واشنطن تخشى خسارة مكانة الدولار: اعتماد إيران وفنزويلا للعملات الإلكترونية

01.02.2019

بالنسبة للكثيرين تبدو السيطرة الأميركية على الأسواق المالية محكمة وغير قابلة للتملّص. ومن هذه الزاوية تصير العقوبات الأميركية ضد أي بلد أو شركة أو جهة سياسية أو اقتصادية قاتلة، لأنها ببساطة ليست مضطرة أن تعاقب الجهة المطلوب معاقبتها ما لم تكن على علاقة بالمصارف الأميركية، إذ تكفي معاقبة من يتعامل معها حتى تصير العقوبات قاتلة، وخلال عقدين من الزمن طورت واشنطن الكثير من الضوابط والتشريعات والإجراءات التي زادت من فاعلية نظام العقوبات وصرامته، كما زادت مع الفشل الذي أصاب مشاريعها العسكرية عبر العالم من اعتمادها على نظام العقوبات، فزادت من جرعات المجاهرة بلا تردد باللجوء دون أسباب قابلة للتبرير لإلحاق العقوبات بكل من لا يلتزم بتوجهاتها حتى لو كان حليفاً، كما هو الحال مع أوروبا واليابان وتركيا.

في العقدين الأخيرين أيضاً شهدت الساحة المالية الدولية الكثير من المحاولات لإنشاء بنى وهياكل للتداول المالي لا تمر بمنظومة العقوبات الأميركية، وكان نظام السويفت واحداً من المنصات المالية التي تجنبت عبرها الكثير من التداولات المالية الملاحقة الأميركية. وهي منظومة عالمية مقرها بروكسل للتعاملات بين البنوك، صارت في ظل العقوبات الأميركية موضوع ملاحقة لكل من يستخدمها في التداول المالي مع الواقعين تحت عقوبات أميركية ولو ظهر وجود هذا التعامل بعد حدوثه بزمن طويل، بحيث صارت العقوبات مصدر رعب مالي لدى المصارف وفي منصات التداول المالي، أكثر مما هي فقط إجراءات مباشرة.

 البحث عن بدائل للتداول المالي لا تطالها العقوبات الأميركية يسميه الأميركيون وجماعاتهم بالاحتيال على العقوبات الأميركية أو الالتفاف عليها، وذلك لتصوير العقوبات الأميركية النابعة من مصالح دولة بعينها يجري فرضها على دول مستقلة، كعمل شرعي فيما الوصف الوحيد الذي ينطبق عليها هو القرصنة والإرهاب المالي. والبحث عن بدائل لا تطالها العقوبات عمل سيادي شرعي. وفي هذا السياق جرى طرح ماليزيا التي تقودها شخصية ذات باع طويل في الشؤون المالية والاقتصادية، باللجوء إلى الذهب سواء بصيغته الخام، أو بسك عملة ذهبية إسلامية دعا الرئيس مهاتير محمد لاعتمادها.

 لأن العقوبات تقييد مفتعل لحركة السوق التجارية والمالية، ولأن السوق أقوى من السياسة كتدفق الماء تعرف كيف تشق طريقها حتى لو وضعت السدود بوجهها، ظهرت العملات الإلكترونية خلال هذا السعي العالمي المالي والتجاري لتحرير التداولات المالية من تحكم أي بورصة أو مصرف أو عملة أو حكومة. وخلال العقد الأخير سجلت أسواق العملات الإلكترونية تطوراً هائلاً، وهي عملات يتم إنتاجها وفقاً لبرمجيات دقيقة وغير قابلة للاختراق ولا تديرها اي حكومة أو بورصة او مصرف. وعرف سوق العملات الإلكترونية انتشاراً واسعاً مقلقاً للمسؤولين الأميركيين. وخلال الأيام الماضية يتحدث الأميركيون عن مخاطر لجوء إيران وفنزويلا وحركات المقاومة إلى سوق العملات الإلكترونية، وتتلاحق التقارير الإعلامية التي تحمل الأنباء التي تؤكد هذا المسار، وتتحدّث عن تجارب ناجحة على هذا الصعيد، وعن فشل أميركي في التدخل في نظام العملات الإلكترونية، وتنتشر بالتوازي مقالات في الصحف المالية الأميركية تتحدث بلسان خبراء عن أن نظام العقوبات الأميركية الذي يطال بلداناً وأسواقاً كبرى تمتد من روسيا إلى إيران وأوروبا واليابان منح سوق العملات الألكترونية فرص نمو متسارعة ما كان ليحصل عليها في عقود مقبلة، متسائلة عما إذا كانت سياسة العقوبات الصارمة قد سرّعت خسارة الدولار مكانته كعملة حصرية للتداولات العالمية، وخسارة المصارف والبورصات الأميركية مكانتها كمنصات حاكمة لكل تداول مالي في العالم؟