شرق المتوسط كرة النار ... لا زال الصراع مستمراً

17.02.2018

تاريخياً كان المتوسط بحرُ صراعات على اختلافها، ولكن في الجذِر هي صراعات ذات منشأ اقتصادي، فالموقع الاستراتيجي الذي يملكه البحر المتوسط - والذي لاسمه منه نصيب -  جداً متميز، حيث أهلته هذه الوضعية الجيوستراتيجية العالمية بأن يلعب دوراً أساسياً، فأصبح رهان الجميع للتحكم فيه.
المتوسط "مالئ الدنيا وشاغل الناس"هو أهم ممر تجاري في العالم، ما زاد الرغبة لدى القوى الكبرى ليكون هذا الحوض محط أطماعها، للاستفادة من المزايا التي يقدمها هذا الفضاء المتوسطي، من خلال التنافس الدولي فيه.

شرق المتوسط والصراع المحتدم: 

بدأ "الربيع العربي" متدحرجاً، من تونس إلى ليبيا إلى مصر وصولاً إلى سورية أي – من الغرب إلى الشرق - الملفت أولاً أن جميعها دول متوسطية، وثانياً جميعها دول جمهورية الأنظمة، وثالثاً جميعها بشكل أو بآخر تمارس نوعاً ما من الديمقراطية بحده الأدنى، هل كان ذلك بفعل فاعل! ما هي المشكلة؟

المشكلة الأساسية مرتبطة بكامل المساحة الجغرافية الممتدة بين الإقليم الجنوبي – مصر– والإقليم الشمالي – سورية، وما بينهما – لبنان وفلسطين المحتلة وصولاً حتى قبرص، أي شرق المتوسط؟

حقيقة الصراع الحاصل سواء العربي – الإسرائيلي منه، أو حتى الحرب الحاصلة في سورية، هي لم تكن لأي لحظة حرب ( أهلية أو طائفية أو عرقية ) كما يدعي الكثيرون، في الحقيقة هي حرب الغير على أرض الغير، هي حرب محاور على الصعيد العالمي في هذه الرقعة الجغرافية.

طبعاً هذا لا ينفي أن الجيش السوري يخوض حرب وطنية منذ سبعة أعوام، في سبيل حماية الشعب السوري والوطن من التنظيمات الإرهابية التي اجتاحت معظم الجغرافية السورية، بتخطيط وأجندة صهيوأمريكية كاملة، تصب في خدمة تحقيق الهدف الاستراتيجي لهذه القوى، وهو السيطرة على سورية بكامل مقدراتها، وصولاً للسيطرة على شرق المتوسط.

لماذا هي حرب الغير على أرض الغير؟

في العام ٢٠١٢ أعلنت "شيفرون"، وهي ثاني أكبر شركة نفطية أميركية، أن العالم استهلك أول تريلون برميل من النفط خلال ١٢٥ عاماً، لكنه سيستهلك التريليون الآخر خلال ٣٠ سنة فقط، وقبلها بأعوام كثيرة صدرت دراسات عدة تؤكد ذلك.
سواء هذه الدراسة صحت أم كانت على نقيض مع غيرها من الدراسات، هي حتماً في صلب الحاصل ولا تخرج عنه.
وهي حتماً وضعت أمر البحث عن مصادر الطاقة في بقع جغرافية أخرى، على رأس الاهتمامات لدى الإدارة الأمريكية وغيرها من القوى الكبرى، فتوفير الطاقة والبحث عنها هو أصل البقاء لأي مجتمع، فكيف إذا كان هذا المجتمع وهذه الدولة الولايات المتحدة الأمريكية!

والتي قامت بكل حروبها السرية والمعلنة منها، لاستمرار تفردها بالسيطرة على منابع الطاقة في العالم، فمن يسيطر على الطاقة يحكم العالم بلا منازع، لذلك هي مستعدة لأي حرب في سبيل تحقيق هذه السيطرة، وما كان غزو العراق إلا في عمق ذلك.

ولكن ما هو المتغير على الساحة العالمية؟ والذي دفع باتجاه توليد كم الحروب هذه دفعة واحدة، في منطقة المتوسط عامة و شرقه خاصة؟

هناك عدة متغيرات يمكن أن نتناولها بشكل سريع غير مفصل، لأنها بحاجة لأكثر من مقال ودراسة في هذا المجال، وهي على الشكل التالي:

أولاً- انكشاف الهدف والمشروع الأساسي الباطن والكامن، من فوضى أميركا الخلاقة وربيعها العربي في منطقة الشرق الأوسط، وقد وضح ذلك الرئيس السوري "بشار الأسد" في خطابه أمام مجلس الشعب بتاريخ 30 آذار 2011 بقوله:

"سأذكركم بمصطلح الدومينو الذي وجد بعد غزو العراق عندما افترضت الولايات المتحدة في ذلك الوقت، بأن الدول العربية هي أحجار دومينو وستأتي المشاريع لتضرب الأحجار أو تضرب حجرا ويسقط الباقي، ما حصل هو العكس تحولت المشاريع إلى أحجار دومينو وضربناها وسقطت واحدا تلو الآخر، وهذا المشروع سوف يسقط".

ثانياً- أنبوب الغاز القطري كان احد أبرز الأسباب التي أدت إلى اشتعال الحرب في سورية قبل سبع سنوات، بسبب حقول الغاز والنفط في شرق الفرات، ومدينة دير الزور على وجه التحديد أيضا.
ولعل هذا ما يفسر اليوم عزم أمريكا البقاء عسكرياً في شرق الفرات، من خلال القاعدتين التي أنشأتهما في كل من "تل حجر في الرميلان" و "التنف"، حيث اضطرت للحضور بنفسها بعد تدمير جيوشها الداعشية في كل من العراق وسوريا إلى غير رجعة، وما استخدامها الورقة الكردية إلا للضغط بهذا الاتجاه أيضاً.

ثالثاً- دخول روسيا الاتحادية على خط المواجهة الأول لجانب الدولة السورية وبطلب منها نهاية تشرين الأول 2015، حيث ترى موسكو أن أمنها القومي يمر من دمشق، وسقوط دمشق يعني نهاية الوجود الروسي في شرق المتوسط، وبقائه خارج دائرة الصراع  في المتوسط، وهذا ما لن تقبله موسكو، فما قبل الحرب السورية ليس كما بعدها بالنسبة لها. 

ويفسر ذلك زيارة وفد روسي مؤلف من رجال الأعمال وأرباب العمل إلى سوريا في كانون الثاني 2017، بحث مع الحكومة السورية في الاستثمارات وإعادة الأعمار.
هذا الوفد الذي أشار إلى مشاريع اقتصادية كبرى تشمل النفط والغاز والفوسفات والكهرباء والصناعات البتر وكيميائية، وصرح أن "سوريا بلد يتمتع بثروات لا حصر لها والشركات الروسية لها حق معنوي في تطوير مشاريع اقتصادية ضخمة فيها".

رابعاً- تركيا التي أعلنت عن أنها ستقوم للمرة الأولى بعمليات مسح للمناطق البحرية لها في مياه البحر المتوسط في إطار خطوات تمهيدية لبدء طرح هذه المناطق للتنقيب عن الغاز، والتي  لديها حلم دائم أن يكون لها نصيب في عملية نقل النفط والغاز عبر أراضيها إلى أوروبا.

فتركيا وحسب الادعاءات ترى أنه وخلال تقسيم الإمبراطورية العثمانية من قبل سايكس - بيكو كان نصيبها من هذه الثروات صفراً، وهذا ما قد يفسر ربما التدخل المباشر بقواتها المسلحة في مدينة عفرين الواقعة في شمال غرب سورية من باب القضية الكردية، خلافاً لكل ما قدم من تحليلات.
وما منع القوات البحرية التركية في التاسع من الشهر الجاري لسفينة "سايبيم" التابعة لشركة "إيني" الإيطالية  من الوصول إلى المياه القبرصية، للتنقيب بحقل غاز في منطقة متنازع عليها بين نيقوسيا وأنقرة، إلا في السياق ذاته.

خامساً- التطور الحاصل في هذا الملف على بلوك رقم /9/ بين  لبنان – والكيان الإسرائيلي، والذي هو تطور يكاد أن يكون على شفا حرب، وما زيارة ريكس تيلرسون وزير الخارجية الأمريكي الأخيرة وتهديداته، إلا في هذه الصدد. 
ولكن الموقف اللبناني الرسمي والمقاوم كان واضحاً جداً، بعدم المساومة بحقوق لبنان النفطية في حدوده البحرية، حتى لو ذهبت الأمور لحرب مدمرة.

ذلك بدا واضحا ً في إطلالة يوم أمس الجمعة للأمين العام لحزب الله السيد "حسن نصر الله"، خلال خطاب له بمناسبة ذكرى القادة الشهداء لحزب الله، حيث قال: 

"نحن الأقوياء في معادلة النفط، وإذا أردتم أن تمنعونا، فإننا سنمنعكم، وإذا قصفتمونا فسوف نقصفكم، وإذا ضربتمونا فسوف نضربكم، ونملك الشجاعة ونملك القوة ونملك القدرة، وعدونا يعلم ذلك، وهذا ليس مجرد خطابات".

إذاَ نخلص من كل ما سبق أن كل الحاصل هو جزء من عنوان عريض، هو الصراع على النفط والغاز في منطقة شرق المتوسط.

وما عناوين الحرب الدائرة في مختلف الساحات والتي أهمها الساحة السورية، إلا حرب من جملة الحروب التي خيضت بين أمواج هذا البحر وفوق مياهه، والتي يبدو أنها مستمرة إلى ما لا نهاية.
طالما أن هناك دول استعمارية تريد سلب شعوب الدول والمجتمعات الأخرى، ثرواتها ومدخراتها الوطنية بغير وجه حق.

ربما يفسر هذا كرة النار المتدحرجة في كل الاتجاهات، وبين كامل الجبهات والمحاور... فالصراع لا زال مستمراً ...