الأمازيغية في الجزائر إيديولوجيا أم هوية

25.12.2017

رغم الاتفاق حول تحديد هوية السكان الأصليين في الجزائر على أنهم أمازيغ أو بربر، إلا  أن الخلافات سرعان ما تطفو على الساحة من جديد حول طبيعة الهوية الأمازيغية أمام التعدد اللغوي الذي تعرفه  من  قبائلي، وشاوي ، ومزابي ، وتارقي. من جهة وشرعية  المطالب التي تتبناها مختلف الحركات الأمازيغية من جهة أخرى .
وحسب المؤرخ الجزائري عبد الرحمن الجيلالي في كتابه " تاريخ الجزائر العام " يقول أن أول من عرف في التاريخ المسجل من سكان هذا الوطن إنما هم البربر الذين ينتشرون بصورة خاصة في بلدان المغرب، والجزائر، وتونس وليبيا وحتى مصر "
فكلمة أمازيغ تعني في اللغة الأمازيغية "الإنسان الحر النبيل"، وكان الرومان يطلقون على القبائل المنتشرة في الشمال الإفريقي اسم بربر، وأصل الكلمة يوناني وتعني البرابرة ، كما أطلقت هذه التسمية على كل من هو غير روماني.
لقد اختلف العلماء والمؤرخين في نسب الأمازيغ منهم من ينسبهم إلى مازيغ ابن كنعان  بن حام، ومنهم من ينسبهم لأجناس أوروبية لكن المتتبع تاريخيا يجد أنهم أقوام اختلطت مع اليونانيين، والفينيقيين والايطاليين ، وقيل أنهم من السامين.
ومع الفتح الاسلامي لمصر 611 م تم فتح المغرب العربي على يد عقبة بن نافع، وحسان بن النعمان، وموسى بن نصير دخل البربر الإسلام، وشاركوا في فتوحات الجيش الإسلامي في اسبانيا، وكان من أشهرهم  القائد طارق بن زياد.
شارك البربر في بناء الحضارة المصرية القديمة من أبرزهم ششناق وفي حضارة الفينيقيين أيضا، وبعد سقوط قرطاجة 146 ق م تأسست دولة نوميديا الأمازيغية .
يبلغ عدد الأمازيغ 55 مليون نسمة  في العالم منهم 20 مليون في العالم العربي وموطنهم شمال افريقيا من غرب مصر القديمة إلى جزر الكناري، ومن حدود جنوب البحر الأبيض المتوسط إلى أعماق الصحراء الكبرى في النيجر، ومالي .
يتحدث الأمازيغ اللغة الأمازيغية بتنوعاتها، واعتمدت خط التيفيناغ ، و من أشهر أعلام الأمازيغ نجد ماسينيسا، يوغرطا، الكاهنة، ابن بطوطة، طارق ابن زياد، عباس بن فرناس. أما الأمازيغ في الجزائر فهم مزيج بين : القبائلية، الشاوية المزابية، التوارق.

مشروع دسترة اللغة الأمازيغية في الجزائر استحقاق أم احتواء للأزمة
لم تأتي  دسترة اللغة الأمازيغية في الجزائر كمكون أساسي للهوية الجزائرية من فراغ ، فقد مرت بمخاض عسير وطويل كانت بداياته عام 1949 على خلفية الصراع بين القبائل في حزب لشعب الجزائري حول الهوية الجزائرية بين العروبة والاسلام من جهة والأمازيغية وماقبل الإسلام من جهة أخرى انتهى الصراع بإقصاء دعاة الأمازيغية من الحزب .
وفي عام 1980 شهدت منطقة القبائل حركة احتجاجية بسبب منع مولود معمري أحد أبرز منظري الأمازيغية من إلقاء محاضرة حول الشعر القبائلي القديم ، ثم زادت حدة الاحتجاجات بعد اعتقال العديد من نشطاء الحركة الأمازيغية لتنفجر في فترة التسعينيات حيث قامت السلطة تحت قيادة الرئيس ليمين زروال بامتصاص حدة الغضب و أنشئت المحافظة السامية للأمازيغية، ثم اعتماد تدريسها في منطقة القبائل، وادخالها في وسائل الإعلام عبر نشرات تلفزيونية ناطقة بالأمازيغية في 1995 وسميت بأحداث الربيع الأمازيغي .
لم يقف الربيع الأمازيغي عند هذا الحد حيث شهد عام 2001 أحداثا دامية في المنطقة كان سببها المباشر مقتل طالب ثانوي في مقر الدرك الوطني أدى الى ربيع أمازيغي ثاني أسود كما أطلق عليه راحت ضحيته أكثر من 126 قتيل، ولم يهدأ الوضع حتى تم التفاوض مع ممثلي تنسيقية العروش التي تشكلت آنذاك في المنطقة القبائلية أثمرت بإعلان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ترسيم اللغة الأمازيغية كلغة وطنية في 2002عام  ودسترتها كأحد مقومات الهوية الوطنية.
لقد كان قرار ترسيم اللغة الأمازيغية كلغة وطنية مكسبا سياسيا وثقافيا للحركة الأمازيغية غير أن قرار الاعتراف بها كلغة وطنية لم يحدد طبيعة الأمازيغية الوطنية ولا طريقة تدريسها من حيث الكتابة المعتمدة ولا طبيعة  الآليات التي ستعتمدها السلطة مستقبلا ولاكيفية تعميمها، وهو ماتم التحذير منه من قبلالمختصين .
هذا التجاهل والغموض من قبل الحكومة في وقتها أفرز اليوم أزمة جديدة بأبعاد قد تكون أكثر خطورة من سابقاتها.

قرار البرلمان وعودة القضية الأمازيغية للواجهة
شهد الشارع الجزائري موجة غليان في عديد المدن مؤخرا في شكل احتجاجات واسعة بعد رفض البرلمان بالأغلبية ترقية اللغة الأمازيغية، وتعميم تدريسها في المدارس العمومية ، هذا وقد كان قرار رفض مشروع قانون ينص على أن تسهر الدولة على تعميم تدريس اللغة الأمازيغية في كل المدارس العمومية، والخاصة بصفة تدريجية فضلا عن وجود هيئة تتولى مهمة تطوير، وترقية اللغة الأمازيغية كان الفتيل الذي أعاد القضية الأمازيغية للواجهة من جديد حيث عرفت كل من منطقة القبائل، البويرة، باتنة احتجاجات تحول بعضها الى أعمال شغب في صفوف الطلبة، والجامعات خاصة في ولاية البويرة، رغم أن الدستور الجزائري الجديد 2016 يكرس الأمازيغية لغة وطنية، ورسمية الى جانب اللغة العربية ، و انتشار تعليم الأمازيغية عبر 13 ولاية إلا أن الحركة الاحتجاجية تتهم الحكومة بالتخاذل، والتراجع عن ترقية اللغة الأمازيغية.
وكرد رسمي فند وزير الشباب والرياضة  " الهادي ولد علي " الإشاعات وقال أنها لا أساس لها من الصحة وأن الدولة الجزائرية عمدت على دسترة، وترسيم اللغة الأمازيغية كلغة وطنية، ورسمية لن تتراجع عن مسألة ترقيتها "
كما صرح الأمين العام للمحافظة السامية للغة الأمازيغية  "سي الهاشمي  عصاد " أنه تم احراز تقدم كبير في المشاريع التي تم اطلاقها في مجال تعميم اللغة الأمازيغية منذ دسترتها وترسيمها في 2016، وحذر من التلاعب السياسي في القضية، كما أكد أنه تم تكوين 166 ألف في اللغة الأمازيغية، وسيتم تدريسها في 13 ولاية مع مطلع عام 2018 لتستمر عبر 37 ولاية مستقبلا بالتدريج لأن التعميم يحتاج الى زيادة في المناصب المالية، وميزانية جديدة.

فهل هي إيديولوجية الإنفصال ؟
إن سطحية التعامل مع طبيعة، وخصائص الهوية الوطنية أفرز استمرار التسيس، والمناورات السياسية  والتعتيم بشأن القضية الأمازيغية  يبرز عمق، وتجذر الفراغ السياسي في الجزائر، وانقسام بين أوساط المعارضة، والنخب السياسية، والحركة الثقافية الأمازيغية في ظل غياب مناخ ديمقراطي حقيقي قائم على الحوار البناء للحلول دون أدلجة اللغة الأمازيغية، واستغلالها من أطراف داخلية أو خارجية تسعى الى تقسيم الجزائر مثل حركة الماك .
لقد كثر الحديث عن حركة الماك التي تدعو الى انفصال منطقة القبائل  واتهامها بأن لها يدا في تأجيج الاحتجاجات ومحاولة زعزعة استقرار الجزائر ، رغم أن أغلب سكان منطقة القبائل يرفضون كل الخيارات التي تطرحها هذه الحركة كونها حركة انفصالية تعمل بأجندات غير توافقية .
فسكان المنطقة يرفضون أي تقسيم سياسي في الجزائر ولا أحد منهم يرغب أو يميل الى خيار الحكم الذاتي .
ومع ذلك فان حركة الماك بقيادة فرحات مهني استطاعت التمركز في المنطقة خلال السنوات الأخيرة مستغلة اتساع الهوة بين السكان وبين السلطة المركزية.
وفي هذا الصدد يحذر المراقبون للوضع في منطقة القبائل من تنامي شعبية هذه الحركة، وازدياد أتباعها، ومن محاولات أدلجة المطلب الأمازيغي لصالح أطراف خارجية تنطلق من كل ما هو اثني، وطائفي لتفتيت الدول العربية والنامية.
تعود جذور حركة الماك الى سنة 2002 بعد ما سمي بالربيع الأمازيغي الثاني ثم ظهرت رسميا عام 2007 بقيادة المغني السابق فرحات مهني، و سالم شاكر وهو باحث في اللغة الأمازيغية ، كما أنها تعد  امتداد للحركة الثقافية البربرية في الثمانينيات .
نادت الحركة بحكم ذاتي، وحكومة مستقلة عن الحكومة المركزية ، لكن رغم نشاطاتها الساعية لدعم الهوية الأمازيغية، ووقوفها خلف العديد من الاحتجاجات، والمظاهرات الا أن منطقة القبائل يرفض أغلب سكانها تبني مطلب الحركة الداعي للإنفصال.

يرى العديد من المحللين، والمراقبين أن وراء الحركة مشروع فرنسي صهيوني أمريكي ، ويستندون في طرحهم الى تصريحات، وخطابات قائدها المتطرفة، وزياراته المتكررة للكيان الصهيوني .
فهل تدرك الحكومة الجزائرية اليوم حقيقة ما يحاك ضدها، وتستفيد من نتائج مخططات التقسيم باسم العرق، واللغة أم أنها مجرد إثارة لقلاقل لا تستدعيكل هذا التخوف والتهويل؟
هل تعد حركة الماك مجرد حركة تطرفية انفصالية لا تمثل التوجه الفكري والسياسي لسكان القبائل، بحكم أن معظم نشاطاتها الرئيسة تتمركز في الخارج أم أنها ستكون شرارة الربيع الجزائري ؟
في ردود كثيرة من سكان القبائل أن من أسقط العلم الوطني في جامعة البويرة، ونادى بالجهوية، وبحياة فرنسا لا يمثلون الأمازيغ، في حين أجمع أغلب الجزائريين أنهم ضد تسيس الأمازيغية وضد كل تقسيم للجزائر رغم تطرف البعض منهم ورفضه للهوية الأمازيغية، واعتبارها مجرد كذبة .
هل ستحمل القضية الأمازيغية في طياتها مستقبلا ربيعا أمازيغيا جديدا ؟
تحول الجدل السياسي  بشأن المطلب الأمازيغي الى بعد إيديولوجي أكثر منه هوياتي من خلال السجال المحتدم بين مؤيدي المطلب ومعارضيه.
ويدعو الكثيرين في الجزائر الى التعقل والتعامل مع القضية بحكمة لذلك لابد من الحكومة أن تبذل المزيد من الجهود للحفاظ على قرار الاعتراف باللغة الأمازيغية كلغة وطنية، ورسمية ، ثم العمل على على إزالة كل العراقيل التي تعيق تفعيل القرار عمليا.

إن التعامل مع القضية الأمازيغية في الجزائر  يتطلب الابتعاد عن الجهوية، والعنصرية، وكل محاولات إلغاء الآخر، ونبذ كل الاتهامات الاستفزازية لكل طرف من الأطراف بتحميله المسؤولية في محاولة جر الجزائر للتقسيم العرقي.
فالمطلب الأمازيغي يعبر عن المكون الثقافي للدولة الجزائرية لا مجال لإنكاره.
يجب على الدولة الجزائرية ضمان وحدة الشعب الجزائري، والدفاع عن حقوق المواطنين، وقيم الحرية، والديمقراطية، والوعي الفكري الحضاري.
لابد من إظهار الصورة الإيجابية من طرف كل  الأطياف الأمازيغية وربط مسيرتها النضالية بالوحدة الجزائرية التي تجمع بين الإسلام والعروبة و كل المكونات الثقافية دون إقصاء.