بعد سوريا وليبيا... ماذا يخطط أردوغان لكردستان العراق؟
يحتل كردستان العراق مكانة خاصة في السياسة التركية، لأسباب اقتصادية وأمنية وإقليمية وأيديولوجية، كل ذلك وسط حنين تركي ينطلق من دعوات تاريخية تعتبر هذه المنطقة جزءا من تركيا ومشروعها الإقليمي، وهو ما يناقض اتفاقية أنقرة عام 1926 بين العراق وتركيا، التي حسمت السيادة العراقية على شماله، في إطار ما عرف بقضية الموصل (كانت ولاية الموصل وقتها تعني كل شمال العراق وإقليم كردستان)، وعليه انطلاقا من الأطماع التركية التاريخية هذه سارعت حكومة العدالة والتنمية عقب الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 إلى إقامة ما يشبه نفوذا دائما ومؤثرا لها في كردستان العراق، مستخدمة الاقتصاد وسيلة لتحقيق ذلك.
وبفعل هذه السياسة بلغ حجم التبادل التجاري بين الجانبين خلال سنوات قليلة إلى أكثر من عشرة مليارات دولار، وهو رقم يزيد عن حجم التبادل التجاري التركي مع معظم دول المنطقة، ولكن تحت هذه السياسة الاقتصادية مارست تركيا سياسة تقوم على إحلال مشروعها الخاص عبر مسار أمني مزدوج يقوم على دعامتين؛ الأولى: إقامة سلسلة قواعد ومقار ونقاط عسكرية في كردستان العراق والموصل، ولا سيما قاعدة بعيشقة بالقرب من الموصل، رغم معارضة بغداد ومطالبتها الدائمة لأنقرة بسحب قواتها من هناك، وقد قوبلت جميع هذه الدعوات بالرفض بشكل يخالف القانون الدولي وقواعد احترام سيادة الدول. الثانية: القصف التركي الدائم لمناطق كردستان العراق، ولا سيما جبال قنديل وسنجار ومخيم مخمور الواقع تحت سيطرة الحكومة الاتحادية، والذي تشرف عليه الأمم المتحدة، بحجة مكافحة الإرهاب ومحاربة حزب العمال الكردستاني علما أن معظم الضحايا من المدنيين.
في الواقع أدت السياسة التركية هذه في كردستان العراق إلى جملة من القضايا الأمنية الحساسة التي تهدد الدولة العراقية وكردستان، لعل أهمها: 1- خلق حالة من الانقسام بين الكرد، وصل إلى حد استخدامهم ضد بعضهم بعضا لتحقيق أجندتها الخاصة في تلك المنطقة الحيوية، ومؤخرا باتت تطالب علنية التنظميات الكردية العراقية بمحاربة حزب العمال الكردستاني، بعد أن توحد الكرد في محاربة داعش وألحقوا الهزيمة به. 2- خلق حالة من الفوضى الأمنية، ولا سيما أن النشاط الاستخباراتي التركي زاد في تلك المنطقة، من خلال دفع المكونات العربية والكردية والتركمانية إلى التحارب؛ حيث انتشرت سياسة الاغتيالات الغامضة بقوة في الفترة الأخيرة. 3- إن السياسة التركية هذه أدت إلى إضعاف الحكومة العراقية فوق ضعفها، ولم تمنع جميع المناشدات العراقية لتركيا بالكف عن هذه السياسة والعبث بالأمن العراقي، ولعل تصريحات السفير التركي في بغداد فاتح يلدز قبل أيام، وتهديده باستمرار القصف التركي لمخيم مخمور بحجة مكافحة الإرهاب، تشكل دليلا على عزم تركيا المضي بسياستها هذه دون أي اعتبار للسيادة العراقية.
في جميع الأحوال، الإرهاب في جميع أنحاء العالم، ومن قبل جميع دول العالم هو فعل إلا بالنسبة في تركيا، فإن الإرهاب هو الفاعل مسبقا.. والفاعل هنا، هو كل من يناهض سياسة أردوغان، سواء في داخل تركيا أو خارجها؛ إذ إن حجة مكافحة الإرهاب باتت ذريعة لشن نظامه الحرب ضد كل من يناهضه، ولا سيما الحركة الكردية كما في العراق وسوريا وتركيا وكذلك في ليبيا وغيرها من الدول والمناطق التي يريد أردوغان السيطرة عليها، وهذا هو جوهر سياسة أردوغان التي تقوم على الإحلال والسيطرة، منطلقا من أحلامه العثمانية التي باتت تهدد أمن الدول ومستقبل شعوبها.
وفي إطار كل ما سبق ينبغي النظر إلى التوتر المتصاعد بين القوى الكردستانية في منطقة زيني ورتي في كردستان العراق؛ إذ جل ما تريده تركيا هو إشعال حرب بين هذه الأطراف، كي تتمكن من فرض كامل أجندتها مع اقتراب انتهاء مدة اتفاقية لوزان عام 1923؛ حيث تتطلع تركيا مع عام 2023 -أي موعد انتهاء مدة اتفاقية لوزان- إلى تحقيق الميثاق الملي التركي الذي يدعي أن شمال العراق وسوريا هي أراضٍ تركية انتزعت بفعل اتفاقية لوزان.
والسؤال هنا: هل ينجح الكرد بالحوار في حل التوتر الناشب بينهما في زيني ورتي، ويفوتوا الفرصة على أردوغان وأحلامه التوسعية؟ إنه التحدي الذي يحدد مصير الكرد ويحقق تطلعاتهم المشروعة.