعدم تدهور الوضع هذه المرة مباشرة إلى القطب الروسي؟ 

رغم أني أجزم بأن رئيس حكومتها نتياهو، لم يخلع قفازاه ولم يعلق معطفه الأمريكي بعد زيارته الأخيرة لموسكو، فالحرارة التي قوبل بها في زيارته تلك من قبل الرئيس بوتين، فاقت أضعافا مضاعفة برودة ثلوج القطب الروسي بأكمله، أسألوا أهل الطيار الشهيد الرائد "رومان فيليبوف" الذي أسقطت طائرته فوق إدلب.

- بعد كل  ما سبق، ماذا بقي بيد الإسرائيلي؟ 

حيث أن جيوشه من التنظيمات الإرهابية المسلحة  هو و حاميه الأمريكي، صدر فيها حكم الجيش السوري بالقضاء المبرم، تحت طائلة المسؤولية الكاملة؟

- وهل لا زالت إسرائيل أصلاً طرفاَ في أيها قواعد اشتباك قائمة، وهي مبتورة القدم واليد؟ 

إسرائيل لن تصمت ولن تجلس مكتوفة الأيدي، ليس لأنها تعاني فرط في القوة، وليس لأنها لا تسكت عن ضيم، أو لأنها ستنتقم لكرامة طائرتها، لا لكل ذلك. 

بل لأنها هي تماما أشبه ما تكون بأغلب الأبناء "البكريين" للعائلة أناني بطبعه، كل شيء يجب أن يكون له وحده دون سواه، لا يأبه بالفواتير ولا بالتفاصيل، فالمهم أن لا ينقصه شيء، فهو لم يتعلم حمل المسؤولية يوماً، وإنما يخطئ و حكماً سيتحمل والداه أعباء أخطائه، ويدفعوا كامل الفواتير مهما بلغت.

الإسرائيلي تماماً يفعل كما الابن البكر، فكيف إذا كان هذا البكر وحيداً ! 

وكيف إذا كان لا يصدق بعد، أن من تبقى من والديه الغير شرعيين، أصبح شبه عاجز يعاني اليوم من مرضٍ خطير، عجز عن علاجه نخبة أطبائه السياسيين والعسكريين، فأطلقوا عليه ما أصبح يعرف اليوم باسم " اللعنة" السورية. 

- مساء أول أمس، وفي حفل أقامته السفارة الإيرانية في دمشق، في الذكرى الـ39 لانتصار ثورتها، ألقى السيد فيصل المقداد نائب وزير الخارجية السوري كلمة لمناسبة هذه الذكرى، وبعيدا عن ما تضمنته الكلمة حول العلاقة المبدئية و الراسخة مع الأشقاء الإيرانين، ضمّن السيد المقداد كلمته رسالة واضحة خلال الكلمة التي ألقاها، بقوله: 

"أن كل من تسول له نفسه الاعتداء على سورية سيكون مصيره كمصير طائرة العدو الإسرائيلي".

- الرسالة واضحة جداً، لا تحتاج لأي جهد في تفسيرها أو شرحها، ولكن السؤال المحوري الذي يطرح نفسه بإلحاح بعد هذه الرسالة هو:

هل كانت هذه الرسالة هي بيان الدبلوماسية السورية العسكري رقم /2/؟ بعد بيانها رقم /1/ في مساء  الثامن عشر من كانون الثاني الماضي؟

- يبدو أنه:

بين بيان ورسالة الدبلوماسية السورية - بلسان السيد المقداد - سقطت الـ F16، فمن التالي؟