الفضاء الروسي ضد الفراغ الأمريكي.. والجيوبوليتيكا

04.01.2018

تحتفل روسيا يوم 12 أبريل/نيسان، بيوم الملاحة الفضائية. وقد تم إرسال أول رحلة مأهولة إلى الفضاء في العام 1961، وقام بها رائد الفضاء الروسي يوري غاغارين. وردت الولايات المتحدة على برنامج الفضاء السوفيتي، بإنشاء برنامج (ARPA) الذي تم تغيير اسمه لاحقا إلى (DARPA)، والذي تمخض عن ظهور شبكة الإنترنت. وبالنظر إلى السباق بين القوتين، يمكن العثور ليس فقط على المنافسة التكنولوجية المزينة بالشعارات الأيديولوجية.

مصطلح "كوسموس" (الفضاء)، المستخدم في اللغة الروسية، يعود أصله إلى اللغة اليونانية ويعني "النظام". وفي اللغة الإنجليزية، كلمة "Space" تعني المساحة أو الفراغ أي نطاق معين، ينظر إليه على أنه مرحلة قادمة للغزو بعد الأرض برا وبحرا.

رحلات الفضاء أدخلت في الجغرافيا السياسية فرع الـ"ايفيروكراتيا" (السلطة عبر السيطرة على مجالات ما فوق الغلاف الجوي)، وفي نهاية القرن العشرين، اقترح أستاذ كلية بحوث الفضاء المتقدمة في سلاح الجو الأميركي، ايفرت دولمان، إدخال مفهوم الـ"السياسة الفضائية"، مشيرا إلى أن "غزو الفضاء يجب أن يصبح واجبا أخلاقيا، ضرورية لبقاء الجنس البشري وهيمنته في هذا المجال". وهنا، المقصود ليس "الجنس البشري"، بل سلالته الأنجلوسكسونية، التي تشكلت من خلال القتال والحروب على الأرض. هنا يظهر "الروح الجبهوية"، الذي تغنى به فريدريك جاكسون تيرنر في أواخر القرن الـ19، والذي يطمح للهيمنة على النجوم. وإذا كانت "الروح الجبهوية" في عصر الرواد تدعو للإبادة الجذرية للقبائل الهندية، فإن الولايات المتحدة لا تشعر بنفور تجاه تكرار هذه التجربة على المستوى الكوني. وليس من قبيل الصدفة ظهور سلسلة "حرب النجوم" في أمريكا، وجنبا إلى جنب معها، أفلام القتال الأخرى التي أصبحت شهيرة ومعروفة. على سبيل المثال، فيلم "أفاتار"- انتكاس آخر لـ"الروح الجبهوية" المتواجدة في اللاوعي الجمعي، التي تحورت إلى أسلوب تقني مسلح بأدوات التلاعب الثقافي والإعلامي.
الولايات المتحدة تحاول تحقيق مثل هذه الأوهام في الواقع، رغم أن استراتيجيات البيت الأبيض، عادة مغطاة بالبحوث العلمية والعولمة المتفائلة.

في يوم  22 يناير/كانون الثاني 2010، قام تيموثي كريمر، ضابط سلاح الجو الأمريكي ومهندس الرحلة، الموجود مع زملائه في محطة الفضاء الدولية (الطاقم يضم أمريكيا آخرا، هو قبطان السفينة، ومهندسان روسيان وياباني)، بإرسال رسالة تبدو بسيطة إلى الأرض، عن طريق خدمة الرسائل القصيرة "تويتر"، وتذكر أن هذه هي أول رسالة "تويتر" من الفضاء: "Hello Twitterverse! We r now LIVE tweeting from the International Space Station -- the 1st live tweet from Space! :) More soon, send your s".

يذكر أن "تويتر" كان يستخدم على نطاق واسع خلال أعمال الشغب في إيران في صيف عام 2009، وفي مذبحة برلمان مولدوفا في فصل الربيع من العام، حملت اسم "ثورة التويتر".
قطاع آخر للـ"أيفيروقراطيا"، هو قواعد المراقبة الفضائية. وتنتشر شبكة المراقبة الفضائية الأمريكية على كل القارات والعديد من الجزر. والهدف منها- زيادة الوعي الظرفي كواحد من العناصر الرئيسية في الحرب الممركزة شبكيا. ووفقا للجيش الأمريكي، ستسمح هذه التقنية للولايات المتحدة بتحقيق أكبر قدر ممكن من التفوق في الفضاء والحيلولة دون وقوع " بيرل هاربور فضائي". وفي الأوساط العلمية الأمريكية يتحدثون بشكل أكثر بدقة: يقولون إن النظام الجديد للمراقبة الفضائية سوف يتتبع مختلف الأجرام السماوية والحطام الفضائي. وقال رائد الفضاء السابق والجنرال في سلاح الجو الأميركي، وقائد القيادة الاستراتيجية كيفن هيلتون، إن مشكلة الحطام الفضائي خرجت عن نطاق السيطرة. ووفقا له، حاليا في المدار تتواجد أكثر من 15 ألف شظية وقطعة من مختلف الأقمار الصناعية والمركبات الفضائية الأخرى. وأضاف "في المستقبل القريب عددها سيرتفع إلى 50 ألفا"، وحث الدول الأخرى للمشاركة في حل المشكلة.

ومن المثير للاهتمام، أن استخدام الفضاء لإرسال مختلف أنواع النفايات إليه، أمر تمت دراسته في الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة. ففي العام 1959، اقترح الأكاديمي كابيتسا إرسالهم النفايات المشعة إلى الفضاء. وفي عام 1972، اقترح شليزنغر الأمر ذاته، عبر استخدام "مكوك فضائي" قابل لإعادة الاستخدام. ولم يتم حل مسألة "دفن" النفايات المشعة في الفضاء حتى الآن.
لكن عسكرة الفضاء الخارجي لا تزال تمثل مشكلة خطيرة. ففي منتصف العقد الأول من الألفية الجديدة، حددت وزارة الدفاع الأمريكية مهمام جديدة في هذا المجال، وهي: إنشاء منظومة مذادة للأقمار الصناعية على أساس جوي، ومنظومة تدمير وسائل الاتصالات الفضائية، واستخدام أسلحة ليزرية جوية وفضائية، وأجهزة لدراسة الفضاء السحيق، ومركبات نقل فضائية أكثر قوة. وتم إطلاق أقمار استطلاع اصطناعية مع مجموعة متنوعة من أدوات التتبع، وبدأ تطوير أنظمة الليزر الجوية والفضائية.

جورج فريدمان في كتابه "المئة عام المقبلة" يتخيل أن تتم السيطرة السياسية والعسكرية على الأرض، من الفضاء، حيث ستتواجد الأقمار الصناعية التي تحمل سلاحا مدمرا. كما سيتم استخدام أسلحة صغيرة جدا ومجموعة متنوعة من النظم الآلية. ويتحدث الخبراء عن ظهور فئة أقمار النانو والبيكو الاصطناعية الفضائية، التي لا يزيد قطرها عن 10 سم.
كل هذا أدى إلى رد فعل. إذ دعا فلاديمير بوتين لمنع عسكرة الفضاء الخارجي، واعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا "بشأن حظر استخدام الإنجازات التي تحققت في مجال المعلومات والاتصالات لعسكرة الفضاء الخارجي" وتبني "تدابير لبناء الثقة في الفضاء الخارجي". ومع ذلك، في وقت لاحق، في اتصال مع نشر نظام الدفاع الصاروخي، رفض الأمريكيون التوقيع على الوثائق حول هذا الأمر، والآن هم يتهمون دولا أخرى بعسكرة الفضاء.
الولايات المتحدة أثبتت في السنوات الأخيرة، ضعف برامجها الفضائية (الاعتماد على محركات الصواريخ الروسية)، وروسيا، على العكس من ذلك، استعادت مكانتها كقوة فضائية عظمى. وتم تدشين موقع جديد بالقرب من حدود الصين، يكاد يكون جاهزا للتشغيل، وسيتم منه قريبا إرسال القمر الصناعي الأول إلى المدار.
وبذلك، فإن أطروحة إيمانويل كانت، في سياق السياسة الفضائية، حول "السماء المرصعة بالنجوم فوق رؤوسنا، والقانون الأخلاقي في قلوبنا" تتخذ منحى جديدا.