الورقة الكردية رهينة واشنطن... ودمشق تسعى إلى استردادها
وفد من قيادات كردية في مجلس سوريا الديمقراطية في دمشق ويلتقي قيادات أمنية سوريّة، والنقاش في دمشق يستأنف سجالاً لم يتوقف عن طبيعة المشروع الذي يحمله مجلس سوريا الديمقراطية في الشمال السوري منذ الإعلان قبل أربعة أعوام عن الإدارةِ الذاتية. وما وصلت إليه لقاءات اللجان الفنية من الطرفين خلال شهرين لمحاولة إيجاد صيغة يتقاطع فيها نموذج الإدارة الذاتية المُطبَّق في الشرق والشمال السوري، وقانون الإدارة المحلية في خطوة لمحاولة إيجاد توافقات مع الحكومة السورية تنتهي بعودة سيادة الأخيرة إلى كامل مناطق شرق الفرات الخاضعة لنفوذ الكرد.
الفيدرالية نحو مشروع انفصالي كردي قطعته الدبّابات التركية قبل عامين واحتلال لأكثر من 10 آلاف كم2 غرب الفرات بذريعة الهواجس التركية منهم. وفيما يتمسّك الكرد بفيدراليّتهم كحلٍ للتنوّع السوري وينبغي تغيير طريق إدارته سياسياً كما يقولون، يرى فيها مراقبون مناورة سياسية لتحصيل تمثيل في عملية سياسية أقصيوا عنها في جنيف وأستانة مُسايرة للأتراك، خاصة بعد سيطرتهم على مساحة تقارب 25% من مساحة سوريا بدعمٍ أميركي.
ورغم الفتور الذي أعقب حادثة هجوم الشرطة الكردية "الأسايش" على دوريات تابعة للأمن السوري في مدينة القامشلي والتي أدّت إلى استشهاد 14 عسكري سوري، والشعور المُتنامي بالثقة لدى القيادات الكردية والتصريح بأنهم لايهتمّون لمستقبل الحوار مع الدولة السورية، فهي بحاجة الشمال السوري، والشمال لا يحتاج للدولة السورية كما ذهب قائد قوات قسد مظلوم عبدي.
ويبدو أن التقارب الكردي مع دمشق الذي بدأ رسمياً في تموز/يوليو الفائت لا يُرضي واشنطن رغم التصريحات المتكررة بأن واشنطن لا تعارض تنسيق الجانب الخدمي مع دمشق، بريت ماكغورك ممثّل الرئيس الأميركي في التحالف الدولي، ووليام روباك ممثّل الخارجية الأميركية في الشمال السوري لم يتوقفا عن جولاتهما المكوكية في مناطق سيطرة الكرد، والإعلان عن زيادة الدعم العسكري والخدمي لقسد في المنطقة، لمنع انتزاع ملف الشرق السوري منها، وهو ما أعاد التأكيد عليه وزير الخارجية السوري وليد المعلم، في حديثه لقناة الميادين، إن الأميركيين هم مَن أفشل الحوار بين الكرد والدولة السورية.
لم يتم تسريب الكثير عن اللقاء الأخير، لكن بعض المصادر الكردية أكّدت أن النقاش سيتركّز حول خطوة الكرد الأخيرة في توحيد "الإدارات الذاتية" و"المجالس المدنية" في إدارة واحدة.
العودة الكردية إلى دمشق جاءت في سياق تصريحات مُتكرّرة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال الأسابيع القليلة الماضية، أن أنقرة مُصرّة على الوصول إلى الحدود العراقية للقضاء على التهديد الذي تفرضه وحدات حماية الشعب، لأن تركيا تعتبر هذه الجماعة الفرع السوري من حزب العمال الكردستاني الذي يحارب الحكومة التركية منذ أكثر من ثلاثة عقود بحسب أردوغان .
لكن اختلاف المصالح قد لا يُمكّن أنقرة من انتزاع الدعم الروسي والإيراني لعملية عسكرية تركية في الشرق لاستئصال الكرد، وإنْ كانت موسكو وطهران ترى في الاحتلال الأميركي عبر الكرد تهديداً لوحدة الأراضي السورية يمنع تصليب الانتصارات العسكرية الأخيرة، لكنهما لن تقدما على مواجهة لا قِبَل لهما بها مع واشنطن.
الأميركيون اختاروا الكرد منذ إنشاء التحالف الدولي لقتال داعش ووضعوا حليفهم التركي جانباً، واليوم لا يستعجلون حَسْم المعركة في آخر معاقل داعش شرق الفرات للإبقاء على حصنٍ أخير للتنظيم قد يدفعون به إلى مواجهة الجيش السوري وحلفائه.
الورقة الكردية لا تزال رهينة أميركية، ولم يحن الوقت بعد للتضحية بها أو مُقايضة موسكو أو دمشق بها، ولا تتوقّف دمشق عن محاولة استردادها وضبط مشروع الإدارة الذاتية، فالكرد مُكوّن سوري، ويمكن إدارة مناطق الشرق تحت مظلّة قانون الإدارة المحلية وتمثيلهم في كافة مفاصل الدولة وفق نسبتهم في نسيج المجتمع السوري، شريطة فكّ ارتباطهم بالأميركيين، والقبول بدخول الدولة السورية إلى كافة المناطق الخاضعة لسيطرتهم، وهو ما لا يبدو قابلاً للتحقيق قريباً.