صندوق النقد الدولي في رحاب لبنان فما مدى خطورته عليه؟
نجحت القوى الرأسمالية الغربية والأمريكية بأحد أهم مهماتها في لبنان دون أي تدخل عسكري أو مواجهة مع القوى التي طالما اعتبرت نفسها أنها "الحامي" للسيادة والكرامة من أي عدوان خارجي يطمع بلبنان.
دخلت البلاد المرحلة الطوعية الأولى عبر الموافقة اللبنانية الرسمية بحكومته على بدء المفاوضات مع صندوق النقد الدولي حيث أتت نتائج الجولة الأولى كارثية للدولة اللبنانية مع استعداد لبنان الكلي لكل شروط المؤسسة الدولية من اعتماد سعر صرف مرن للعملة وصولا إلى تعويم الليرة اللبنانية. لكن لم يقل أحد ما هي تبعات هذه الشروط على المجتمع اللبناني والمواطنين والفئات الفقيرة والمتوسطة.
"هناك طريقتين لاستعباد أمة ما، الأولى بالسيف والثانية من خلال الديون"
تطرح هذه المؤسسات الدولية (صندوق النقد والبنك الدولي) عناوين براقة للدول الفاشلة بسياستها المالية والاقتصادية واللاهفة وراء المساعدات المالية لإنقاذ نفسها وحكامها من السقوط الشعبي، ومن أبرزها إدارة الأزمات ومعالجتها والتكييف والإصلاح الهيكلي وذلك من خلال اعتماد سياسات مالية مثل خفض الإنفاق العام وخفض الدعم والنفقات الاجتماعية وزيادة الضرائب والرسوم المختلفة على المواطنين.
كما تشمل سياسات صندوق النقد الدولي، سياسة تحرير سعر الصرف، وتحرير السياسة التجارية من القيود، والخصخصة حيث يسعى صندوق النقد والبنك الدولي إلى التصحيح المالي عبر هذا الإجراء، من أجل تخفيف الدين العام، وتخفيف حدّة الخسائر التي تتكبّدها الدولة نتيجة دعمها وتمويلها للقطاع العام. بالإضافة إلى إعطاء الدول التي تعاني من الصعوبات المالية في ميزان مدفوعاتها، القروض بالشروط التي يفرضها الصندوق، وهذه الشروط تمس السيادة الوطنية للدولة المعنية بشكل مباشر.
القاتل الاقتصادي ومهماته
تتكون المؤسسات الدولية المالية والاقتصادية من خبراء ماليين واقتصاديين يعملون على مبدأ القوة حيث يفرض هؤلاء شروطهم على الدول والرؤساء والحكومات من منطلق القوة حيث أنهم يسعون خلال جولات التفاوض المالية من استباح ما يمكن من سيادة الدول و"شفط" ثرواتها مقابل مساعدات مالية لا يصل إلا القليل منها كيف ذلك؟
يقود هؤلاء القتلة العمل الفعلي بعد المفاوضات مع الدولة المستدينة حيث من أهم شروط المؤسسات الدولية توظيف خبرائها واقتصادييها ليتم من خلالهم مراقبة سير الاتفاق بين الطرفين. وبحسب أحد الوكلاء السابقين العاملين في هذا المجال يقول أن الدولة المستدينة لا تحصل إلا على الجزء الصغير من القرض المالي والمبلغ المتبقي يتم استثماره عبر شركات دولية تابعة للنقد الدولي تقوم ببعض المشاريع التنموية في البلاد بالتسيق والتعاون مع رؤوس الأموال المتحكمة التي تستفيد بدورها من هذه القروض المالية والمشاريع عبر التلزيم والمشاركة.
أما المرحلة الثانية والتي تسمى بالإلزامية، تعد هذه الخطة المؤسسات الدولية بالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية حيث أن فشل الدولة المتجدد يضعها أمام كمية ضخمة من الديون للمؤسسات الدولية التي منحتها الديون في المقام الأول وأيضا للشركات الكبرى التي تعمل في مشاريع على أراضيها، حينها يأتي دور القاتل الاقتصادي مرة أخرى للقضاء على الضحية، أي الدول المستدينة، بشكل كامل، لينبه قادة تلك الدول والمسؤولين فيها أنهم أمام ديون ضخمة لا يقدرون على سدادها، والحل هو بيع المواد الخام الموجودة لديهم بسعر رخيص للشركات الأمريكية، أو عرض حل الخصخصة وبيعها للأمريكي، وبيع الخدمات المحلية للشركات الدولية مثل بيع المدارس أو المستشفيات وغيرها من الأمور.
كما يصبح القرار السياسي مرهونا من خلال الحق بالتدخل بكل شاردة وواردة والضغط السياسي المستمر عبر فرض إملاءات وشروط سياسية محددة بكيفية التعاطي مع الدول الأخرى وغيرها من الأمور التي تمس بسيادة الدولة الفعلية.
لبنان كمثال للتطبيق
يتميز لبنان بموقع جغرافي استراتيجي في المياه الدافئة ويعد جذابا للكثير من الدول العظمى التي لطالما سعت إبقاء تأثيرها في بلد صغير يحمل تناقضات مذهبية ودينية جمة في مجتمعه المركب بحرفية من دول الاستعمار التي سعت بهذه الطريقة إبقائه ضعيفا ومخروقا شهد منذ نشأته الكثير من الحروب والنزاعات الإقليمية والدولية على أراضيه حيث بات ملعبا للآخرين.
واليوم وبعد وضع المؤسسات النقدية والمالية الدولية يدها على لبنان ما هي الشروط التي قد تطالب بها مقابل المساعدات المالية للبنان وشعبه؟
- تساهم تدخلات المؤسسات الدولية ووجود الخبراء والقتلة الاقتصاديين إلى إضعاف السيادة الوطنية عبر التدخل بالقرار السياسي الخارجي والداخلي في الكثير من الأحيان ومن غير المستبعد أن تطالب هذه المؤسسات، التي تقف واشنطن ورائها، بسلاح "حزب الله" اللبناني.
-زيادة مهمات وتوسيع نطاق عمليات القوات الدولية جنوبي لبنان وإعطائها صلاحيات استثنائية لمواجهة المقاومة وسلاحها في المنطقة الحدودية.
- بتنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي، إلى جانب 1559، القرارين 1701 و1680، والأخير هو الذي يدعو إلى ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا والتي من شأنها مراقبة الحدود بين البلدين وإقفال المعابر غير الشرعية التي يستخدمها الحزب في إطار علاقته الاستراتيجية مع سوريا.
-إجبار لبنان على ترسيم الحدود البحرية بينه وبين إسرائيل بشكل يتضارب مع مصلحة لبنان الاقتصادية والوطنية.
-عملية الابتزاز النفطي من خلال إجبار لبنان على توقيع اتفاقيات خاسرة مع شركات نفطية أمريكية وغربية تكون لديها شروط خاصة على أصحاب الثروة الحقيقية.