إسرائيل تدخل الصراع الدولي على خطوط الغاز... ومحاور جيوسياسة جديدة

06.05.2019

يحتدم الصراع الجيوسياسي على خطوط الغاز الدولية، واليوم صرحت الخارجية الأمريكية: نحض تركيا على عدم المضي قدماً بأنشطة تنقيب عن النفط والغاز قبالة السواحل القبرصية، فهذه الخطوة بالغة الاستفزاز وتهدد بإثارة التوترات في المنطقة.

تعتزم إسرائيل بناء أطول خط أنابيب للغاز تحت الماء في العالم مع قبرص واليونان لنقل الغاز من شرق البحر المتوسط ​​إلى إيطاليا ودول الاتحاد الأوروبي الجنوبية. وصادق وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو على هذا المشروع.

وهذا سيشكل تهديداً لخط أنابيب الغاز التركي – الروسي المنافس، وخط أنابيب قطري – إيراني – سوري محتمل، فضلاً عن تقويض الأمر الواقع لمحاولة واشنطن نقل المزيد من الغاز الطبيعي المسال الأمريكي إلى الاتحاد الأوروبي لتقليل الاعتماد على روسيا.

يُعرف المشروع، الذي تجري مناقشته لعدة سنوات منذ أن اكتشفت إسرائيل احتياطيات كبيرة من الغاز في حقل ليفياثان البحري، باسم مشروع خط أنابيب شرق البحر المتوسط. سوف يتدفق الغاز الطبيعي من إسرائيل عبر قبرص وكريت واليونان للوصول إلى مرفأ أوترانتو في الجنوب الشرقي لإيطاليا. وتدعو الخطط إلى إنشاء خط أنابيب بطول 2100 كيلومتر على عمق ثلاثة كيلومترات تحت البحر الأبيض المتوسط. وتقدر التكلفة بـ 7 مليارات دولار مع فترة بناء مدتها خمس سنوات.

من الجدير بالذكر أن الإمارات العربية المتحدة، استثمرت بالفعل 100 مليون دولار في مشروع تطلق عليه صحيفة جيروزاليم بوست، "حجر الزاوية السري الذي يقوم عليه التغير في العلاقة بين أجزاء من العالم العربي والدولة اليهودية".

قد تكون هذه إشارة إلى اقتراح الولايات المتحدة لعام 2017 بإنشاء "الناتو العربي" مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربية الأخرى، مدعومة بالمخابرات الإسرائيلية، لمواجهة تأثير إيران في المنطقة. كما لا تزال العلاقات بين إسرائيل وبعض الدول العربية قوية.

من المؤكد أن تركيا وهي أحد اللاعبين الإقليميين غير راضية عن خط أنابيب الشرق الأوسط الإسرائيلي المقترح. عندما اقترحت إسرائيل الفكرة لأول مرة قبل عامين، سرعان ما تحول أردوغان إلى روسيا لتوقيع اتفاق لبناء قناة "تركيش ستريم" التابعة لشركة غازبروم الروسية لمنافسة إسرائيل. وظهور حقول الغاز في الجزء اليوناني من قبرص في الأشهر الأخيرة، جعل أردوغان تركيا أقرب إلى إيران وبالإضافة لقطر، ومع تزايد التوترات مع المملكة العربية السعودية وإسرائيل، يبدو أن الصراع بين السنة والشيعة أخذ بالتراجع أمام تقدم الصراع الجيوسياسي والسيطرة على خطوط الغاز.

كان هناك انقسام كبير في صيف عام 2017، بين دول الخليج العربية، حيث أعلنت المملكة العربية السعودية فرض حظر على قطر بسبب "دعمها للإرهاب". في الواقع، كانت هذه الخطوة تهدف إلى قطع المحادثات الخفية المتنامية بين قطر وإيران، وكلاهما يملك أكبر حقول للغاز الطبيعي في الخليج العربي. يُطلق على القسم القطري اسم الحقل الشمالي ويقال إن الغاز الطبيعي المسال فيه هو ذو أقل تكلفة استخراج في العالم، مما يجعل قطر في السنوات الأخيرة أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال. ويطلق على القسم الإيراني المجاور اسم الحقل الجنوبي.

بعد إنفاق ما قيمته 3 مليارات دولار لتمويل الجماعات الإرهابية المناهضة للحكومة السورية وإيران في سوريا، في محاولة عقيمة للحصول على خط أنابيب عبر سوريا إلى تركيا وإلى سوق الغاز الضخم في الاتحاد الأوروبي، يبدو أن القطريين الأذكياء في مرحلة ما، بعد دخول روسيا الحاسم في حرب سوريا في أواخر عام 2015، أدركوا أنها قد تكسب أكثر من خلال تغيير الجوانب والعمل سراً مع إيران والحكومة السورية وأردوغان لإدخال الغاز القطري والإيراني إلى السوق. كان هذا هو السبب الحقيقي للخلاف بين قطر والسعودية. الجدير بالذكر هو حقيقة أن كل من إيران وتركيا جاءتا لمساعدة قطر عندما حاول السعوديون حظرهم.

قناة تركيش ستريم الروسية

تم الانتهاء من أقسام البحر الأسود لخط أنابيب الغاز الروسي التركي في نهاية عام 2018 مع التشغيل الكامل، لتبدأ في وقت لاحق في عام 2019، حيث توفر 31.5 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً، نصفها، أي حوالي 16 مليار متر مكعب، متاحة لأسواق الاتحاد الأوروبي. يفعل تركيش ستريم، مثلما يفعل نورث ستريم، كلاهما يسمحان للغاز الروسي بالوصول للاتحاد الأوروبي بشكل مستقل عن خطوط أنابيب أوكرانيا المعادية سياسياً. من محطة كييكوي في تركيا، يمكن أن يذهب الغاز الروسي إما إلى بلغاريا أو اليونان العضو في الاتحاد الأوروبي أو كليهما.

بدأت صربيا التي ليست عضواً في الاتحاد الأوروبي للتو ببناء قسمها من خط أنابيب "تركيش ستريم" لنقل الغاز الطبيعي الروسي إلى أوروبا. وقال وزير الخارجية الصربي "إيفيتسا داتشيتش" مؤخراً في موسكو إن خطط صربيا لبناء قناة الغاز لا تتوقف على عمل بلغاريا. سوف ينقل خط "تركيش ستريم" الغاز الروسي عبر بلغاريا وصربيا والمجر.ولا تشعر بروكسل بسعادة حول هذا الموضوع.

تدخل الآن إسرائيل في اللعب، من خلال صداقة أوثق مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، بدعم من واشنطن، وبتمويل من شركة فرنسية "IGI Poseidon"، وهي تقدم خياراً منافساً آخر لكل من قطر وإيران وتركيا وكذلك إلى روسيا. تهدد تركيا بالتنقيب عن النفط والغاز في الجزء التركي من قبرص بينما يعارض لبنان المزاعم الخارجية لخط أنابيب إسرائيل إلى قبرص. وأعلنت إكسون موبيل للتو عن اكتشاف كبير للغاز في المياه البحرية القبرصية المتنازع عليها بين تركيا واليونان.

ومن الواضح أن صراعات الطاقة الجيوسياسية المستقبلية في شرق البحر المتوسط يتم التحضير لها مسبقاً.