واشنطن وطهران: ضبط النفس إلى متى؟

23.07.2019

تصاعدت الاحتكاكات والتحديات المتبادلة بين إيران من جهة، والولايات المتحدة من جهة أخرى، وبلغت هذه الاحتكاكات مستوى متقدّماً بعد تبادل احتجاز السفن بين إيران وبريطانيا، وكان واضحاً منذ إسقاط الطائرة المسيّرة الأميركية، ومنذ تجهيل الفاعل رسمياً بالنسبة لتخريب ناقلات النفط قرب ميناء الفجيرة الإماراتي، أنّ واشنطن وطهران في الوقت الذي يتبادلان فيه التحديات والتهديدات، إلا أنهما يعتمدان سياسة ضبط النفس ويسعيان بكلّ جهد ممكن لتجنّب الانزلاق نحو مواجهة مباشرة، محدودة أو مفتوحة.

لكن السؤال المطروح الآن في ظلّ تباعد المصالح ووجهات النظر بين البلدين، وفي ظلّ وجود أطراف لها مصلحة في دفع التوتر إلى مواجهة مباشرة، محدودة أو مفتوحة، إلى متى تستمرّ سياسة ضبط النفس وتنجح هذه السياسية؟

قياساً على سياسات تل أبيب إزاء لبنان منذ عام 2006 وإزاء غزة منذ أوسع مواجهة في عام 2014، وتحديداً في الأشهر القليلة الماضية، فإنّ سياسة ضبط النفس مع استمرار تبادل التحديات والصراع غير المباشر ربما تستمرّ فترة طويلة لأن طهران وواشنطن تعتقدان أنّ المواجهة المباشرة، سواء كانت محدودة أو مفتوحة، ستكون عواقبها العسكرية والبشرية والاقتصادية والسياسية عواقب يصعب التنبّؤ بها.

ولكن، وعلى الرغم من أنّ احتمال المواجهة المباشرة، المحدودة أو المفتوحة، احتمال ضعيف للغاية، إلا أنه لا يمكن استبعاد هذا الاحتمال بالمطلق في ضوء العوامل الآتية:

أولاً، حجم المصالح التي يصعب التوفيق فيها بين واشنطن وطهران، وعلى الرغم من أنّ صراع العدو الصهيوني مع المقاومة اللبنانية ومع الشعب الفلسطيني، هو صراع وجود، إلا أنّ تل أبيب لا تجد نفسها مهدّدة وجودياً على الأقلّ في الوقت الحالي، بينما تعتقد الولايات المتحدة وبعض حلفائها بأنّ نمو نفوذ إيران وطبيعة تحالفاتها الدولية، أيّ اصطفافها مع روسيا والصين، يشكل تهديداً وجودياً لمصالحها في منطقة تعتبر حيوية من وجهة نظر المصالح الأميركية، لا سيما في العراق والخليج واليمن، إضافةً إلى قلق الولايات المتحدة على مصير «إسرائيل» من دعم إيران للمقاومة اللبنانية والفلسطينية، ودعم حق سورية في استعادة الجولان.

ثانياً، تجاور النفوذ والوجود الأميركي والإيراني في ساحات حيوية، مثل العراق واليمن وسورية، وقبل حسم هذا التجاور وتثبيت أحادية الوجود في هذه الساحات يظلّ خطر اندلاع المواجهة المباشرة خطراً قائماً.

ثالثاً، غياب اختبار القوة بين والولايات المتحدة وإيران على غرار اختبار القوة بين الكيان الصهيوني والمقاومة اللبنانية، لا سيما في عام 2006 والمقاومة الفلسطينية في عام 2014، حيث ربما لا تزال لدى بعض قادة الولايات المتحدة، لا سيما الصقور في النخبة الأميركية، قناعة بأنّ قوات الولايات المتحدة العسكرية الهائلة بالمقارنة مع قدرات إيران تؤهّلها لربح الحرب، مثلما كان هذا الاعتقاد موجوداً لدى قادة العدو الإسرائيلي لفترة طويلة وكان وراء حرب 2006 مع لبنان وحرب 2014 مع غزة.

رابعاً، وجود أطراف لها مصلحة في وقوع مواجهة مباشرة بين إيران والولايات المتحدة، وهي تدفع نحو هذه المواجهة، وهنا يُشار إلى تل أبيب والرياض، لأنّ قادة الكيان الصهيوني والمسؤولين في المملكة العربية السعودية يعتقدون أنّ عبء هذه المواجهة الرئيسي سوف تتحمّله الولايات المتحدة، وتخرج رهانات الدولة بربح من هذه المواجهة التي لا تتحمّلها بمفردها.