تحالف قطبا الاستبداد السياسي و الديني في احتلال العقل العربي والإسلامي

27.06.2018

كثيرا مانسمع في هذه الأيام بالإسلام المتطرف والإسلام الوسطي والإسلام المعتدل ونرددها نقلا عن وسائل الإعلام دون أن نكلف أنفسنا عناء التساؤل عن معاني هذه المصطلحات الخبيثة التي لاعلاقة لها بالاسلام. 

في الحقيقة، لايوجد تطرف في الإسلام  ومن تطرف فهو ليس بمسلم وإن ادعى ذلك. لاتوجد وسطية أو اعتدال في الإسلام، فالإسلام واحد للجميع ليس فيه درجات ولا يمين أو يسار، كل من يعبد الله على ملة ابراهيم  هو مسلم.

كل مايدعوا للمحبة والسلام بين الناس بمختلف عقائدهم وقومياتهم هو مسلم. كل ما يدعوا لحقن الدماء وخدمة المواطن والحفاظ على الوطن وينبذ الفساد والتخريب فهو من الاسلام. وكل ماعداه فهو لايمت للاسلام بشيئ.

على مدى أكثر من ألف عام، حرص الفقهاء على تحويل حياتنا إلى قيود مقدسة تحكم أقفالها على كل تصرفاتنا. لاحقونا حتى المرحاض ليفتوا بنوع الحجر الذي يجب استخدامه في الاستنجاء وحجمه وطريقة استعماله. حولوا وظائف الحياة  بكل مكوناتها وتفاصيلها لطقوس دينية مقدسة تحتاج لدليل من الكتاب او السنه، وإن لم يجدوا فيها ضالتهم فأمامهم أبواب القياس والإجماع  والاجتهاد ومنامات الصالحين مفتوحة على مصاريعها بحيث إنهم لم يتركوا للمسلم حرية التصرف بأي شيئ.

ثم نصبوا أنفسهم أوصياء على الدين وخلفاء لله على أرضه،  فكفروا أصحاب الآراء المغايرة لآرائهم وأفتوا بقتلهم فاتحين بذلك الباب على مصراعيه امام عمليات التصفية السياسية للخصوم تحت ستار الدين.

خنقوا كل الأصوات المعارضة عبر تحالف يسكت السلاطين بموجبه عن تصرفات الفقهاء ويحترمون مصالحهم، ومقابل ذلك، تعهد رجال الدين بإخضاع الشعب لهم.

من هذا التحالف المقدس بين الشراذم المنتفعة من رجال الدين والسلاطين استمدت الأنظمة الاستبدادية العربية والإسلامية نسغ الحياة. 

وكالعادة، فقد برر الفقهاء فتاويهم بحديث نسبوه زورا للرسول جاء فيه:

"إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر. فهل حقا سيؤتي  الله المخطئ أجرا على الخطأ؟ طبعا لا، فالله تعالى قال: إن الحسنة بعشر أمثالها والسيئة بمثلها. وليس في القران مايؤكد بأن المجتهد من السادة العلماء الأكابر إن أصاب فله ضعفين من الأجر، وإن أخطأ فله أجر على الخطأ. 

وهناك أحاديث كثيرة نسبت للرسول تزين خضوع المسلم لحكامه مهما فعلوا به وهذا بعض منها: ( الصبرعلى حاكم ظالم ستين سنة خير من فتنة ساعة).

عن ابن عباس، عن النبي قال: من كره من أميره شيئاً فليصبر، فإنه من خرج من السلطان شبراً مات ميتة جاهلية.

عن الزبير بن عدي قال: أتينا أنس بن مالك فشكونا إليه ما يلقونه من الحجاج فقال: إصبروا فإنه لايأتي عليكم زمان إلا الذي بعده شر منه، حتى تلقوا ربكم، سمعته من نبيكم. 

بمثل هذه الخزعبلات والخردوات اللغوية الفارغة قام الحلف المقدس بين السلطات الحاكمة سواء كانت وطنية أم محتلة وبين رجال الدين المسيسين الذين قبلوا أن يكونوا تابعين مخلصين لهم يبررون لهم نزواتهم باسم الله. فأعادوا بذلك تشكيل العقلية العربية الاسلامية خانعة أمام الطاغوت السياسي وخاضعة لارهاب الفكر الديني. 

أطراف هذا التحالف قاموا بأكبر عملية تدجين فكري عرفها التاريخ، فهم قضوا على نموذج أبا ذر الغفاري الذي قال: أعجب لمسلم كيف يجوع ولا يخرج شاهراً سيفه. ودجنوا نوعاً جديداً من المسلمين الذين استمعوا لخطبة الخليفة ابو جعفر المنصور في عرفه فسكتوا عنه حين قال: (أيها المسلمون، إنما أنا سلطان الله في أرضه وأسوسكم بتوفيقه وإرادته وتأييده، وحارسه على ماله أعمل فيه بمشيئته وإرادته، وأعطيه بإذنه فقد جعلني الله عليه قفلاً إذا شاء أن يفتحني فتحني لإعطائكم وإذا شاء أن يقفلني عليه أقفلني). 

سمع المسلمون ذلك وسكتوا عندما كان يجب عليهم الكلام وبذلك، أضاعوا كل حقوقهم المدنية كمواطنين بل، وفقدوا حق المطالبة بها وذلك تحت ستار الاسلام والتقى والورع.  فالخليفة إنما يسوسهم بتوفيق من الله وكل ما يفعله هو بإذن الله، فإن أمره الله أن يحسن إلى الناس أحسن إليهم، وإن أمره أن يقطع أعناقهم وأقواتهم فعل ذلك ولامجال للاحتجاج لأنه يتم بأمر الله ومن يحتج على أمر الله  يكفر ويحق قتله. يالها من دوامة جهنمية وحبل من مسد لفه حول أعناقنا شيوخ الضلال باسم الله.

ورسخ الأئمة هذه القناعة لدى العامة بإفتراء بعض الأحايث التي نسبوها للرسول زوراً مثل: (تسمع وتطيع الأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك، فاسمع وأطع). 

وبذلك أصبح جسدك ومالك تحت سلطة الأمير الذي لاتعرف متى يأمره الله بكسر ظهرك ومصادرة أموالك. فأصبح المواطن زاهداً في الدنيا قانعاً بفقره لأن الفقهاء أقنعوه بأن الرزق مقسوم لحظة خلق الإنسان وألفوا لتأييد رأيهم احاديث جديدة تزين الفقر لعامة المسلمين وبالتالي، فقد حملوا مسؤلية فقر المواطن لله وألغوا بذلك دور سعي الانسان لاكتساب رزقه ومسؤولية السلطان في توفير فرص الارتزاق للمسلم. ومن خالف هذه الاحكام المقدسة التي التفت على اعناقنا كحبال المشانق اتهموه بالكفر وأحلوا قتله.

فقهاء الضلال حاصروا المسلم بجنود الله وأعوان السلطان إبتداءً من نخاعه الشوكي وحتى قلامات أظافره. فتولد لدى المسلم شعور بأنه مراقب من قبل الملائكة في السماء والمخابرات على الأرض إبتداءً من  لحظة بدء تكونه برحم أمه إلى لحظة دخوله القبر وربما قبل ذلك وبعده.

فحسب ما يقوله الفقهاء، فإن الله تعالى قبل أن يخلق الإنسان (حمل حفنة من التراب وقال: هذه إلى النار ولا أبالي، وحمل حفنة أخرى وقال: وهذه إلى الجنة ولا أبالي) كما جاء في كثير من الأحاديث القدسية. أي أن مصيرنا محدد منذ أن كنا في الحالة الترابية.

وإن الله قدر عمر الانسان ورزقه وسعادته وشقاوته وهو مازال علقة في رحم أمه.

وبعد ولادته يخضع لوالديه بكل شيء لقول الرسول الولد وما يملكه لأبيه، والجنة تحت أقدام الأمهات.

وفي المدرسة، وعلى نبرات تهديد المعلم بأن العصا لمن عصا عليه أن يحول دماغه إلى سلة قمامة يملؤنها بما شاءوا من النصوص الدينية المحرفة وخطب السلطان الحكيمة وضرورة اتباع آراء الفقهاء والعلماء قدس الله سرهم. 

وهكذا، يشب المسلم محطم الشخصية عديم المبادرة خائفاً من تحمل المسؤلية. فإن أخطأ بشيئ، فالمذنب هو الشيطان وليس هو. وإن نجح بشيئ، فالفضل لله وللسلطان وليس له. وبذلك أصبح المسلم مجرد عباءة يختبئ تحتها الله ليلهمه العمل الصالح، أو يتقمصها الشيطان ليوحي إليه ارتكاب المعاصي. أي لايوجد أي دور لعقل المسلم وتفكيره الذي خاطبه الله بعشرات من الآيات. ولا دور لحرية الإختيار التي منحها الله للإنسان بقوله (من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر). ولا دور للسعي الذي أمرنا الله به بقوله (وقدر فيها أقواتها بأربعة أيام سواء للسائلين). كل شيئ مقدر من الله الذي كلف السلطان بتنفيذ اوامره على الأرض بمعونة شيوخ لايجوز للمسلم أن ينتقدهم حتى وان تجاوزوا أحكام القرآن. وحكم علينا بالخضوع للسلطان لأنه وكيل الله في الارض، واتباع الفقهاء لانهم الوحيدون الذين الذين سيرسمون لنا طريق النجاة والوصول الى الجنة. وبذلك حكمواعلينا بالعبودية ابتداء من صرخة الميلاد وحتى رعشة الموت.

هذا الجيل الذي ربيناه على مثل هذه الخرافات هو الذي يدك اليوم بنيان الوطن السوري ويهدمه على رؤوسنا اليوم. وأنا لا ألوم الإرهابي، فهو مجرد أداة عمياء للإرهاب بل، ألوم وأتهم الفكر الارهابي الذي غرسه شيوخ الطوائف في عقول شبابنا تحت سمع وبصر الدولة بل، وبمساعدة منها.

كل ما وصلنا إليه من خيبات متوالية على مدى 1400 سنة سببه قمع الافكار الحرة الذي أدى إلى التفرد بالرأي وهو بدوره أدى إلى الاستبداد السياسي. وانعدام الحوار بين الأديان والطوائف الذي أدى إلى تقوقع الفكرالديني حول نصوص تراثية اتخذت مظهر الدين. وبالنتيجة بنينا إنسانا مشلول التفكير ماديا وروحيا، تسيطر الدولة على جزئه المادي والشيوخ على جزئه الروحي.  مثل هذا الجيل الممسوخ فكريا والمفصوم روحيا والفاشل سياسيا لن يبني دولة بل، سيبني سجونا طائفية لأتباعهم سرعان ما تتحول الى مقابر للجميع.