هل بإمكان الولايات المتحدة الإنتصار في حرب إلكترونية ضد روسيا

18.12.2016

تصاعدت في الأيام الأخيرة حدة الإتهامات الأمريكية لروسيا بالتدخل في مسار الإنتخابات الأمريكية، عبر هجمات إلكترونية، وفي حين تنفي موسكو صحة هذه المزاعم، يواصل الرئيس الأمريكي باراك أوباما تصريحاته الهجومية، مهددا بشن حرب إلكترونية على روسيا، فهل بالفعل لدى الولايات المتحدة مثل هذه القدرة، وما سيكون الرد الروسي على هجوم من هذا النوع؟

ذكرت صحيفة "واشنطن بوست" أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما حدد شروط شن حرب إلكترونية ضد روسيا على خلفية مزاعم تدخل موسكو في الانتخابات الأمريكية والتأثير على نتائجها.

وأوضحت الصحيفة أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما يرى أن الاستخدام غير المجدي للسلاح الإلكتروني، أفضل من عدم استخدامه. مشيرة إلى أن أوباما قد يقرر استخدم هذا السلاح بشرط ضمان مبدأ "الهيمنة المتصاعدة"، وأن واشنطن تريد كذلك إنهاء هذا الصراع وفقا لشروطها، أي لو وجد في الوقت نفسه ضمانات بنسبة 100% تؤكد أن الولايات المتحدة ستستفيد أكثر مما ستخسر.

وكان الرئيس الأمريكي قد صرح في مؤتمر صحفي يوم الجمعة الماضي أن هدف الولايات المتحدة يتمثل في "توجيه رسالة واضحة لروسيا والدول الأخرى مفادها: لا تفعلوا ذلك بحقنا، لأننا نستطيع أن نفعل نفس الشيء بحقكم". موضحا أن الولايات المتحدة قادرة على شن هجمات إلكترونية مضادة، لافتا إلى أنها لن تكون دائما علنية في حال تنفيذها.

وفي حين تتواصل الإتهامات الأمريكية، والتهديدات بشن هجمات ردية على مدار عدة أشهر، لم يتم قعليا إتخاذ أي تدابير مشابهة، أو أنه قد يكون تم تنفيذ محاولات أمريكية من هذا النوع، لم يتم الإعلان عنها، الأمر الذي يدعو في حال وقوعه، إلى استنتاج مفاده أن هذه الهجمات الأمريكية باءت بالفشل، وإلا، فلماذا امتنعت واشنطن عن الإعلان عنها، أو على الأقل تسريب نتائجها إلى العلن.

تعتقد جماعة من الخبراء أن واشنطن حاولت بالفعل ن هجمات على منظومات المعلومات الروسية، إلا أن هذه الهجمات الإلكترونية اصطدمت بأنظمة حماية معلومات روسية متطورة للغاية، ما أسفر عن فشلها. لذلك، تشعر واشنطن وأوباما بإرتباك وإحراج، ولا تزيد تصريحاته عن تهديدات فارغة، الأمر الذي يوكده استخدام جمل مثل "رد في الوقت المناسب" و "ضمان مبدأ الهيمنة المتصاعدة"، في محاولة للإحياء للرأي العام الأمريكي بأن واشنطن تسيطر على الموقف.

في هذه الأثناء، تؤكد مصادر عسكرية في واشنطن والناتو أن روسيا توصلت إلى قدرات هائلة في إدارة الحرب الإلكترونية وأن جميع الطاقات الغربية لا تساوي 10% مما لديها.

ويقول الجنرال بين خوجيس قائد قوات الناتو البرية في أوروبا، في حديث نشرته "Defense News" إلى أن الأمريكيين يجهلون قدرات روسيا الفعلية في خوض الحرب الإلكترونية. موضحا أن قدرات الجيش الروسي في هذا المجال مذهلة، إذ يمتلك خلافا لنظيره الأمريكي تشكيلات خاصة تعنى بإدارة الحرب الإلكترونية، وأن التشكيلات الروسية هذه قادرة على تعطيل شبكات اتصال قيادات العمليات وإدارة القوات المعادية.

لوري باكهوت الرئيس السابق لدائرة الحرب الإلكترونية لدى القوات البرية الأمريكية من جهته، قال في هذا الصدد: "مشكلتنا الرئيسية على هذا الصعيد، تكمن في أننا لم نشتبك مع روسيا طوال بضعة عقود في أي حرب تشويش مباشرة، الأمر الذي يجعلنا جاهلين كيفية المواجهة في حال نشوب حرب كهذه معها. نحن نفتقد إلى التكتيك وتسلسل الخطوات، وغير مهيئين أبدا للقتال في ظل اتصالات مشلولة".

وأضاف: "لدينا استخبارات جيدة، وباستطاعتنا التنصت على مدار الساعة، إلا أن قدراتنا في تعطيل اتصالات العدو لا تساوي 10% مما لدى الجيش الروسي في هذا المجال".

وعن هذا الأمر، لفتت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية الإنتباه إلى قلق البنتاغون الكبير حيال النشاط الملحوظ الذي تبديه الغواصات والسفن الروسية في الآونة الأخيرة. وكتبت أن ما يثير توجس واشنطن بشكل خاص، اقتراب هذه السفن والغواصات من كابلات الانترنت والاتصال الليفية التي تربط الولايات المتحدة بالعالم.

ولفتت الصحيفة النظر إلى ما أعلنته واشنطن مؤخرا عن إطلاق برنامج خاص يهدف إلى كسر هذا الخطر، لكنها أشارت إلى أن تطبيقه سيستغرق 12 عاما.

ونقلت عن مصادر استخباراتية وعسكرية أمريكية مخاوفها إزاء احتمال إقدام روسيا على قطع هذه الكابلات في حال احتدام التوتر أو نشوب نزاع بينها والغرب.

وعبرت مصادر الصحيفة عن قلقها تجاه سيناريو كهذا، مشيرة إلى خطره الكبير على الولايات المتحدة والغرب نظرا لأن قطع الانترنت والاتصالات سينعكس على أداء الحكومات والأعمال والمواطن العادي.

وأعادت الصحيفة ومصادرها إلى الأذهان سفينة "يانتار" الروسية عندما أبحرت بمحاذاة الساحل الشرقي للولايات المتحدة قاصدة كوبا في سبتمبر/أيلول الماضي. ونقلت الصحيفة عن مصدرها أن السفينة الروسية المذكورة التي تؤكد روسيا أنها مخصصة لبحوث في جغرافيا المحيط، ليست إلا "سفينة تجسس" وأنها أنزلت إلى الأعماق في رحلتها المشار إليها جهازي غوص عميق، عاينا كابلات انترنت واتصالات تمتد إلى قاعدة غوانتانامو البحرية الأمريكية.

مايكل سيكريست الخبير في العلاقات الدولية أشار في بحث أعده حول نقاط ضعف كابلات الأعماق إلى أن ما يقلق البنتاغون في نشاطات روسيا، أنها وعلى ما يبدو، تبحث عن مواضع الضعف في الكابلات الممتدة في الأعماق السحيقة لتعطيلها لدى الضرورة، نظرا لتعذر إصلاحها أو الكشف عن الجزء المعطل منها، بما يشل اتصالات الخصم ويعميه ويصمه.

وذكر سيكريت في بحثه أنه لن يتعذر على روسيا كشف مواقع الكابلات السرية المستخدمة في الاتصالات البحرية الأمريكية، وذلك استنادا إلى أن أماكن الكابلات المدنية معروفة وغير محاطة بالسرية، ما سيسهل عليها مهمة البحث.

وعن مجال آخر للحرب الإلكتونية، تحدثت مجلة "Foreign Policy" الامريكية، موضحة أن روسيا تستخدم أسلحة وآليات قائمة على التكنولوجيات العالية من شأنها التشويش على الطائرات بلا طيار وحجب كافة الاتصالات في منطقة العمليات الحربية.

وأشارت الصحيفة إلى ان الطائرات بلا طيار التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا التي تتابع سير النزاع في جنوب شرق أوكرانيا تواجه مقاومة شديدة من جانب القوات الروسية التي تشوش إلكترونيا على عملها وتقوم بتعميتها عمليا.

وأشارت المجلة إلى أن هذا الأمر، يعد جزءا بسيطا في سلسلة عمليات الحرب الإلكترونية البارعة التي يخوضها الجيش الروسي في أوكرانيا وكانت مفاجأة للخبراء الأمريكيين. فقد وجدوا انفسهم يواجهون الجيش الروسي  في أوكرانيا وسوريا المجهز بمنظومات الحرب الإلكترونية من طراز "كراسنوخا" . وتقوم هذه المنظومات بالتشويش على  الرادارات والطائرات بلا طيار، مما جعل  كبار الضباط في الجيش الأمريكي يعترفون بأنهم قد تأخروا عن الروس في هذا المجال".

ونقلت المجلة عن رونالد بونتيوس نائب قائد القوات الإلكترونية الأمريكية  قوله: لا يمكن القول إننا نمضي قدما بوتائر سريعة كما تقضي بذلك الخطورة التي نواجهها".

وأفاد خبراء للمجلة بأن الروس استعرضوا قدرات حربهم الإلكترونية منذ بدء تدخلهم في القرم في ربيع عام 2014. وبعد أن استخدموا معدات الحرب الإلكترونية وجد العسكريون الأوكرانيون أجهزتهم اللاسلكية عاطلة حيث تنقطع عن العمل لمدة ساعات"، وأضافت أن مراقبي منظمة الأمن والتعاون في أوروبا أبلغوا قيادتهم أكثر من مرة بأن طائراتهم بلا طيار تتعرض لعملية إسكات اتصالاتها عبر نظام "GPS" للملاحة الفضائية من قبل وسائل الحرب الإلكترونية الروسية.

واعترف جافري تشيرتش رئيس إدارة الحرب الإلكترونية في القوات البرية الأمريكية  بأن اللحاق بركب التطور الروسي في هذا المجال هو أمر غير سهل لأن ذلك يتطلب تجاوز النقص في معدات الحرب الإلكترونية والخبراء ذوي الكفاءة العالية في ظروف عجز الميزانية العسكرية.

ونقلت المجلة عنه قوله إنه تمكن من تدريب بضع مئات من الخبراء في هذا المجال وهذا يشكل قطرة في البحر بالمقارنة مع قوة الحرب الإلكترونية التي تمتلكها كل من روسيا والصين.

وفي هذا السياق كانت الرئيسة السابقة لإدارة الحرب الإلكترونية في القوات البرية الأمريكية قد أعلنت في أغسطس/ آب الماضي أن قدرات روسيا على الاتصالات اللاسلكية تزيد عن قدرات الولايات المتحدة في هذا المجال بعدة أضعاف. وأضافت قائلة: "لدينا استطلاع إلكتروني لاسلكي ممتاز، وبوسعنا التنصت على العدو طيلة 24 ساعة يوميا. لكن القدرات الروسية على إسكات اتصالاتنا تزيد بعدة أضعاف ما لدينا".

ومن الواضح أن روسيا لا تكشف عن كل قدراتها العسكرية والإلكترونية، إذ صرح عدة جنرالات ومسؤولين روس أكثر من مرة، بأن القدرات العسكرية الروسية ستكون بمثابة مفاجأة لأي عدو يرغب في اختبارها. ومن المؤكد أن الجرأة التي ينفذ بها الروس سياساتهم وتحركاتهم في العالم في الفترة الأخيرة، توحي بقدرات عسكرية أكبر مما يتوقع الغرب والناتو. وهذا الأمر تؤكده ارتباكات الولايات المتحدة والناتو أمام روسيا في ساحات القتال الفعلية في سوريا وأوكرانيا، وفي المجال الإلكتروني الإفتراضي الذي لم تتجاز الولايات المتحدة فيه مرحلة التهديدات الجوفاء.