ثلاثة آلاف وثلاثمائة وخمسة وأربعون قبلة شوق بين دمشق والجزائر
ثلاثة آلاف وثلاثمائة وخمسة وأربعون كيلو متراً وهي مسافة الشوق والحب والحنين التي تجمع الشعبين الشقيقين السوري-الجزائري، وكما نراها النموذج الأرقى للعلاقات بين الأشقاء المستهدفين جميعا بخطر الاحتلال والهيمنة الأجنبية، ما يجمع دمشق والجزائر ليس مصالح آنية فقط، بل هي وحدة الدم والهدف والمصير المشترك.
فعلى امتداد حقبة زمنية طويلة، توحدت في الوجدان صورة سورية والجزائر كنموذج فذ للعلاقات النضالية بين شعبين شقيقين ثم بين دولتين جمع بينهما الرباط المقدس في الهوية الواحدة والمواجهة البطولية لقوى الاحتلال الأجنبي طلباً لتحرير الإرادة والأرض.
كانت ثورة الجزائر من أجل استعادة هويتها تنهى بالكاد عامها الثاني، تصلنا أخبارها عبر دمشق، فتؤكد فينا الشعور بوحدة المصير، ربما لهذا امتزجت في هتافاتنا الحارة سورية والجزائر، كما امتزجت في شعورنا بالعداء صور بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، وكان ذلك بديهيا، لم ينظمه أحد.
الجزائر لم تقطع علاقتها مع سورية يوماً، ولم تقاطع سورية بأي شكل من الأشكال لا سياسياً ولا اقتصادياً، فالأيام أثبتت أن المقاربة من الأزمة السورية كانت صائبة وأنها لم تغير هذه القناعة حتى اليوم، رغم الضغوط التي تلقاها داخل الجامعة العربية وخارجها وأثبتت نجاعة مقاربتها مع الزمن.
فالجزائر كانت دائما تطالب برجوع سورية إلى مقعدها ، فقد دخلت في مواجهات دبلوماسية مع دول الخليج بسبب الملف السوري وتدهورت علاقاتها مع السعودية، وترفض سياسة الغرب تجاه دمشق وتعتبرها مؤامرة تحاك ضد الأنظمة العربية التقدمية.
واللافت في الفترة الحديثة، كيف تحولت دمشق حاضرة الشام إلى موطن للزعيم المجاهد عبد القادر الجزائري، فالمخزون التاريخي، والتقارب الروحي والمصيري الذين تشكلا بسبب وجود تلك المؤثرات زادت الموقف السوري قوة في دعم ومناصرة كفاح الشعب الجزائري ضد المستعمِر الفرنسي هكذا وقفت الحكومات السورية وشعبها قلباً وقالباً لتحقيق انتصار ثورة الجزائر على المستعمر الفرنسي، فكان للسوريين دور محوري في ذلك الكفاح حتى انتصرت الجزائر على الفرنسيين، ونالت حريتها وسيادتها واستقلالها.
واليوم يستمر الجزائريون على موقفهم المبدئي من علاقة بلادهم مع شقيقتهم سورية، فنرى عدداً من الشخصيات الجزائرية يتقدمهم المجاهد الرائد لخضر بورقعة، والمناضلة الكبيرة جميلة بوحيرد يدقون أبواب دمشق لتشكيل لجنة جزائرية لكسر الحصار على سورية وإسقاط “قانون قيصر” الذي يهدف إلى تجويع الشعب السوري وتحضير قافلة تحتوي على مواد غذائية وطبية لإرسالها إلى دمشق جواً أو بحراً، تعبيراً عن تضامن أبناء الأمّة مع شعب سورية الذي لم يقصر يوماً في التضامن مع كل قضية عربية أو إنسانية عادلة.
نحن في سورية كنا وما زلنا نتطلع لعلاقات متجذرة فريدة في مختلف المجالات مع الشقيقة الجزائر، وتقديم مصلحة الأمة على أي مصالح ثنائية لا تخدم الأمة بأكملها، لذا يجب أن تبقى سورية والجزائر على وئام ووفاق إنطلاقاً من إستيعاب دروس التاريخ أنه كلما كانت سورية والجزائر في خندق واحد، وموقع واحد متضامنتين باعتبارهما "في جبهة واحدة" لمواجهة التهديد الإرهابي.
مجملاً.... إن تمتين العلاقات السورية الجزائرية تمثل في الظروف الحالية حاجة إستراتيجية للطرفين، والتنسيق بينهما سيعيد إلى المنطقة شيئاً من التوازن ومنطلقاً للتأسيس لحالة من الاستقرار في خضم المرحلة المضطربة حالياً.
وباختصار شديد يمكنني القول : لقد آن الأوان لنتعاون مع باقي قوى التوازن بالعالم لإنقاذ سورية من الدمار والخراب، ونتجاوز أزمتنا والمضي بوطننا الكبير "سورية" نحو المستقبل الزاهر، من خلال كسر الحصار على سورية والتصدي لما يحضر للمنطقة من تفاهمات وتنازلات تحت مسمى صفقة القرن التي يراد من خلالها بيع القضية الفلسطينية والتخلي عن الحقوق بما فيها حق العودة، وفي الوقت نفسه قد حان لإعادة ضبط البوصلة العربية بعد أن تعرضت للاختراقات وكانت البداية من تدمير سورية.