أردوغان يربح حرب الزعامة على بن سلمان
لم يغِب التنافس السعودي التركي على مكانة الزعامة الإسلامية طيلة السنوات الثماني العجاف للربيع العربي الذي تقاسمت قيادته الدولتان، وتناوبتا عليها.
ففي الربع الأول تقدّمت تركيا على السعودية عندما كانت قطر وقناة الجزيرة تصنعان "الثورات" وتشكلان الحكومات في مصر وتونس، وتقودان الحرب على سورية، وكانت العثمانية الجديدة مشروعاً تراهن عليه واشنطن للإمساك بآسيا بمثل رهانها على الاتحاد الأوروبي لوراثة دول أوروبا في الاتحاد السوفياتي السابق.
وفي الربع الثاني تقدمت السعودية بسقوط مشروع الأخونة في مصر وتونس، وعودة النظام السابق بحلة جديدة بدعم سعودي معلن، وبالانتقال إلى الرهان على تنظيم القاعدة بتمويل سعودي ورعاية سعودية للفوز بالحرب على سورية.
وفي الربع الثالث خسرت السعودية وتركيا معاً رهان الشراكة في التفاهم النووي مع إيران، كما خسرتا رهاناتهما المتعاكسة والمتشاركة في الحرب على سورية، عبر تنظيم داعش. ويقارب الربع الرابع على النهاية، بعد تقدّم بالنقاط حققه ولي العهد السعودي بعدما وضع كل البيض والمال السعوديين في سلة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وبدا أنه يتوّج ولياً على العالم الإسلامي، وبدت تركيا في موقع التراجع المالي والسياسي والعسكري.
في نهاية الربع الأخير، تخسر السعودية وتربح تركيا كرسي الزعامة، حيث تحجز إيران دور الند والشريك الموازي، وتحجز "إسرائيل" دوراً إقليمياً تدعمه واشنطن بكل ثقلها، وتتراجع مصر عن دور الريادة. ففيما يبدو ولي العهد السعودي عالقاً في حرب اليمن، يبدو الرئيس التركي وقد امتلك بوليصة التأمين الروسية للخروج من الحرب السورية، وحيث ولي العهد السعودي عنوان الجرائم بحق الإنسانية في اليمن، يقود الرئيس التركي تسوية إدلب التي جنبت المنطقة حمام دم مرهقاً. وبالتوازي تبدو السعودية شريك الفشل الأميركي في صفقة القرن التي ولدت ميتة تحت عنوان تثبيت القدس كعاصمة لـ»إسرائيل»، نجت تركيا بجلدها من اللعبة، وبقيت تركيا قادرة على التعامل بعقلانية مع التوتر الأميركي الإيراني مدركة أن الهدف النهائي لواشنطن هو التفاوض، وأن الزعامة الموازية لإيران ستكتب لمن يملك قدرة التخاطب معها بعد نهاية الأزمات وفي زمن التسويات. فحافظت على مشترياتها من النفط والغاز من إيران رغم العقوبات الأميركية، بينما لم تخف السعودية وقوفها وراء التحريض على العقوبات. وعندما تنتهي الأزمات، لن تنسى إيران المواقف، وبينما تجلس السعودية في الحضن الأميركي، نجحت أنقرة في تظهير جمعها بين الانتماء لحلف الأطلسي وبناء أفضل العلاقات من موقع مستقل مع روسيا.
تأتي قضية اختفاء جمال الخاشقجي، واحتمال مقتله، لتضع السعودية وتركيا وجهاً لوجه، وتظهر تركيا كدولة تتصرّف بذكاء، تعزز مضبطة الاتهام الدولية للسعودية من جهة، وتمتنع عن إثارة أزمة علاقات ثنائية مع السعودية، بينما تبدو السعودية غارقة في الارتباك وقد ارتكبت الغلطة القاتلة وتتوهم أن الحملة الإعلامية تخرجها من المأزق، فيما كرة الثلج تكبر وتكبر، والصحف الغربية تجمع على استحالة الثقة بولي العهد السعودي كشريك يمثل العالم الإسلامي في صناعة السياسة، خصوصاً بعدما جاءت رياح الانتخابات الباكستانية بعكس ما تشتهي السفن السعودية، في ظل المكانة التي تحتلها باكستان في مستقبل أفغانستان، وما يحتله الملفان الباكستاني والأفغاني في الحسابات الأميركية، وفي العلاقات الصينية الإيرانية.