عودة ترامب إلى الاتفاق النووي الإيراني
بعد لفٍّ ودوران منذ انطلاق حملته الانتخابية وتسلّمه الحكم، يعود الرئيس الأميركي دونالد ترامب للتسليم ببقاء الاتفاق النووي مع إيران، بعد أن وضع في مناقشاته مع الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون سقفاً هو عدم تشقق الوحدة الأوروبية الأميركية. وبالمقابل ثبات الموقف الأوروبي على التمسك بالاتفاق، بصورة صارت أقرب للاستجابة لطلب أميركي لتبرير العودة للاتفاق منها، لتحدّي موقف أميركي يريد الخروج من الاتفاق. فواشنطن لم تستطع خلال عام من المحاولات لتغيير موازين القوى الدولية والإقليمية، تعرف أنه بدونها لا يمكن السير بإلغاء الاتفاق بلا بدائل، والقفز في المجهول، وتعرف أن هذا العجز نفسه هو الذي فرض على الرئيس السابق باراك أوباما القبول بالاتفاق. وهو عجز أنكره ترامب وأصرّ على اختبار فرص تغييره بنفسه.
بالتأكيد لا يمكن توهم خلاف أميركي أوروبي، يصل حد تمرّد أوروبا على القرار الأميركي، ولا توهّم أن التمسك الأوروبي بالاتفاق النووي هو تحدٍّ لأميركا واستقلال عنها. فكل شيئ يقول إن أوروبا تقول ما تحتاج أميركا منها قوله لاتخاذه سلّماً للنزول عن شجرة التصعيد، تحت شعار وحدة موقف الغرب، ومنح المزيد من الفرص لتحسين شروط الاتفاق. وقد صار واضحاً أن الخطوة الأولى في هذا الطريق هي ما نطق به ماكرون ويبدو أنه صار خطة التموضع الجديدة لترامب، ومضمونه الفصل بين السير بالاتفاق بصيغته الراهنة وعدم تعريضه للخطر من جهة، وبين السعي لاتفاق مكمّل له يطال القضايا التي لم يتضمّنها الاتفاق، ويكون حصيلة تفاوض رضائي مع إيران، وقبلها مع روسيا والصين.
يعرف ترامب الذاهب للتفاوض مع كوريا الشمالية أن التصعيد مع إيران وصفة مؤذية، وأن معيار صدقية الالتزام بالاتفاقات والمعاهدات التي ستكون على طاولة التفاوض مع كوريا تقدّمه التجربة مع إيران. كما يعرف أن حملته لنسف الاتفاق كانت مواكبة تفاوضية لمحاولته تغيير موازين القوى، التي ستنعكس في حال حصول هذا التغيير تفاوضاً وليس حرباً للحصول على تعديلات يريدها في الاتفاق. وأن الفشل في هذا التغيير يعيده للبحث عن مخرج معنوي مناسب يبرر العودة للاتفاق. وهذا ما على الصديق الأوروبي تقديمه والتباهي به كإنجاز للسياسة الأوروبية.
حتى موعد البت بمصير الاتفاق في الثاني عشر من أيار المقبل، سيبقى الكلام الأميركي تحت عنوان الاحتجاج على النفوذ الإيراني والبرنامج الصاروخي الإيراني، والحاجة لتفاهمات تطالهما وتطمئن تجاههما، وسيبقى الكلام الإيراني مبشراً بما لا تحمد عقباه من أي عبث بالاتفاق الموقع ورفض أي تفاوض حوله، وسيخرج الأوروبيون يتحدّثون عن التمسك بالاتفاق دون تعديل، وعن الحاجة لإحياء صيغة الخمسة زائداً واحداً، وربما تصير زائداً إثنين بإضافة السعودية تحت شعار البحث بالملفات الإقليمية، وسيتحرّك الأوربيون والأميركيون نحو روسيا والصين طلباً للمعونة، ليخرج ترامب في الموعد المقرّر ويعلن البقاء ضمن الاتفاق وقبول المخرج الأوروبي بالسعي لاتفاق مكمّل لا يكون بديلاً بل متمماً للاتفاق القائم. والأكيد أن إيران التي ترفض إعادة التفاوض على برنامجها النووي سترفض التفاوض على برنامجها الصاروخي، ليصير التفاوض المتاح على المشاكل الإقليمية كإطار دولي يرعى تفاوضاً سعودياً إيرانياً مخرجاً مناسباً.
في عهد أوباما كانت المعادلة أن لا بديل للاتفاق إلا الاتفاق. واليوم تعود المعادلة ذاتها.