الثورات الملونة والثقافة: الوطنية البناءة مقابل القومية المدمرة
هناك الكثير لنتحدث عنه عندما يتعلق الأمر بالثورات الملونة والثقافة، ولكن لأننا لا نملك الوقت الكافي للقيام بهذه الدراسة الشاملة فأنا أريد التركيز على كيفية تلاعب الثورات الملونة بالشعور الوطني من أجل خلق حالة من القومية المدمرة، ولكن كيف يمكن للوطنية الحقيقية أن تستخدم لصد هذه القومية الوهمية. قبل الذهاب إلى أبعد من ذلك، أود أن أقتبس من قول رئيسنا الذي قال في ابريل/نيسان إن "القومية هي كراهية الشعوب الأخرى، في حين أن الوطنية هي أن تحب بلدك". إذا انطلقنا من هذا الفهم، فكل شيء آخر سوف يكون له معنى.
في الوقت الحاضر تمارس الولايات المتحدة ما أسميه حروب الجيل الخامس، أو تسليح الأشياء التي كان يعتقد في السابق أنها لا يمكن أن تستخدم كسلاح. على سبيل المثال، نرى كيف تستخدم الاحتجاجات والمهاجرين كسلاح من أسلحة الحرب، وهي تفعل أيضا نفس الشيء مع الثقافة. في الماضي، ركزت الولايات المتحدة على تعزيز ما يسمى بالقيم "الديمقراطية الليبرالية الغربية" من أجل هندسة الاشتباكات الثقافية مع غالبية السكان الذين يؤمنون بالقيم التقليدية، وهي لا تزال تعزز هذه الأجندة إلى حد كبير. الاتجاه الجديد يعتمد على صقل الشعور القومي المتطرف في الدول المستهدفة وركوب موجة الاستياء التي نشأت من الوضع الراهن ضد النظم الوطنية في السنوات الأخيرة.
على وجه الخصوص، نحن نرى كيف أنها استثمرت هذا الخروج بأقصى قدر من النجاح في أوكرانيا أثناء اندلاع الإرهاب في المناطق المدنية المعروفة عالميا باسم "الميدان الأوروبي". أنفقت الولايات المتحدة سنوات في رعاية ما يسمى بـ"المنظمات غير الحكومية" لنشر هذا الفيروس الإيديولوجي وتسليحه، وهم نشروه في الوقت المبرمج مسبقا لأنهم كانوا يعتقدون أنه الأكثر فائدة للأهداف في تغيير الأنظمة. ولكن هناك جانب آخر لهذه العملة، ففي جمهورية مقدونيا استخدم المتظاهرون المؤيدون للحكومة الشعور الوطني كصيحة استنفار من أجل معارضة حركة تغيير النظام، ولقد كانوا فعلا ناجحين جدا في هذا، على الرغم من أن معظم وسائل الإعلام الدولية لم تبلغ عن انتصاراتهم.
ما يمكن أن نلحظه بالتالي من هذين المثالين هو أن القومية المدمرة التي أثارتها الولايات المتحدة هي تسليح مدمر للثقافة يتم استخدامه لإسقاط الحكومات المستهدفة، في حين أن الوطنية البناءة تشكل دفاعا فعالا جدا ضد هذا السلاح في حروب الجيل الخامس. كل هذه الأيديولوجيات قد تبدو متشابهة جدا من الخارج، ولكن على الجميع أن يتذكروا كلمات الرئيس بوتين بأن "القومية هي الكراهية للشعوب الأخرى، في حين أن الوطنية هي أن تحب بلدك" من أجل التعرف على الفرق الرئيسي بين الحالتين. ومع ذلك وبسبب العديد من القواسم المشتركة، ومن خلال السياق السياسي الحالي في أماكن كثيرة من العالم، وخاصة في أوروبا، فإن هذه الأنماط من التفكير تعتبر جذابة جدا لقاعدة محتملة كبيرة من الناس.
في عملية تسليح الثقافة والتحول من الشعور الوطني الدفاعي إلى النزعة القومية العدوانية، فقد وظفت الولايات المتحدة مجموعة واسعة من المنظمات غير الحكومية المتحالفة معها داخل الدولة المستهدفة. وكان الاتجاه الرئيسي هو خلق الوهم لدى الناس بأن هذه المجموعات ليست ممولة من الخارج أو ليس لديها أي دعم غربي، لذلك تقدم الولايات المتحدة "التمويل الأولي" لخلق ما يسمى من الناحية الفنية "منظمات محلية"، على الرغم من أنه يتم تدريب مدراء هذه المنظمات خارج البلاد وقبول طلباتها من المنظمات الدولية التي تعمل في كثير من الأحيان كواجهات للاستخبارات العالمية، وبالتالي إعادة صياغة شعار مشترك هو "وطني في الشكل ودولي في المحتوى".
الولايات المتحدة تحاول التأثير على جميع المنظمات التي تمثل الأشكال الثقافية في البلد، وهذا هو السبب بأنها تشارك في جميع المنظمات البيئة والسياسية ومنظمات المجتمع المدني وغيرها. هدفها هو بناء شبكة واسعة حتى تتمكن من تفعيل الشبكة بالكامل عندما تقرر بدء الثورة الملونة أو إطلاق اختبار لتحقيق قدرتها على البقاء. وتهدف الخطة إلى تجميع مجموعة متنوعة من المتظاهرين يكونوا قادرين على خلق الكتلة الحرجة التي تسيطر بسرعة على السلطة وتزعزع استقرار جهاز الدولة. كما أنها أيضا ومن خلال تفعيل العديد من مجموعات الاحتجاج المختلفة فإن الولايات المتحدة تعزز "الفوضى الخلاقة" ومعرفة أي المجموعات والأفكار هي الأكثر جذبا للمواطنين العاديين لحشدها خلال الأزمة المصطنعة. وبناء على ذلك، يمكن للولايات المتحدة معرفة أي المجموعات تستحق المزيد من الموارد للاستثمار فيها والمجموعات التي لا مبرر لدفع أية نفقات إضافية عليها.
الوضع الاستراتيجي يختلف قليلا عندما يتعلق الأمر بالتدابير الدفاعية التي يمكن للدول استثمارها لحماية نفسها ضد هذا العدوان. أهم شيء يمكن أن تفعله السلطات هو تعزيز التربية الوطنية لدى الشباب وتذكير المواطنين بتاريخ بلادهم. والنقطة الأساسية هنا هي غرس الشعور بالفخر بالوطن والذي يمكن أن يساعد في ردع الفتنة ويجنب الانضمام إلى إحدى حركات تغيير النظام الممولة والمخططة من الولايات المتحدة . وسيلة الوعي هذه تؤدي أيضا لرفع مستوى الوعي حول الوسائل التي تحاول الولايات المتحدة أن تفبركها فتنطلي على السكان المستهدفين لحملهم من غير قصد على تنفيذ سياساتها، وذلك من خلال استخدام هذه المنظمات الأمامية التي تتلقى حقا أوامر من الخارج. وعلاوة على ذلك، ينبغي تذكير جميع المواطنين بتجربة الحرب العالمية الثانية وكيف تم استخدام كذبة "الوطنية" كقناع للقومية العدوانية.
من خلال التآزر السليم مع سياسة الدولة ومع المنظمات غير الحكومية الوطنية، ومع حركات المجتمع المدني الأصيلة يمكن للناس أن يتعلموا مقاومة حيل الثورات الملونة التي تخطط لها الولايات المتحدة وعدم السماح للوطنية النبيلة بأن تنحرف وتتحول إلى قومية معتدية. إذا استطاع الخبراء الروس الإتقان الصحيح لهذه المعادلة المعقدة من التقنيات الدفاعية، ومعظمها يحدث بالفعل بشكل طبيعي داخل البلد، ولكن يمكن منهجته وتنميطه بشكل علمي، فإن موسكو يمكن أن تصبح الشركة الرائدة عالميا في معارضة الثورات الملونة في جميع أنحاء العالم، وبالتالي تدريب طلاب حلفائها وخبرائهم وقادة المجتمع المدني على هذه الأساليب. الشيء الأكثر أهمية هو أن نتذكر أن القومية المدمرة ليست وطنية وحب الوطن ليس نزعة قومية مدمرة. في حين تدعم الولايات المتحدة القومية التي تدمر الأوطان من الداخل، تعمل القوى الوطنية على تعزيز الانتماء للوطن وتمكن الدولة من صد جميع التهديدات الخارجية ضدها.