من يقف وراء الإرهاب كأداة سياسية

28.03.2016

يكفينا نقاشا حول جذور الإرهاب، ويكفينا نقاشاً حول السياسات في الشرق الأوسط  (وحول سياسات العالم الثالث التي لم تناقش منذ حين )، ويكفينا احتجاجا على تقليص الحريات المدنية أو على الأعمال غير المراقبة للأجهزة الأمنية ويكفينا كل ذلك النقد الذاتي في الغرب.
إنه وقت إعلان الحرب، بل نحن فعلا في الحرب. الحرب ضد الإسلامويين إن لم نقل ضد الإسلام نفسه وعندها سنربح الحرب. أتريدون التظاهر ضد السياسات التي تسبب التغير المناخي، كالذي حدث مؤخرا في باريس؟ إن هذا ممنوع. بالطبع لكم الحق في ذلك. لاشك أنه من الأفضل لكي نلزم الحكومات بالمحافظة على كوكبنا، ولكن إذا كنت ملحاً على التظاهر من أجل هذا فإنه يمكنك التظاهر ولكن من فضلك، انتظر حتى تنتهي الحرب مع الإرهاب.
إن الحرب على الإرهاب لن تنتهي، وقد خططوا لها كي لا تنتهي، إلا إذا فعلنا شيئا جديا يجتث الإرهاب من جذوره.
هذا هو الجو السياسي الآن في أوروبا في أعقاب الهجمات التكفيرية التي جعلت بروكسل تعيش لأيام في حالة من الهيجان العاطفي، على الرغم من أن الشرق الأوسط يعيش أغلب أوقاته في حالة مشابهة لحالة بروكسل، ولكن الأمر مختلف عندما يكون الضحايا أوروبيون غربيون.
هل هذا الحادي عشر من أيلول الأوروبي؟
ما يحدث الآن في المشهد السياسي الأوروبي يذكرنا كثيرا بما حدث في الولايات المتحدة بعد هجمات 11 سبتمبر. دعونا نأمل ألا يكون لها نفس النتائج.
اللاجئون مصنفون أصلا من قبل البعض بأنهم العدو الأول . حتى أنهم ليسوا لاجئين. لننسى ما  يقال عن البنك الدولي وكل المنظمات المالية التي تسود الاتحاد الأوروبي والحكومات الأوروبية وكل التركيبة "العالمية"، لننسى ما يقال حول الناتو والولايات المتحدة والمحافظين الجدد الذين يسيطرون بشكل غير مسبوق على الكثير من أوروبا ويهددون بالحرب مع روسيا وبشكل غير مباشر مع الصين.
بعد كل هذا فإن الأمر يبدو واعدا بشكل أكثر وآمنا بالنسبة للساسة الأوروبيون  للاستثمار في الحرب ضد الإسلام من أن يجدوا التغطية اللازمة للوقوف بوجه السادة الحقيقيين للعولمة !
بغض النظر عن اللاجئين أنفسهم فإن اللهجة ضدهم كانت مرتفعة قبل هجمات بروكسل. لقد قالوا إن هذا مؤلماً ولكن ليست هذه مشكلتنا، فمشكلتنا أن ندافع عن أنفسنا. لقد ذهب أحد البرلمانيين الأوروبيين في وصفه اللاجئين (من إحدى الدول المركزية) بعيدا عندما قال إنهم "رجال يشبهون الإنسان البدائي". يبدو انه على قناعة بأن الإنسان العاقل، وكما ندعو أنفسنا، هو حقا أفضل من الرجل البدائي. شخصيا، لدي شكوك قوية حول هذه الفكرة، خصوصا في كل مرة أشاهد الأخبار التلفزيونية المسائية.
يتبنى الآن العديد من السياسيين ووسائل الإعلام الأوروبية ولكن بعد تأخير دام خمسة عشر عاما الخطاب السياسي الذي كان سائدا في الولايات المتحدة بعد 11 أيلول. متناسين في الوقت نفسه العلاقة السببية المباشرة بين الحديث السياسي الأمريكي والهجمات التكفيرية في بروكسل. إنهم يعرفون أن الأوربيين غير راضين عن مستوى معيشتهم، إنهم يهزون الآن عقولهم بالفوضى الخلاقة وبإشارات غير منظمة وفوضوية، حول اللاجئين والإرهاب، وربما آملين في استغلال الارتباك الذين يعيشونه من خلال الصدمة العاطفية العميقة التي لحقت بهم بعد الهجمات.
محو الدول العربية المحورية
قبل خمسة عشر عاما أعلن الرئيس الأمريكي ومن ورائه المحافظين الجدد (ومن إلى جانبهم) والحكومة  الأمريكية الحرب على الإرهاب. القوات المسلحة الأمريكية والبريطانية وقوات حلف شمال الأطلسي وكذلك  القوات الفرنسية بقيادة  نيكولا ساركوزي ولا ننسى الدول الصديقة في منطقة الشرق الأوسط والوكلاء المحليين قاموا جميعهم بتدمير العراق تماما، وكذلك ليبيا وسوريا واليمن فيما بعد.
وتم تجنب الحرب مع إيران وذلك فقط بسبب المقاومة القوية من قبل الرئيسين باراك أوباما وفلاديمير بوتين (وأيضا بسبب معارضة عدد من المؤسسات العسكرية واللوجستية الإسرائيلية والأمريكية، التي أدركت الطابع الخطير للغاية لمشروع المحافظين الجدد)، مثل هذه الحرب لو حصلت كان يمكن أن تؤدي الى أول استخدام للأسلحة النووية "التكتيكية" بعد هيروشيما وناكازاكي، لأنه كان واضحا منذ البداية أن القوات التقليدية الغربية لا يمكنها التغلب على الدفاعات الإيرانية، وخاصة تدمير التحصينات الإيرانية تحت الأرض.
"الحملة ضد الإرهاب" و"محور الشر" في الشرق الأوسط لا مثيل لها في تاريخ الإمبريالية والاستعمار. إنها ليست حرب غزو أو سيطرة، مثل تلك التي عرفناها. بل كانت حرب تدمير ممنهج ومتعمد تعكس استراتيجية الفوضى. وليس من الغرابة ما نراه من آثار الرعب في باريس، وبروكسل أو في أي مكان آخر. ولكن ما هو غريب بالأحرى أن المزيد من الإرهاب يبدو كدفاع عن أفكار "منظري المؤامرات". اللذين لم يفعلوا شيئا لوقف تطور الإرهاب والإسلام المتطرف. بالعكس قاموا بمساعدهم بشكل كبير.
وراء الإرهاب
هناك شيء أكثر عمقا يثير الدهشة حول ما يحدث. إذا تفحصت الحقائق عن كثب، ستكتشف على الاغلب بصمة القوى نفسها التي تقف خلف كل من الإرهاب ومكافحة الإرهاب، ووراء كل من تدفقات اللاجئين وردود الفعل عليها.
خذ على سبيل المثال "داعش". توجد الكثير من المؤشرات، وأحيانا حتى البراهين، أنها أنشأت ودُعمت من قبل الغرب واسرائيل والدعم السري من قبل الدول السنية في الشرق الأوسط التي توالي الغرب، حتى الأكراد العراقيين يبدو أن لهم يدا بطريقة أو بأخرى في التعاون مع هذا المشروع، على الأقل في البداية (هم نفوا ذلك، ولكن وفقا لبعض المنشورات فإنهم "أخذوا" السيطرة الكاملة على كركوك " في مقابل" الموصل). الآن يمكننا المجادلة فيما إذا كان كل ما أدت إليه مجريات الأمور كان متوقعا منذ البداية أم لا. وما يجب أن نستبعده في جميع الحالات هو أن هذه القوى التي ساعدت ومولت و تعاونت بشكل وثيق مع "داعش" ليس لديها معلومات عن مخطط عملياته. فهل قامت بأي شيء لردع الإرهاب؟.
فيما يتعلق بأن المقاومة السنية الشجاعة للعدوان الأمريكي على العراق، تحول معظم قادتها إلى قيادات في تنظيم "داعش"،  يمكن أن يعتبر من أكبر انتصارات وانجازات الاستعمار. وكانت من أكثر الحالات مماثلة ربما ماحدث في الاتحاد السوفياتي، عندما أصبح زعيم "الشيوعية العالمية" لعبة في يد رولاند ريغان ومارغريت تاتشر، عندما صدق أنهما سيساعدان في إصلاح بلاده، أو في اليونان، عندما قام الحزب الذي من المفترض أنه من "اليسار الراديكالي " بقبول ومحاولة تطبيق سياسة اقتصادية حتى الليبراليون الجدد يعتبرون أها انحرافا. فعلا لا نصر كاملا أكثر من أن تكون قادرا على تشكيل خصومك بطريقتك الخاصة.
إعداد نظام ما بعد الليبرالية
يتصرف العديد من السياسيين والمعلقين الأوروبيين هذه الأيام مثل الأطفال حديثي الولادة، حيث فتحوا عيونهم صباح تفجيرات بروكسل ليروا من حولهم أشخاصا تفجر نفسها وملايين اللاجئين الحائرين حولهم. إنهم لا يعرفون أي شيء عما حدث في منطقة الشرق الأوسط، لكنهم على استعداد للذهاب إلى حرب ضد الإسلام (وكذلك ضد روسيا أو الصين إذا تلقوا الأوامر أن يفعلوا ذلك). كما أنهم على استعداد لتأييد أي تدبير سلطوي في أوروبا، من أجل "محاربة الإرهاب". ونحن نعلم منذ فترة طويلة، أن هذه التدابير ربما تكون ضرورية بالنسبة لهم لأسباب مختلفة جدا عن مكافحة الإرهاب، مثل فرض سياسات اقتصادية واجتماعية أكثر وحشية في أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية أو شن حرب ضد روسيا أو الصين. ولكن لفرض مثل هذه التدابير، فإنهم بحاجة إلى ذريعة أكثر جدية وايديولوجية جديدة.
هذه الشمولية "إمبراطورية العولمة"، الناشئة  نتيجة انهيار الاتحاد السوفياتي، وتوقيع معاهدة ماستريخت، وإجماع واشنطن وما إلى ذلك، لا تزال تدافع عن النظام الليبيرالي الجديد مابعد الحرب الباردة. ولكن دوافعه ليست إيديولوجية. وليست ملزمة من قبل أي أيديولوجية، هدفهم هو فقط الحفاظ على سلطتهم وتوسيعها . إنهم يعرفون أن عليهم من الآن تحضير خياراتهم لمرحلة  ما بعد الليبرالية، إذا كانت الليبرالية الحالية لاتستطيع تحقيق المهمة.
وبشكل مشابه حارب تشرشل ورئيس الولايات المتحدة الأمريكية خلال الحرب العالمية الثانية ضد ألمانيا، وتعاونا بشكل كامل مع روسيا السوفياتية، ولكن في الوقت نفسه، كانوا يسعون للقيام بحرب عالمية ثالثة ضد حليفهم بعد ذلك مباشرة. ولعدم قدرتهم على خوض حرب "ساخنة"، أطلقوا أخيرا حربهم "الباردة" ضد موسكو، حليفهم بالأمس.
الحقيقة أن استفادة أحد ما من جريمة معينة ليست دليلا على أنه ارتكب أو أنه ساعد شخص آخر على ارتكابها، عن طريق أفعال أو تغاضي. ومع ذلك، لا يعتبر أي شرطي أو محقق جديا، إذا لم يبدأ التحقيق في أي جريمة من خلال وضع سؤال "من المستفيد؟".
من الأفضل على ضباط مكافحة الإرهاب والسياسيين النظر عن كثب وراء "العلاقات الدولية"  لجماعات مثل تنظيم "داعش" أنا لست متأكدا من أنهم سوف يحبون ما سوف يجدون هناك. ولكن إذا لم يفعلوا ذلك، نحن ربما لسنا بعيدين عن هجوم كيميائي أو غير تقليدي في مدينة أوروبية.