سوريا في قلب عاصفة "صفقة القرن"
يعتبر إعلان الرئيس الأمريكي ترامب عن الخطة الأمريكية للسلام في الشرق الأوسط المعروفة بـ"صفقة القرن"، مسألة خطيرة ، لها أبعادها وتداعياتها الكبرى، التي ستنجلي وتتضح خلال الفترة القادمة.
وهذه الخطوة تؤكد انحياز تام للكيان الصهيوني، وإرضاء كامل لجماعات الضغط اليهودية ومحاولة لتنفيذ أحد وعوده الانتخابية بعد أن اهتزت مكانته سياسياً داخل البيت الأبيض، وفي الوقت نفسه فإن هذا الإعلان الأمريكي سيحول القدس وساحات الأقصى والأرض الفلسطينية إلى ساحات غضب شعبي عارم وجارف تحت أقدام الصهاينة المحتلين.
الصفقة التي أعلن عنها ترامب بخصوص الحل السياسي للقضية الفلسطينية مرفوضة سوريًاً وفلسطينياً وعربياً إلا بعض الدول العربية التي أرادت أن تمسك العصا من الوسط ورحبت بالاتفاق، وتنص هذه الصفقة على نزع سلاح "حماس" وتجريد قطاع غزة من الأسلحة. كما تقضي بفرض السيادة الإسرائيلية على المستوطنات في الضفة الغربية و"غيرها من المواقع الإستراتيجية" بالنسبة لإسرائيل وأن تكون القدس عاصمة موحدة لإسرائيل، والهدف الأساسي من كل هذا هو تصفية المشروع الوطني الفلسطيني وإنهاء كل مقررات الشرعية الدولية الخاصة بالقضية الفلسطينية بما فيها قرار 242 وحل الدولتين وكل ما يتعلق بالاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية منذ عام 1967 وحتى الآن.
إن مثل هذا الموقف غير المستغرب من أميركا لا يمكن أن يساهم في تحقيق الأمن والسلام والاستقرار في المنطقة، بل هو يسبب المزيد من الحقد والكراهية ضد السياسة الأميركية، وبالتالي يبقي باب الصراع مفتوحاً على الأرض بكل الوسائل والأساليب كما يبقي الذاكرة حيّة ويرسّخ في أذهان أبناء الشعب الفلسطيني وعلى مدى أجيال من الزمن المواقف العنصرية التي تتخذها الإدارات الأميركية المتعاقبة والمنحازة دائماً إلى إسرائيل وإرهابها.
على خط مواز، فسورية ستظل حائط الصد للمحاوﻻت الاستعمارية وفى القلب منها شبابها المخلص، لذلك لا تحتاج الدولة السورية بكافة مؤسساتها ومواطنيها، لكثير من البراهين والأدلة، لبيان المواقف السورية التاريخية تجاه القضية الفلسطينية، فهي هاجس دائم وهمً يلازمها في كل زمان ومكان، كما لا تحتاج سورية وقيادتها للتأكيد على إن العنوان الأبرز لكل التحركات الدبلوماسية السورية في المحافل الدولية هي القضية الفلسطينية، ففلسطين جزء من الذات السورية، فلا فلسطين قادرة أن تتحرر من دون سورية ولا سورية قادرة أن تدير ظهرها لفلسطين لأنها عندئذ تفقد معناها ودورها وذاتها مثل غيرها من الدول العربية التي تخلت عن قضيتها المركزية.
في هذا السياق فإن سبل مواجهة هذه الصفقة المشبوهة، هو إعادة القضية الفلسطينية للحضن السوري لحمايتها من بازار البيع والشراء والتوظيف العربي، طبعا دون أن يعني ذلك فرض رؤية أحادية أو إقليمية للقضية تفقدها بعدها القومي والإنساني، كما لا بد من توحيد الموقف الفلسطيني من خلال وحدة حقيقية تتبنى المقاومة بأشكالها المختلفة، كما على القيادة الفلسطينية الانسحاب من اتفاقية أوسلو، والعودة إلى الكفاح والمقاومة بكل أشكالهما، وكسر حال الصمت لمواجهة العملية الاستيطانية والتهويد المستمر للقدس باعتبارها الحل الناجع لمواجهة صفقة العار.
وخلاصة القول أن القضية الفلسطينية لا يمكن أن تتآكل لأنها قضية حق وحق تاريخي، ومهما حاولوا أعداء الأمة تغّيب القضية الفلسطينية عن الشعوب العربية فإنها لن تغب وستبقى القدس وقود الثورات العربية وستبقى في قلوب كل السوريين ولن تغيب عن أذهانهم وستبقى حافزاً لتحركاتهم وثوراتهم، وأخيراً ربما أستطيع القول إن الشعب الفلسطيني لا توحده إلا المقاومة والانتفاضة والإستراتيجية الفلسطينية الموحدة التي هي الطريق لإنهاء الاحتلال وتطهير الأراضي الفلسطينية المحتلة من التهويد وتطهير السجون من المعتقلين الفلسطينيين.
فتحية من سورية الأبية المرابطة، إلى كل مقاوم وكل شهيد يسقط على أرض فلسطين من أجل تحريرها شبراً شبراً، فعروبة فلسطين باقية وهي أرضنا، والقدس لن تكون إلا عربية، ومن يتقاعس عن الدفاع عنها فهو مقصر في حق أمته وكرامته.