"والت ديزني"... العثماني
أي نوع من القادة ذاك الذي يقول للروس «أخشى أن يفعل الأميركيون بتركيا مثلما فعلوا بسوريا»
لولاه هل كان حصل لسوريا ما حصل من ويلات؟ الجنرال مايكل هايدن، المدير السابق لوكالة الأمن القومي ولوكالة الاستخبارات المركزية، سأل ما اذا كان باستطاعة والت ديزني «تركيب» شخصية على شاكلة رجب طيب أردوغان.
قال «ليس بامكان أي جهاز استخبارات تصنيع مثل ذلك النموذج الفرويدي». ربما كان يريد أن يستوضح ما اذا كان الرئيس التركي قد تأثر بكتاب «كفاحي» لأدولف هتلر أكثر مما تأثر بكتاب حسن البنا «مذكرات الدعوة والداعية».
الذين حاولوا قراءة شخصيته ذكروا أنه كان مأخوذاً بنظريات المرشد الخامس لـ«الاخوان المسلمين» مصطفى مشهور الذي قال في احدى محاضراته «ان لفظ الارهاب هو من ألفاظ القرآن الكريم، وهو عقيدة اسلامية خالصة. ليس هو فقط. ولكن أيضاً لفظ الرعب، فنحن لا ننتصرالا بالارهاب والرعب. ويجب ألاّ ننهزم نفسياً من اتهامنا بالارهاب. نعم نحن ارهابيون».
ينقل الينا ديبلوماسي سابق في وزارة الخارجية الأميركية، وهو من أصل لبناني وعلى علاقة وثيقة بأحد مساعدي مستشار الأمن القومي الجنرال همفري ماكماستر، أن هذا الأخير فاجأ معاونيه بالقول ان تفجير سوريا كان عملية خاطئة على المستوى الاستراتيجي، وليس فقط على المستوى التكتيكي.
يبرىء بلاده من أن تكون البادئة في العملية التي أعدها «الاخوان المسلمون»، بالتنسيق مع أنقرة، وعلى أساس أن الامساك بسوريا وبمصر يمكّن الرجل الذي في اسطنبول من اقامة دولة الخلافة، مع أن السلطنة العثمانية هي التي تلعب في رأسه. استطراداً، رجب طيب أردوغان أكثر تعلقاً بالتاريخ منه بالايديولوجيا.
غير أن ماكماستر الذي أكد أن الأجهزة الأميركية كانت على علم بالمسار السري للسيناريو رأى أنه أمام «ذلك الانفجار السحري» لم يكن هناك من مجال لبقاء الولايات المتحدة بعيدة عن المسرح. احداث تغيير في سوريا يفضي الى نتيجتين باهرتين.
الأولى، الاجهاز على حلم بطرس الأكبر، الذي تبناه فلاديمير بوتين، حول المياه الدافئة. الثانية سقوط النظام الذي، بعلاقاته الاستراتيجية مع ايران، يؤمن المظلة الخلفية لـ«حزب الله» في لبنان.
كان الدخول في الحدث جذاباّ للغاية، وكان اردوغان الذي استجلب «الدرع الصاروخية» الى بلاده يبدو وكأنه يريد أن يفهم واشنطن أنه أبرع، وأقوى، من يستطيع أن يلعب دور «الذئب الأميركي» في الشرق الأوسط. شيئاً فشيئاً بدا أن راس الذئب الذي على كتفي الرجل انما يعود خمسة عشر قرناً الى الوراء.
مثل هذا الكلام يتقاطع اوركسترالياً مع آراء أوروبية ترى أن سوريا كانت ضحية خلفيات جيوسياسية أو خلفيات ايديولوجية كان من المستحيل أن تتواجد تحت سقف واحد وان تواجدت على أرض واحدة.
اللاعبون الاقليميون استحدثوا تنظيمات بالمئات. هذا ما اقتضاه الصراع بين القيادات التي كانت عجيبة بما تعنيه الكلمة (تقرير نائب مدير استخبارات البنتاغون ديفيد شيلد عن 1200 فصيل قبل انتهاء خدماته).
رجل الدين الذي لا يملك سوى لحيته، وأسنانه الصفراء، وسائق الشاحنة، والقبضاي الفارغ الرأس بالشاربين المعقوفين الذي يتحول بقدرة قادر الى ولي من أولياء الله.
هؤلاء تحولوا الى قيادات. باحثون واعلاميون أوروبيون تواجدوا على الأرض السورية كتبوا أن منظر الأكاديميين بربطات العنق والذين يتصارعون حول من يكون البديل في رئاسة الدولة، كان كاريكاتورياً. لم تكن لديهم أي علاقة أو أي صلاحية لادارة الأوضاع على الأرض.
ربما كانت الاستخبارات الفرنسية الأكثر وعياً بالاحتمالات، بالرغم من سياسة التملق التي ينتهجها الاليزيه في الملف السوري. ما يستشف من التسريبات الديبلوماسية أن هناك في واشنطن من يتفق مع الأجهزة الفرنسية في أن عدم ضبط الأمور في سوريا، وبالسرعة القصوى، يعني أن المنطقة ستكون أمام اندفاع أشد هولاً في لعبة الدومينو.
أصحاب هذه الرؤية يعتبرون ألا بديل في المدى المنظور للنظام السوري الذي يجد نفسه أمام أعباء هائلة والذي لا بد أن يطور آليات التفاعل مع سائر فئات المجتمع. ولقد أظهرت لقاءات جنيف، وأستانا، وصولاً الى سوتشي، أن لا وجود لأي فريق معارض ينطق باسم السوريين. شظايا سياسية أو ايديولوجية وترتبط بجهات خارجية.
اردوغان قال للروس والايرانيين ان استيعاب الحالة الكردية عامل أساسي في عدم تقسيم سوريا. تعهد بالانسحاب بعدما يعود النازحون، وجلهم من العرب والتركمان، الى ديارهم. هل من أحد يثق بالتقلبات البهلوانية لهذا الرجل ؟
لقب كمال أتاتورك كان «الذئب الأغبر». أمامنا... الثعلب الأغبر!!