بين الصين والهند..نار تحت الرماد قد تنفجر الحرب في أي لحظة
شهدت الحدود الصينية الهندية توترات متصاعدة في الأونة الأخيرة ويعود ذلك السبب لعدم ترسيم حدودهما الممتدة على طول أربعة آلاف كيلومتر.
وتقول الهند إن الصين تحتل 38 ألف كيلومتر مربع من أراضيها في أكساي تسين وسيكيم. في حين تأمل بكين في أن تتخلى الهند عن مقاطعة أروناشال براديش الواقعة شمال شرقي الهند والتي تبلغ مساحتها نحو90 ألف كيلو متر مربع.
ويبلغ طول الحدود بين الهند والصين أكثر من 3440 كيلومتراً (2100 ميل)، وتتداخل بعض الأراضي التي يطالب البلدان بالسيادة عليها، وكثيراً ما تتصادم الدوريات الحدودية ببعضها، ما يؤدي إلى مصادمات عابرة، غير أن الجانبين يصران على أن القوات لم تتبادل طلقة واحدة منذ أربعة عقود.
ويتقابل جيشا البلدين، وهما من أكبر الجيوش في العالم، في نقاطٍ عدة، إذ يفصل "خط السيطرة الفعلية" غير المحدد بوضوح بين الجانبين، وتتسبب الأنهار والبحيرات والقمم الجليدية في تغيير الخط الفاصل بين الجانبين بين الحين والآخر، ما يقرّب الجنود من الدخول في مواجهة مباشرة.
وقد أدى تفاقم هذا الخلاف إلى اندلاع مواجهات عسكرية بين الجيشين الصيني والهندي عام 1962، فما هي محطات هذا النزاع منذ اندلع بينهما؟ والذي أعاد تفجير القضية الآن في هذه الظروف التي يمر بها العالم؟
وشهدت المنطقة الحدودية بين الصين والهند مناوشات جديدة بين حرس حدود البلدين، وذلك في الأسبوع الأول من مايو/أيار الماضي، بسبب اعتراض الجيش الصيني على قيام القوات الهندية بدورية في منطقة لاداخ الحدودية.
وبدأ التوتر بمشاجرة بين الجنود، فاعتقل العسكريون الصينيون أفراداً من الجيش الهندي قبل أن يطلق سراحهم في وقت لاحق.
في أعقاب ذلك زار المنطقة القائد العام للقوات البرية الهندية الجنرال مانوج موكوند نارافان، ونقل الجيش كتائب مشاة إلى خط الحدود، في وقت أقام الجيش الصيني عدة خيام بالقرب من وادي جالفان.
وذكرت الخارجية الصينية في وقت سابق أن الجنود الهنود يعرقلون تسيير الدوريات والقيام بعمليات لحرس الحدود الصيني في منطقة لاداخ.
وبحسب تقرير لـ"بي.بي.سي" يقول أجاء شوكلا، الخبير العسكري الهندي الذي خدم سابقاً برتبة كولونيل في الجيش: "الوضع خطير. لقد دخل الصينييون منطقة اعترفوا هم أنفسهم بأنها جزء من الصين. إن هذا يغير الوضع القائم تماماً"، لكن للصين وجهة نظر مغايرة، إذ تقول إن الهند هي مَن غيَّرت الأوضاع على الأرض.
لماذا تتصاعد حدة التوترات الآن؟
الأسباب متعددة، لكن التنافس على تحقيق الأهداف الاستراتيجية هو أصل هذه الأسباب، وكلا الطرفين يُلقي باللوم على الآخر.
يقول شوكلا: "إن منطقة وادي الغالوان التي كانت مسالمة في الماضي صارت الآن بؤرة نزاعٍ، لأنها النقطة التي يقترب عندها خط السيطرة الفعلية للغاية من الطريق الجديد الذي بنته الهند بطول نهر الشيوك إلى منطقة دولت بيغ أولدي، وهي المنطقة الأبعد والأضعف بطول خط السيطرة الفعلية في لداخ".
ويبدو أن قرار الهند بتسريع أعمال التشييد قد أغضب بكين، إذ قالت صحيفة غلوبال تايمز التي تديرها الحكومة الصينية بصورة قاطعة إن "وادي الغالوان أرض صينية، والوضع المحلي للسيطرة الحدودية واضحٌ للغاية.
ويقول د. لونغ شينغ شون، رئيس معهد شينغدو لشؤون العالم (CIWA): "وفقاً للجيش الصيني، الهند هي من اقتحمت وادي الغالوان. إذن الهند هي التي غيّرت الوضع القائم بطول خط السيطرة الفعلية، وهذا قد أغضب الصينيين".
وقال مايكل كوغلمان، نائب مدير برنامج آسيا بمركز ويلسون البحثي، إن هذه المواجهة ليست مواجهة روتينية، وأضاف إن "نشر الصين لعددٍ ضخم من الجنود هو استعراض للقوة".
وقد يعزز الطريق من قدرة دلهي على نقل الرجال والمواد بسرعة في حالة حدوث نزاع، وزادت الخلافات بين الدولتين على مدار العام الماضي في مجالات سياسية أخرى أيضاً، ففي حين اتخذت الهند قراراً مثيراً للجدل بإنهاء الإدارة الذاتية المحدودة لإقليمي جامو وكشمير في أغسطس/آب من العام الماضي، فقد أعادت أيضاً رسم خريطة المنطقة، وتضمّنت منطقة لداخ الجديدة الخاضعة لإدارة الحكومة الاتحادية منطقة أكساي تشين، التي تُطالب بها الهند وتُسيطر عليها الصين.
المناطق المتنازع عليها بين البلدين
هضبة أروناتشال براديش: منطقة حدودية، تقع عند مفترق طرق بين الصين ومملكة بوتان وولاية سيكيم التي تقع شمال شرق الهند.
تطلق بوتان والهند على المنطقة اسم هضبة دوكلام، في حين تطلق عليها الصين "جنوب التبت" وتؤكد أنها جزء من أراضيها، وتدعم الهند مطالب بوتان بالسيادة على المنطقة، وتقول إن الصين تحتل أجزاء كبيرة منها.
بوتان هي دولة صغيرة تقع في الطرف الشرقي من جبال الهيمالايا، ليس لديها أي علاقات دبلوماسية مع الصين التي تتواصل معها عبر سفارتها بالهند، وتعتبر أن "دوكلام" أراض متنازع عليها.
على الرغم من أن منطقة "دوكلام" المتنازع عليها ليست جزءاً من الهند ولا تطالب بها، فإنها تؤكد أن حكومة بوتان طلبت منها التدخل بالنيابة عنها، وتعتبر المنطقة ذات أهمية إستراتيجية للأمن القومي الهندي، فسيطرة بكين عليها من شأنها أن تسهل للقوات الصينية الوصول بيسر إلى ممر سيليغوري الذي يربط بين ولايات الهند الشمالية والشرقية بباقي البلاد، وفقا لمركز دراسات الصين وآسيا.
أكساي تشين: منطقة متنازع عليها بين الطرفين غرب جبال الهيمالايا، تبلغ مساحتها حوالي 38 ألف كيلومتر مربع، وهي خالية من السكان تقريباً، وتحتوي على العديد من البحيرات الملحية.
وتخضع المنطقة لسيطرة الصين التي تعتبرها جزءاً من إقليم شنغيانغ، وما تزال الهند تطالب بالمنطقة وتعتبرها جزءاً من منطقة لاداخ الواقعة في إقليم جامو وكشمير.
ويعتبر مصير ولاية أروناتشال براديش الهندية أخطر نقاط المواجهة، فقد ضُمت المنطقة إلى الأراضي الهندية خلال حقبة الاستعمار البريطاني، ولكن بعد أن نالت كل من الصين والهند استقلالهما أواخر أربعينيات القرن الماضي طالبت كل منهما بالسيادة على المنطقة.
وتفاقم الصراع عام 1959 عندما لجأ الدلاي لاما القائد الروحي لمنطقة التبت إلى الهند هرباً من السلطات الصينية، وعام 1962 اندلعت الحرب بين الصين والهند ومنيت الأخيرة بهزيمة قاسية، ورغم ذلك احتفظت بولاية أروناتشال براديش بعد انسحاب القوات الصينية وسط ضغوط دولية.
واندلعت مواجهة أخرى بين البلدين عام 1987، عندما أطلقت الحكومة الهندية لقب "ولاية" على منطقة أروناتشال براديش، الأمر الذي أغضب بكين وأنذر بنشوب حرب، قبل أن يتوصل الطرفان إلى حل دبلوماسي.
هل سيتطور الأمر؟ وما خطورته؟
يقول بي ستوبدان، الدبلوماسي الهندي السابق والخبير في لداخ والعلاقات الهندية الصينية: "كثيراً ما نشهد عبور الجيشين خط السيطرة الفعلية بشكل روتيني، فحدوث ذلك شائع ويتم حله على المستوى العسكري المحلي. لكننا نشهد هذه المرة أكبر حشد للقوات. إن المواجهة تقع في مناطق استراتيجية مهمة للهند، وإن سقطت بحيرة بانغونغ في قبضة الصين فلا يمكن للهند الدفاع عن لداخ، وإن سمحت الهند للجيش الصيني بالاستقرار في وادي شيوك الاستراتيجي فإن القوات الصينية بإمكانها الوصول لوادي نوبرا بل وسياتشين".