الناتو في مواجهة الصين
عقد حلف شمال الأطلسي مؤخراً قمة في لندن بمناسبة الذكرى السبعين على تأسيسه، لم تنقل وسائل الإعلام الغربية سوى التصريحات الرعدية للرئيسين الفرنسي إيمانويل ماكرون والتركي رجب طيب أردوغان، وبدرجة أقل التصريحات التهكمية لرئيسي الوزراء، الكندي جوليان ترودو، والبريطاني بوريس جونسون.
أما الأشياء المهمة، فكانت في مكان آخر: في إعلان الحلف للمرة الأولى في بيانه النهائي عن «التحدي الصيني» الذي يجب عليه «مواجهته».
لقد سبق لوزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون أن أطلقت في وقت مبكر من عام 2011 نداءً بالتحرك في «محور لآسيا» ودعت الولايات المتحدة إلى مغادرة أوروبا والشرق الأوسط الموسع، للانتشار في الشرق الأقصى.
وقد شرح مستشار الأمن القومي الأميركي حينها توم دونيلون الخطة في آذار 2013 أمام جمعية آسيا، والتي تتضمن حزمة دبلوماسية ومالية، ومشروع اتفاق شراكة عبر المحيط الهادئ، لكن سرعان ما تدخل البنتاغون لتعديل المسار، مؤكداً ضرورة عدم التخلي عن جزء من العالم من أجل جزء آخر، بل بالأحرى التمدد انطلاقاً من جزء على جزء آخر من العالم.
كان هذا هو مفهوم «إعادة التوازن»، وهو الوحيد المتوافق مع استمرار مفهوم «الحرب بلا نهاية» في الشرق الأوسط الموسع.
ولأن البنتاغون لم يتمكن من إقناع الإدارة بخطته هذه، فأنهى فجأة النقاش وعلل تراجعه بالإشارة إلى أنه كان من المستحيل من وجهة نظر مالية الحفاظ على ثلاث جبهات في آن واحد.
بيد أنه عمد في السنوات التي تلت ذلك إلى الحصول على كميات هائلة من الأسلحة ونصبها في الشرق الأقصى.
وفي العام الماضي تحديداً قام وزير الدفاع جيم ماتيس بتغيير اسم «US PaCom»، أي القيادة الأميركية للمحيط الهادئ، مضيفاً عليها المحيط الهندي «US IndoPaCom»، ثم ذهب وزير الدفاع الجديد مارك إسبير، ووزير الخارجية مايك بومبيو والأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ إلى سيدني في أوائل آب الماضي لجس نبض القادة الأستراليين الذين رحبوا بهم، على الرغم من الرعب الذي انتابهم من فكرة نصب صواريخ نووية فوق أراضيهم، كما تم إجراء اتصالات مماثلة، في الوقت نفسه، مع الهند واليابان، لكنها كانت أقل نجاحاً بكثير.
فضلاً عن ذلك، قامت الولايات المتحدة بمراجعة سياستها تجاه كل من كوريا الجنوبية، وإندونيسيا، وميانمار، والفلبين، وتايلاند، وفيتنام، بهدف تقريب جيوشها من تلك البلدان.
بيد أن هذه الدول اعتادت منذ سنوات طويلة على العمل منفردة مع مسؤولي البنتاغون، وليس مع بعضها البعض.
لاشك أن الصين تستعد بدورها للمواجهة، لكن بآجال مختلفة تماماً عن تلك التي وضعها حلف الناتو، فهي لم تنس بعد كيف استغلتها الإمبراطوريات المتحالفة، بما في ذلك روسيا القيصرية، في القرن التاسع عشر وهي تتطلع الآن إلى التحالف مع روسيا الحالية التي تواجه الأعداء نفسهم.
بالإضافة إلى ذلك، تعتزم الصين نقل ساحة المعركة إلى مجال المعلوماتية عبر تدمير أسلحة حلف شمال الأطلسي الموسع بالهجمات الإلكترونية قبل أن يتمكن من استخدامها.
من الواضح أن لا أحد يستطيع إيقاف انتشار قوات حلف الناتو، حتى بعد هزيمته في سورية وهو ذاهب لا محالة نحو التوسع والانتشار، لفرض «السلام الأميركي – Pax Americana» على العالم.
ومن غير المرجح أن تسعى روسيا والصين إلى الحرب في العقد القادم، لكن من المتوقع أن ينقسم العالم إلى منطقتين تنعدم المبادلات التجارية فيما بينهما، ما سوف يرتب على جميع الدول اختيار المنطقة التي ترغب في الانضمام إليها.