الدول الفاشلة إساءة استعمال القوة والتعدي على الديمقراطية

لطالما أكدت الولايات المتحدة المرة تلو الأخرى على حقها في التدخل العسكري ضد “الدول الفاشلة” في أي مكان من العالم. في هذا العمل المنتظر، والمكمل لكتابه الأكثر منيعا في العالم: “الهيمنة أم البقاء”، يقلب نعوم تشومسكي كل الطاولات، بتبيانه لنا كيف تحوز الولايات المتحدة ذاتها العديد من سمات وخصائص الدولة الفاشلة -ولذلك فهي تشكل خطراً متعاظماً على شعبها هي وعلى العالم. 
يستخدم نعوم تشومسكي مصطلح الدول الفاشلة على غير ما جرت العادة، فهو لا يقيم أداء دول العالم من حيث الشروط والمقاييس الأمريكية للأداء السياسي والاقتصادي وإنما يدين في الأساس السلوك الأمريكي الذي يهوى أن يتعامل مع بقية دول العالم ويوزعها بين معسكر الخير ومعسكر الشر، وبين النجاح والفشل، من منظوره الخاص وبحسب ما تتفق هذه الدول مع وجهات نظره أو تختلف عنها، وكذلك بحسب ما تقدم هذه الدول الخدمات للأمريكيين وتتسق مع مصالحها، فهذه الرؤية الأحادية الأمريكية تفاقمت في التسعينيات من القرن الماضي وبداية القرن الجديد حتى مرحلة الأزمة المالية العالمية الأخيرة، فالأمريكيون يعتقدون أن البشر ينقسمون إلى نوعين، الأمريكيون وبقية العالم، ويعرف تشومسكي الدول الفاشلة من خلال خصائصها الأولية، ومنها «عدم القدرة أو عدم الرغبة في حماية مواطنيها من العنف وربما من الدمار نفسه، والنزعة إلى اعتبار نفسها فوق القانون، محليا كان أم دوليا، وبالتالي إطلاق يدها في ممارسة العنف وارتكاب العدوان. وحتى إذا ما كانت تملك أشكالا ديمقراطية، إلا أنها تعاني من «عجز ديمقراطي» خطير يجرد مؤسساتها الديمقراطية الرسمية من أي جوهر حقيقي».