هل ستكون معركة الحُديدة المعركة الفاصلة في الحرب اليَمنية؟
في 13 حزيران الجاري ومع بداية مسابقات كاس العالم لكرة القدم 2018 في روسيا، شن التحالف العربي مدعوما بتحالف غربي شمل كلا من أميركا وفرنسا وبريطانيا وإسرائيل هجوما على محافظة الحُديدة اليَمنية، مستغلا انشغال العالم بالمسابقات لتمرير هزائمه، وجرائمه ضد المدنيين اليَمنيين العزل، وحيث يعلم التحالف العربي جيدا أن خسائر كبيرة سوف يتكبدها في هذه المعركة فقد اسبق هجومه بأسابيع شن حملة إعلامية كبيرة وبمساعدة الأمم المتحدة لحمل أهل اليَمن على الاستسلام من دون قتال، متوهمين أن المقاتلين اليَمنيين ستنطلي عليهم ذرائع الغزاة، فهل ستكون هذه المعركة فاصلة؟
منذ بداية الهجوم وحتى اليوم، ادعى هذا التحالف أنه سيطر على مطار الحُديدة ومن دون أن يعطي أي دليل مادي على ذلك، ومنذ بداية الهجوم أيضا قال أهل اليَمن كلمتهم بأنها ستكون معركة استنزاف للتحالف المهاجم، فتحقق لهم ما خططوا له، ففي أول يوم تم إغراق سفينة حربية للتحالف تبين لاحقا إن من ضمن القتلى جنود سعوديين وإماراتيين وأمريكيين وفرنسيين، كما تم أسر قارب فرنسي بمن فيه، وبعد أيام تم مهاجمة مناطق في السعودية بالصواريخ البالستية، كما أظهرت الكثير من المقاطع الفديوية على شبكات التواصل الاجتماعية ونُشرت بقناة المسيرة التابعة للحوثيين تدمير الكثير من العجلات العسكرية المهاجمة بسلاح الطائرات المسيرة "المفخخة"، وهو سلاح لأول مرة يستعمله اليَمنيون.
ويتمتع مطار الحُديدة جنوب المدينة، وهو من أهم المطارات في اليَمن، بأهمية استراتيجية، كونه لا يبعد أكثر من 10 كيلومترات عن مينائها الحيوي والذي يسطر عليه أنصار الله وتحاول السعودية وحلفائها انتزاع السيطرة منهم، كما توجد قاعدة جوية عسكرية قريبة من المطار تتمركز فيها عدد من ألوية أنصار الله، والتحالف العربي مهتم بالوصول للطريق الاستراتيجي بين صنعاء والحُديدة لقطع الإمدادات للحوثيين عبر هذا الطريق الحيوي لصنعاء.
يتذرع التحالف العربي بالوجود الإيراني في اليَمن لاستمرار حربه، ولم يشاهد العالم خلال هذه الحرب أي قتلى من الإيرانيين، وهو ما يفند ادعاءاتهم، وقد أكد القادة اليَمنيين مرارا وتكرارا بأنه لا وجود للإيرانيين في اليَمن، وأن الدعم الإيراني يقتصر على تقديم الاستشارات العسكرية والمساعدات الإنسانية، حيث تمثل الحُديدة النقطة الوحيدة لإيصال المساعدات الإنسانية إلى شمال اليَمن. والتحالف العربي يسير على النهج الأمريكي، فقبل شن أي تدخل عسكري يجب محاصرة وتجويع الشعوب ومنع دخول الأسلحة لهم، ويجب أن يُفرش السجاد الأحمر للمحتلين وتُقدم الورود في استقبالهم، ليحققوا انتصاراتهم الباهرة! ولكن التاريخ العربي عرفنا بفنون القتال الشريف في الحروب، فلا يجوز الغدر ولا يجوز منع الماء والغذاء وإذا سقط سلاح الخصم من يده فمن الشجاعة والمروءة أن تسمح له بحمل سلاحه مرة أخرى ليكون الانتصار عليه مشرفا. فأي من هذه القواعد يطبقها التحالف العربي؟
وكما قال عبد العزيز بن حبتور رئيس الحكومة المشكلة من قبل أنصار الله (الحوثيين) في اليَمن، للمبعوث الأممي، ﻣﺎرﺗﻦ ﻏﺮﻳﻔﻴﺜﺲ، خلال لقائهما في صنعاء مؤخرا، إن تصعيد التحالف سواء في الحُديدة أو في غيرها من المحافظات اليَمنية سيقابل بتصعيد من الشعب اليَمني وعلى أكثر من جبهة، ولذا فقد تشهد المناطق الحدودية الشمالية هجوما من قبل الشعب اليَمني لاستعادة المحافظات الثلاثة المحتلة من قبل السعودية. كما أضاف بن حبتور، أن المعتدين حينما شعروا أن هناك تحركات جادة للحل الدبلوماسي عمدوا لشن هذا الهجوم. حيث يحاول التحالف العربي ومن خلفه تقوية موقفه خلال المفاوضات وإرغام اليَمنيين على القبول بصيغة الحل التي يريدها.
هذه المعركة، هي أكبر معركة يخوضها التحالف العربي والغربي منذ تدخله في اليَمن قبل أكثر من ثلاث سنوات، وأهم معركة بالنسبة لهم ولذا أطلقوا عليها "الانتصار الذهبي"، وحشدوا لها الكثير من القطعات العسكرية والأموال والوسائل الإعلامية، وهذه أخر ورقة بيدهم، حيث توهموا أن المعارك في اليَمن ستكون سهلة وأنهم سيحققون انتصارات سريعة خلال أسابيع، ولكن الحرب دخلت عامها الرابع قبل عدة أيام ولم يحقق هذا التحالف أي نصر غير إضاعة أموال الشعب السعودي وتدمير الشعب اليَمني، وغير صواريخ تضرب الرياض وأبو ظبي، هذه المدن التي بنيت بخيرات الله على العرب، والتي يضرب بها المثل بجمالها وامنها واستقرارها، فهل الدور أتى عليها للتدمير، وكما حصل في العراق من قبل؟ فمن أجل أن يستعيد أمراء آل سعود الهيمنة على اليَمن، والتي فقدوها مع تغيير نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح، المطلوب أن يسفك الدم السعودي من أبناء وضباط الجيش السعودي ومن أبناء الشعب اليَمني ومن أبناء الشعوب العربية ضباط وجنود، والمطلوب أيضا أن تُرتكب المجازر الكبرى بحق الشعب اليَمني، والتي لم نشهد مثلها حتى في فلسطين.
نعم، معركة الحُديدة ستكون المعركة الفاصلة للتحالف العربي ومن خلفه من الدول الغربية، ولكنها ليس كذلك أطلاقا بالنسبة لأهل اليَمن، فهم معروفين بصلابتهم وصبرهم في مقارعة المعتدين، وهم أهل آخرة وليسوا أهل دنيا، ولذا فمن المستحيل على أقوى جيوش العالم التغلب عليهم، ولو كان أمرهم هينا لأرسلت أميركا جيوشها عوضا عن توريط السعوديين بذلك، ولجنت انتصارات لها وليس للسعودية. فلم تتمكن دولة عبر التاريخ من احتلال اليَمن، وحتى العُثمانيين الذين تمكنوا من ذلك، استمر أهل اليَمن بمقاومتهم إلى ما يقارب 300 سنة حتى تم طردهم من اليَمن ووصلت الأمور بالعثمانيين أن عرضوا على اليَمنيين إعطائهم كل المحافظات مقابل بقاء العثمانيين في صنعاء فقط، فرفض اليَمنيون هذا العرض وقاوموهم حتى تم إخراجهم من كامل التراب اليَمني. ولا نرى خيارا أمام التحالف العربي غير ترك اليَمن لليَمنيين، وكلما أسرعوا في ذلك يكون أسلم لهم ولأموالهم...
وكما قال أمين عام حزب الله اللبناني السيد حسن نصر الله "إن لم يكن الشعب اليَمني من العرب، فمن العرب؟" فأجدادنا القحطانيون، وهم العرب العاربة منذ زمن نبي الله إبراهيم "ع"، هم أصل العرب وكلهم من اليَمن، فهل هكذا نجازي أجدادنا؟ فمن يتنكر لأصله، لا أصل له!