بالتفاهم مع سوريا والعراق... كيف يستطيع لبنان السيطرة على سعر الصرف؟
الأمر الأكيد هو أنه ما دام الاحتياط الموجود لدى مصرف لبنان، مصدراً لتمويل حاجات لبنان من المشتقات النفطية والدواء والقمح، والتي تشكل المشتقات النفطية أكثر من 75% منها، وما دامت هذه الاحتياطات لا تتجدّد، فهي معرّضة لتآكل خلال مدة زمنية تتراوح بين سنتين وثلاث، حسب تطور أسعار النفط عالمياً. وهذا كافٍ لخلق طلب افتراضي إضافي على الدولار، لدى كل من يحمل الليرات اللبنانية لضمان قيمة مدخراته. وبالتوازي ما دام لبنان يعتمد في استهلاكه الغذائي على مواد مستوردة، وفاتورة الاستيراد مهما تضاءلت بفعل تراجع القدرة الشرائية للبنانيين، ستبقى عنصراً ضاغطاً على سوق الصرف، خصوصاً مع تعقيدات الحصول على دولار بسعر ثابت قيل إن مصرف لبنان سيقوم بتأمينه من عائدات تحويلات اللبنانيين، التي يشتريها بسعر موازٍ، فإن مصدراً إضافياً للطلب سيبقى قائماً في الأسواق.
– عندما يتحدّث رئيس مجلس النواب نبيه بري عن حالة طوارئ مالية، واجبة، فهو يوحي بالتأكيد بإجراءات وتدابير غير تقليدية، لكن يجب الاعتراف أن هذه التدابير لا تتماشى مع ما عرفناه بنمط الاقتصاد الحر الذي نعيش فوق قواعده، في سوق الصرف الحر، حيث لدى المصارف ومَن تصنّفهم من مودعي الخمس النجوم، الذين استطاعوا الإفادة من هذه الميزات سابقاً لتهريب “قانوني” لودائع بمليارات الدولارات، الفرصة والحافز لتحويل الليرات اللبنانية التي بحوزتهم إلى دولارات ثم تهريبها كلما أمكن ذلك، متسببين بضغط لا يمكن إلا أن يوصل سعر الصرف إلى مستويات لا يمكن السيطرة عليها؛ ولذلك فإن أول النقاش يجب أن يكون حول القدرة على اتخاذ تدبير استثنائي ومؤقت يعمل به لستة أشهر قابلة للتجديد، يمنع شراء الدولار من دون موافقة تتصل بالاستيراد أو تحويلات معللة للخارج، سواء أكان ذلك بسعر مدعوم أم بسعر سوق مفتوحة. وهذا يستدعي خصوصاً أن تمتلك لجنة الرقابة على المصارف صلاحية الاطلاع اليومي على حركة النقد لدى المصارف لمراقبة أي دخول للدولارات إلى أي من حساباتها والتحقق من وظيفته، وصلته بعملية استيراد حصلت على الموافقة.
– إنّ تخفيف الضغط الذي تولده فاتورة المشتقات النفطية، سواء على مخزون مصرف لبنان من الدولارات، أو على السوق بالذعر من الإيحاء بقرب نفاد مخزون مصرف لبنان، يجعل الأولوية لتأمين بدائل لتوفير هذه المشتقات من خارج معادلة استخدام مخزون مصرف لبنان، ما يزيد الثقة بقدرة هذا المخزون على توفير سائر الاحتياجات لعشر سنوات، ولبلوغ ذلك ثلاث طرق، اتفاقات ميسّرة من دولة إلى دولة تؤجل السداد وتقسطه لسنوات مقبلة، تمتد من خمس إلى عشر سنوات، مع فترة سماح لخمس سنوات. والثاني هو الأهم والمستقبلي، ويتمثل بوضع قرارات تنفيذية بالتعاون مع العراق وسورية لتشغيل أنبوب كركوك طرابلس، وإحياء مصفاة طرابلس مع شريك دولي يمكن أن تكون روسيا والصين مهتمتان به تمويلاً وتشغيلاً. والطريق الثالث الجاهز، وفقاً للعرض الذي قدمه الأمين العام لحزب الله بشراء المشتقات النفطية من إيران بالليرات اللبنانية، التي لن يشتري بها الإيرانيون دولارات بل سيستثمرونها في لبنان، وهو ما يسهم في خلق دورة اقتصادية إضافية من خلالها. وكل هذه القرارات قابلة للجمع معاً، لكنها تستدعي التحرر من عقلية ربط كل خطوة حكومية بالخوف من ردة فعل أميركية وانعكاسها على المفاوضات مع صندوق النقد. وبيد الحكومة جواب بسيط إن سئلت، أن هذه الخطوات قابلة للتراجع عندما تتعارض مع مقتضيات دعم الصندوق للبنان، عند التوصل لنتائج إيجابية بحجم يقنع الحكومة بجدوى التراجع عن خطواتها.
– لتخفيف الضغط على سوق الصرف، يكفي التفكير بنتائج تفاهم لبناني سوري عراقي، يفتح طريق التصدير اللبناني نحو العراق، واعتماد تبادل سلعي بين لبنان وسورية من دون المرور بالدولار. وهنا سيكسب لبنان مرتين، مرة بكون أرقام مستورداته للسلع التي لا ينتجها ويستوردها، ستكون أقل بكثير من حجمها عندما يستوردها من مصادر أخرى، خصوصاً المواد الغذائية، ومرة ثانية لكون هذا الاستيراد لن يرتب ضغطاً على سوق الصرف، ولذلك يجب أن ينتبه اللبنانيون والمسؤولون خصوصاً، على أن احد أسباب الضغط على لبنان للالتزام بالقطيعة مع سورية، ليس عقاباً لسورية، بل ترجمة لقرار تسريع سقوط لبنان، بعدما كشف معاون وزير الخارجية الأميركية ديفيد شينكر هدف الضغوط، وهو قبول لبنان بخط ترسيم الحدود البحرية المقترح أميركياً والمعروف بخط فريدريك هوف، الذي يرضي كيان الاحتلال، وينهب من حقوق لبنان ما يعادل عشرات مليارات الدولارات من ثروات الغاز.
– المطلوب شجاعة القرارات الكبرى، وسنشهد كيف يتأقلم الأميركي معها.