لماذا استبعد السيد نصر الله الحرب في الصيف المقبل

29.04.2019

نشرت صحيفة الرأي الكويتية في 21 أبريل الحالي مقالاً زعمت فيه أن الأمين العام لحزب الله السيّد نصر الله قال في جلسة داخلية سريّة إنّ "احتمال نُشوب حرب مُفاجئة مع إسرائيل بات وشيكًا، وقد يكون هذا الصّيف على الأرجح". وإنّه، أيّ السيّد نصر الله " وضع جميع قوّاته في حالة الاستعداد القُصوى، وطلب من قادة المناطق عدم إخفاء هذه الحقيقة، وإطلاع الأهالي في جنوب لبنان على هذا الاحتِمال".

الأمين العام وفي خطاب ألقاه بمناسبة العيد السنوي لكشافة الإمام المهدي نفى تلك المزاعم واستبعد وقوع الحرب ولكنّه في الوقت نفسه طالب قادته للبناء على أسوء الاحتمالات.

برر السيد نصر الله في كلمته ميله إلى عدم قيام إسرائيل بحرب على لبنان هذا الصيف بسببين الأول:عدم جهوزية الجبهة الداخلية، والثاني : إنّ إسرائيل حتى تستطيع أن تحقق هدفها من الحرب هي مضطرة لعملية بريّة، والقوات البرية الإسرائيلية غير مهيأة للذهاب إلى حرب.

والحقيقة إنّ وراء هذين السببين عشرات الأسباب الأخرى التي ترجّح استبعاد الحرب في الصيف الحالي نذكر بعضها على المنوال التالي:

أولاً: إنّ إسرائيل تعيش حالة عدم يقين في المساحة الجغرافية المكانية التي تسيطر عليها حالياً. وهذا يعني أنّ الوضع الجغرافي المكاني لـ(إسرائيل)، وبسبب التحوّلات الهائلة التي أصابت المحيط الإقليمي وتحديداً منذ "الربيع العربي" وتعاظم قدرات محور المقاومة، بات أقرب إلى كونه احتمالاً وإمكانية في التاريخ، من كونه يقيناً جغرافياً ثابتاً. وعلى هذا الأساس إنّ تحوّله إلى حتمية جغرافية غدت مستحيلة في ظل الظروف والتهديدات الداهمة. 

ثانياً:  لا اتفاق داخل المستوى العسكري والسياسي على ابتداء الحرب وشنّها بسبب كثافة التهديدات الخارجية من جهة محور المقاومة الذي يزداد تعاظماً في قدراته . هناك إقرار داخل المؤسستين السياسية والعسكرية أنّ إسرائيل لم تعد الفاعل الوحيد والقوة الوحيدة القادرة بمفردها على فرض إرادتها وقوتها الردعية والتوسعية، وتكريس توازنات في طريق تثبيت مطابقتها الجيبوليكية الخاصة بها في المنطقة . مضافاً إلى ذلك فإنّ إسرائيل لم تعد قادرة على التحكم في تحولات الرأي العام الاسرائيلي الذي لا يريد الحرب ويتخوّف من وقوعها وتداعياتها عليه.

ثالثاً: لم يعد صانع القرار الإسرائيلي يملك الثقة والجرأة على انتهاج خيارات عدوانية تشبه عدوان تموز 2006 ، سواء في مواجهة حزب الله أو حتى الفلسطينيين في غزة . خصوصاً مع حديث السيد نصر الله مراراً عن مبدأ " تشبيك الجبهات".

هذه الحالة النفسية والعقلية أدّت حتى الآن إلى كبح «مبادرات» إسرائيل الهجومية الاستراتيجية. ومعظم ما يصدر على لسان القادة العسكريين لا علاقة له بالضربة الاستباقية والتوثّب المفاجىء البتة، وإنما أن تؤدي «ديناميكية التطورات» إلى نشوب حرب، أي أنّ حدثاً صغيراً، من شأنه أن يؤدي إلى تدحرج في الموقف العسكري وردود الفعل، ثم تصعيد كبير خلافاً لإرادتها وإرادة الطرف أو الأطراف المقابلة.

رابعاً: تأكيد السيد نصر الله في خطاب سابق له، على معضلة عميقة داخل الجيش الإسرائيلي، مشيراً إلى نقاط ثلاث: وهي أنّ الصهاينة ومنذ 2006 إلى اليوم:

1.لم يستطيعوا أن يبدّلوا روح الهزيمة التي سرت في جنودهم وضباطهم وبيئتهم الشعبية. 

2. ولم يستطيعوا أن يرمموا حالة الشك وانعدام الثقة بين الجنود والضباط.

3. ولم يستطيعوا أن يجدوا القيادة التاريخية التي تستطيع أن تستنهضهم من جديد. 

وهذا يؤشر إلى تآكل الحافزية لدى الجيش رغم استعدادته المتواصلة، وفي المقابل نجاح حزب الله في فرض معادلات وتوازنات أصابت البنية العسكرية الإسرائيلية بإعاقات بنيوية تحول دون تمكّنها من ترجمة أهدافها.

خامساً: الحافزية والجهوزية لدى محور المقاومة المستعد لخوض الحرب على جبهات متعددة بفائض عالٍ من القوة، ونوعية جديدة من السلاح ، وقدرة فعالة على التنسيق العملاني، وبمئات الآلاف المؤدلجة من الشباب المحتشد، المتمرس على القتال، والراغب بخوض تجربة تاريخية فريدة تكمن في (إزالة إسرائيل من الوجود).

يتضح مما سبق أنّ الأمين العام لحزب الله وعلى الرغم من التهويلات الإسرائيلية وخطورة الموقف السياسي والعسكري بعد تشديد العقوبات الأمريكية على إيران وتصريح وزير خارجية الجمهورية الإسلامية الإيرانية لقناة الميادين محمد جواد ظريف بقوله:" إن الرباعي ابن زايد وابن سلمان ونتنياهو وبولتون لديهم أجندة سرية ويريدون سَوق أميركا إلى كارثة عسكرية"، ما زال يرى على ضوء تحليله الشخصي عدم وقوع الحرب في الصيف الحالي. إذ مازالت البيئة غير مثالية والتوازن القائم دقيق جداً وخطر جداً وإسرائيل تعلم علم اليقين أنّ الثمن الذي ستدفعه باهظ ومصيري ويرتبط بالضرر الذي سيلحق بها وببقائها بعد هذه الحرب.

ما خرج به الأمين العام لحزب الله أمام اختبار موكول إلى زمن الصيف القادم الذي على ما يبدو لن يمرّ بسهولة على الإطلاق، خصوصاً أنّه ختم خطابه حول هذا الملف بجملة: "نحن لا نجزم بشيء ولا نقطع بشيء ولا نرجح شيئاً، وكل الاحتمالات يجب أن تبقى قائمة في حساباتنا ولا يجوز أن نركن إلى تحليل من هنا أو إلى تحليل من هناك". جملة لا تؤكد توقع الحرب ولكن استحوذت على خوف الناس وقلقهم من تطور مفاجىء ليس بحسبان أحد !