هل نجحت الحكومة المصرية في حربها على العشوائيات؟

13.06.2016

تبسم الحظ لبياضة محمد فلم تعد تحتاج لقطع رحلتها اليومية لمسافة ليست بالقصيرة حاملة أوعية بلاستيكية لملئها بالمياه ونقلها إلى بيتها المتهالك غير المتصل بشبكات المرافق.
أصبحت بياضة تفتح الصنبور فتتدفق المياه بعد أن انتقلت مع أسرتها في الآونة الأخيرة للعيش في شقة مجهزة بأثاث جديد في مجمع سكني حديث مكتمل المرافق بحي المقطم بالقاهرة.
"أحلى حاجة هنا إن في أصلا بق مية (رشفة ماء)" هكذا لخصت بياضة بالعامية المصرية النقلة الكبيرة في حياتها.
قبل ذلك كانت الأسرة تعيش في منزل قديم في حارة ضيقة غير‭‭‭‭‭ ‬‬‬‬‬ممهدة بمنطقة الدويقة العشوائية المقامة على صخور جبلية آيلة للسقوط والتي أصبحت الآن في طريقها للزوال.
في نهاية الشهر الماضي افتتح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي المجمع السكني الجديد المخصص لسكان المناطق العشوائية الخطرة ويحمل اسم مدينة (تحيا مصر) بمنطقة الأسمرات في حي المقطم بشرق القاهرة.
وتعهد السيسي بإخلاء جميع المناطق العشوائية "‬‬الخطرة وغير الآمنة‭‭"‬‬ ومنح سكانها وحدات سكنية جديدة على مدى ثلاث سنوات. وطالب الحكومة بالعمل على منع ظهور مناطق عشوائية جديدة.
وأسرة بياضة واحدة من بين عشر أسر من منطقة الدويقة التابعة لحي منشأة ناصر بشرق القاهرة سلمها السيسي بنفسه عقود شقق جديدة بمنطقة الأسمرات ليبدأوا حياة جديدة هناك.
وقالت بياضة لرويترز وهي تجلس في شقتها الجديدة حديثة الطلاء والمزودة بأثاث منزلي جديد قدمته لها الحكومة وتطل شرفاتها على مساحات خضراء وملاعب "أنا كنت فين وبقيت فين!"
وروت بياضة تفاصيل معاناتها مع مشكلة المياه وكيف كانت تخشى على أبنائها من المنطقة غير الآمنة وعلى مستقبلهم التعليمي.
ويبلغ عدد المناطق العشوائية "الخطرة وغير الآمنة" ومن بينها الدويقة نحو 351 منطقة أغلبها في إقليم القاهرة الكبرى الذي يضم محافظات القاهرة والجيزة والقليوبية ويعيش فيها 850 ألف شخص تقريبا.
وقتل أكثر من 130 شخصا عندما انهارت صخرة جبلية فوق منازل بالدويقة عام 2008 وتكررت الانهيارات الصخرية لكن دون سقوط قتلى نظرا لإخلاء المنازل القريبة من هذه الصخور قبل سقوطها.
وقال السيسي إن إزالة هذه المناطق وإعادة إسكان قاطنيها سيتكلف 14 مليار جنيه (1.58 مليار دولار). لكنه يأمل ألا تتحمل الحكومة وحدها هذه التكلفة وطالب المصريين بالمساهمة في هذه المشروعات.
وينقسم مشروع تحيا مصر المخصص بالكامل لسكان العشوائيات الخطرة إلى ثلاث مراحل واكتمل بناء المرحلتين الأولى والثانية في نحو 11 شهرا فقط وتضمن 12 ألف وحدة سكنية بتكلفة 1.5 مليار جنيه.
وستفتتح المرحلة الثالثة عام 2017 ليصل إجمالي عدد وحدات المشروع السكنية الجديدة إلى نحو 20 ألفا. وأسهم صندوق تحيا مصر الذي أسسه السيسي عام 2014 لدعم الاقتصاد في تمويل المشروع مع محافظة القاهرة وصندوق تطوير المناطق العشوائية.
ويتوقع أن يصل إجمالي عدد سكان المشروع إلى 100 ألف شخص بعد اكتماله.
وعدد محسن عادل نائب رئيس الجمعية المصرية للتمويل فوائد تطوير العشوائيات فقال لرويترز إنه يسهم في وقف إهدار موارد الدولة من كهرباء ومياه شرب وطرق وأراض فضلا عن أنه يسهم في ضبط عمليات التوزيع العمراني على مستوى الجمهورية بشكل مخطط ومنظم.
وتابع أن عملية التطوير توفر مساكن وأماكن إقامة لفئات غير قادرة ماليا "وهو ما يسهم في تحقيق السلام الاجتماعي ورفع مستوى معيشة المواطنين" وحماية أرواحهم لأن المباني العشوائية لا تلتزم بمعايير السلامة.
* "الشكل الغير لائق لمصر"
ويشكو سكان بالدويقة من أن عملية تخصيص الوحدات السكنية في الأسمرات يشوبها قدر من المحسوبية لكن المهندس أسامة حسن عبد الساتر نائب مدير مديرية الإسكان بمحافظة القاهرة قال لرويترز إن العمل يجري منذ عامين بالتنسيق مع حي منشأة ناصر لتحديد الحالات المستحقة.
وقال إنه تجرى عملية "بحث كامل وشامل عن السكان بحيث كل واحد يسكن في هذه المنطقة يكون مستحق للسكن." وأضاف أنه يجري نقل الأسر من الدويقة للأسمرات تباعا.
وكان السيسي يأمل أن تنتهي حكومته من إزالة وإحلال المناطق الخطرة خلال عامين فقط لكنه قال إنها تواجه مشكلة.
وقال خلال افتتاح وحدات إسكان اجتماعي لمحدودي الدخل في مدينة بدر شرقي القاهرة الشهر الماضي "كل المناطق دي معظم سكانها عايزين مناطق قريبة من المناطق اللي هما عايشين فيها بالفعل دلوقتي ودي بالنسبة لنا يعني مشكلة."
وأضاف "لو احنا عندنا فرصة أن الناس دي تيجي في أماكن أخرى.. احنا مستعدين كدولة وكحكومة نعمل وننهي كمان الشكل الغير لائق لمصر ولا بأهل مصر. لو أنا قدرت أفضي (أخلي) هذه المناطق.. أعدكم أن في خلال السنتين مش ثلاثة نكون عملناهم."
ووفقا لدراسة نشرها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء يوم الثامن من يونيو حزيران تبلغ مساحة المناطق العشوائية 38.6 بالمئة من الكتلة العمرانية لمدن مصر.
وذكرت الدراسة أن المناطق العشوائية تنتشر في 226 مدينة بجميع محافظات الجمهورية من إجمالي 234 مدينة. وتخلو ثماني مدن فقط من العشوائيات في أربع محافظات.
وتشير تقديرات رسمية إلى أن ما يتراوح بين مليون ونصف ومليوني شخص يعيشون في غرف وعشش ملحقة بمقابر القاهرة نظرا لفقرهم وعدم قدرتهم على إيجاد سكن.
ولا تقتصر مشكلة المناطق العشوائية على المنازل الآيلة للسقوط ونقص الخدمات لكن سكانها يعيشون في فقر وتنتشر بينهم الأمراض وتعد مناطقهم بؤرا للمجرمين بمن فيهم تجار المخدرات.
وقال السيسي الشهر الماضي "إذا كنا بنتكلم على اننا عايزين نطور الناس وميبقاش في إرهاب ولا تطرف.. مش ممكن الناس تعيش في حاجة زي كده."
ولفت رجب مجاهد عبد النبي الاستشاري العام لمدينة تحيا مصر إلى أن المشروع يضم مركز خدمة مجتمع وتدريب لتأهيل السكان بهدف الحفاظ على الشكل الحضاري للمنطقة.
وقال لرويترز "هذه الناس مرت بظروف صعبة وهم في حاجة لنوع من التنوير والتثقيف عشان يندمجوا أكتر في المجتمع ويحسوا أنهم ليسوا مهمشين."
ويجري العمل على إزالة وتطوير المناطق العشوائية في وقت يواجه فيه السيسي ضغوطا متزايدة لإنعاش الاقتصاد المتعثر والسيطرة على الأسعار لتجنب أي احتجاجات شعبية كبيرة كتلك التي أطاحت برئيسين سابقين في 2011 و2013.
ورغم جهود الحكومة لمكافحة الظاهرة لا يزال البناء العشوائي مستمرا في أطراف العاصمة.
بينما تقترب الدويقة ومناطق أخرى من الإزالة كان أحمد بائع الخضراوات الشاب يشارك جيرانه في بناء منطقة عشوائية جديدة بعدما عجز عن سداد إيجار شقة متواضعة كانت تؤوي أسرته الصغيرة في منطقة عشوائية قديمة تابعة لحي حلوان بجنوب القاهرة.
وأطلق أحمد وجيرانه اسم عرب البراوي الجديدة على المنطقة التي بنوا فيها منازلهم الجديدة وذلك لقربها من منطقة عرب البراوي التي كانوا يعيشون فيها في السابق.
وقال لرويترز خارج منزله الجديد ذي الطابق الواحد "الإيجارات في عرب البراوي محدش يتحملها وأنا وعيالي كنا بنلم طوب من الجبل عشان نبني البيت."
وأضاف والابتسامة ترتسم على وجهه "الحمد لله النهاردة ربنا رزقني بشوية خشب مرمي في الشارع وحملتهم على العربية (التي يجرها حمار) عشان أسقف بيهم البيت."
وتتراوح الإيجارات الشهرية في منطقة عرب البراوي وعدة مناطق عشوائية مجاورة بين 400 و600 جنيه للشقة السكنية المكونة من غرفتي نوم وصالة وهو مبلغ كبير مقارنة بدخل السكان.
وحين زارت رويترز منطقة البراوي الجديدة كانت جرافات يستأجرها الأهالي تمهد أراضي مفتوحة على أطراف المنطقة تمهيدا لبناء منازل جديدة بصورة عشوائية.
ولا يملك الأهالي هذه الأراضي ويبنون عليها بنظام وضع اليد. ولا توجد في المنطقة أي خدمات أو مرافق أو طرق ممهدة.
* الأموات يرفضون الدفن فيها!
ويأمل السكان الذين يحصلون على الكهرباء بطريقة غير مقننة من الشبكة العمومية ويستخدمون صنابير عمومية لسد حاجتهم من المياه أن تلتفت الحكومة يوما ما لهم وتوصل لهم المرافق والخدمات.
وقال أشرف عبد الجواد (55 عاما) وهو عامل طلاء "حلوان كلها بدأت زينا (مثلنا) واحنا مش مستعجلين وراضيين بقليله. إن شاء الله هيبصولنا بعنيهم والدنيا هتروق وتحلى."
ويعيش الرجل وزوجته وستة أبناء في البيت الجديد.
وقال جاره محمد إبراهيم (28 عاما) وهو عامل باليومية عن المنطقة التي اضطر للعيش فيها بسبب ضيق الحال "المنطقة مفيهاش حاجة.. الميتين ميرضوش يتدفنوا فيها."
وعن أسباب استمرار ظهور المناطق العشوائية رغم ما تبذله الحكومة من جهود لمكافحتها قال محسن عادل نائب رئيس الجمعية المصرية للتمويل "لغاية ما تقدر انك توفر فرص عمل جديدة ومناطق جديدة توطن الطبقات الأقل دخلا فيها فمن المحتمل دائما أن تفضل تظهر عندك مناطق بهذا الشكل."
وبخلاف المناطق الخطرة تعمل الحكومة على تطوير مناطق أخرى أقل خطورة أو غير مخططة لكن بعض سكان هذه المناطق يشكون من أن هذه الجهود غير كافية وغير مجدية.
وقال الجيش في مارس آذار إن الهيئة الهندسية للقوات المسلحة أشرفت على تطوير 45 منطقة عشوائية في محافظتي القاهرة والجيزة "بنسبة 100%" ضمن بروتوكول تعاون مع صندوق تطوير المناطق العشوائية واتحاد بنوك مصر.
وأضاف في بيان أن التكلفة المالية للمشروع بلغت 497 مليونا و400 ألف جنيه.
ومن بين المناطق التي شملها المشروع في حي حلوان كل من كفر العلو وأبو دحروج وأرض الجنينة وعرب البراوي. واقتصر التطوير في هذه المناطق على تبليط أرصفة بعض الشوارع وتركيب أعمدة إنارة. وكان العمل يجري على إنشاء محطة للصرف الصحي في منطقة أرض الدواجن.
وشكا عدد من الأهالي من إهمال في تركيب البلاط الذي بدا غير مستو وشبه مفكك في كثير من الشوارع. وقالوا لرويترز خلال جولة في هذه المناطق إن التبليط شمل عددا بسيطا من شوارع كل منطقة ولم يشمل كل الشوارع.
وقال مجدي محمود وهو موظف في مصنع للغزل والنسيج ويعيش مع أسرته في شقة إيجارها 540 جنيها بمنطقة أبو دحروج "التطوير مش وحش بس المهم الناس تحافظ عليه."
لكنه قال إن التطوير كان يجب أن يشمل بناء مدارس ووحدات صحية حكومية ومخابز.
ولم يتسن لرويترز إجراء مقابلة مع رئيس صندوق تطوير المناطق العشوائية أو أحد مسؤولي الصندوق للتعليق على الانتقادات الموجهة للمشروع. وتأسس الصندوق عام 2008.
* عملية جراحية
وتعمل محافظة القاهرة بالتعاون مع جهات أخرى في الوقت الراهن على تطوير عدة مناطق عشوائية قديمة‭‭‭‭‭‭‭‭‭‭‭‭‭ ‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬وتركز جهودها على هدم البيوت المتداعية والآيلة للسقوط وإعادة بنائها.
ومن بين هذه المناطق منطقة العسال ذات الأزقة والحارات الضيقة في حي شبرا بالقاهرة. ويوجد بالمنطقة نحو 400 منزل أغلبها متداع وآيل للسقوط.
ورغم سعادة البعض بالمنازل الجديدة فإن عددا كبير من السكان قالوا إنهم غير راضين عن التطوير. فبيوت منطقة العسال مؤلفة من طابقين أو ثلاثة ويعيش في المنزل الواحد عدة أسر.
وتعيش أغلب الأسر في غرفة واحدة غير مزودة بمطبخ أو مرحاض. ويوجد في كل طابق وأحيانا في كل طابقين مرحاض مشترك.
وحين تهدم البيوت الآيلة للسقوط ويعاد بناؤها تكون بنفس التصميم القديم وتعود الأسر لتسكن كل واحدة منها في غرفة واحدة كما كان الحال في السابق.
وقالت المهندسة جيهان محمد علي من مديرية الإسكان بالمحافظة "احنا داخلين المنطقة (بغرض) التطوير مش إعادة التخطيط. احنا لو دخلنا في إعادة التخطيط بنتكلم بقى في خطة بعيدة الأجل عشان نشيل 400 بيت وكل بيت فيه حوالي 50 واحد."
وقال أحمد برعي وهو عامل خردة شاب "احنا مش عايزين مسكنات احنا عايزين نعمل عملية.. ده يتشال ويعملوا لنا مساكن."
المصدر: رويترز