قوة إيران السيبرانية واستراتيجية المواجهة مع الولايات المتحدة

05.02.2020

لم يعد شكل الصراع الأمريكي- الإيراني مقتصراً على أنماط الحروب الكلاسيكية، بل تطور ليأخذ أشكالاً جديدة ضمن حروب الأجيال المتقدمة وهي الحرب السيبرانية. و بات من الضروري سعي إيران جاهدة لتحويل حالة انعدام التوازن والقوة المطلقة مع الولايات المتحدة إلى ميزة تكتيكية تمكنها من إدارة الصراع بشكل مؤثر .

تتسم الحرب السيبرانية بأنها حرب غير معلنة وسريّة لا يشعر بها سوى الطرفين ( المهاجم والمستهدف) حيث تخطط لهذا النوع من الحروب و تنفذ في (الغرف المغلقة) ولا تترك آثار تدميرية مباشرة كما هو الحال في الحروب التقليدية، وقد اتخذ الأمن السيبراني أهمية كبيرة خلال العقد الأخير لا يقل شأناً عن الأهمية التسليحية المباشرة للوحدات القتالية .

القدرات السيبرانية لأمريكا و إيران

حققت إيران تفوقاً وتطوراً نوعياً على صعيد قدراتها السيبرانية، فبدأت ببناء وحدات دفاعية سيبرانية متقدمة عُرفت باسم "الباسيج" الذي يضم أكثر من 120 ألف متطوع وذلك عقب تعرّضها لهجوم أميركي بواسطة فايروس (ستاكسنت)، كما أنشأت المجلس السيبراني الإيراني الأعلى عام 2012 الذي يختص برسم الاستراتيجية الأمنية السيبرانية، واستهداف الوكالات والمؤسسات الأمريكية إلى جانب المنشآت "الإسرائيلية".

بالنسبة للجانب الأمريكي فتعد واشنطن من الدول الرائدة بمجال الأمن السيبراني، وتسعى بشكل مستمر لتحديث قدراتها، وتجديد استراتيجياتها الأمنية السيبرانية، ففي عام 2016 أنشأ الجيش الأمريكي قيادة عسكرية جديدة لحماية الأمن القومي من الهجمات االسيبرانية الخارجية. في عام 2018 أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية تبنّي استراتيجية "الدفاع المتقدم والاشتباك المستمر"، والتي تعني إلحاق الهزيمة بالعدو يعقر داره وإلحاق الضرر المباشر في كل القطاعات.

إضافة إلى حليفتها "إسرائيل" التي تعد أيضاّ متقدمة ي هذا المجال، حيث كشفت صحيفة "يديعوت أحرنوت الإسرائيلية" في عام 2018 عن قيام ما يسمى " شعبة الأمن السيبراني" التابعة للجيش، بتنظيم مؤتمر دولي موّسع بمشاركة 40 مسؤولاً من أكثر من 17 دولة في النقب لتشكيل تحالف دولي في مجال الأمن السيبراني وتبادل المعلومات، وأشار ضابط في الشعبة إلى أهمية السلاح السيبراني ومدى فعاليته والهدف الأساسي منه وهو مهاجمة الجيوش والدول دون تحمّل تكاليف كبيرة قادرة على شل الحياة فيها بمختلف المستويات، وأكّد الضابط "الإسرائيلي" بأن يجري العمل على تطوير منظومات دفاعية وهجومية حديثة وإنشاء أكثر من 26 مركز بحثي متخصص في هذا المجال .

مخاوف أمنية متصاعدة وتهديدات مستمرة 

استخدمت إيران فريقها السيبراني  في العديد من المجالات للرد على سياسات الولايات المتحدة الأمريكية تجاهها.

فمنذ عام 2011 وحتى 2013، تعرض نحو 46 مؤسسة مصرفية وشركة مالية للهجمات الإيرانية.

وردا على العقوبات الأمريكية عام 2013/2012؛ قام الجيش السيبراني الإيراني بشن هجمات تسببت في توقف خدمة الإنترنت بالمصارف الأمريكية الكبرى، وببورصة نيويورك وناسداك NASDAQ.

وجاء استشهاد قاسم سليماني (قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري) بالثالث من كانون الثاني، ليمهد الطريق لزيادة معدل الهجمات السيبرانية الإيرانية، حيث نشرت مجموعة الأمن السيبراني "دراغوس" تقرير تشير إلى خطر قيام إيران باستهداف مباشر النظام الكهربائي في الولايات المتحدة، بعد أن رصدت شركة دراغوس محاولات تسلل لمجموعة من القراصنة تسمى Magnallium بمساعدة مجموعة أخرى يطلق عليها أسم ".Parisite"

و في 4 من الشهر ذاته، قام الجيش السيبراني الإيراني باختراق الموقع الإلكتروني لبرنامج مكتبة الإيداع الفيدرالية الأمريكية، وتم نشر صورة على الصفحة الرئيسية تحمل تهديدا بانتقام إيران، مع وجود صور لترامب وآية الله خامنئي والعلم الإيراني.

وعلى الصعيد ذاته حذّر مدير وكالة الأمن السيبراني بوزارة الأمن الداخلي الأمريكية، كريستوفر كريبس  من إمكانية استخدام إيران أسلوب "التصيد بالحربة" وهو عبارة عن رسائل بريد إلكتروني تُرسل لأشخاص محددة مسبقا، وبمجرد أن يقوموا بفتح الملفات الموجودة بها تعمل على سرقة البيانات ومحوها، والتحكم في الأجهزة، كما أبدى خبراء الأمن السيبراني الأمريكيون تخوفهم من حدوث هجمات سيبرانية إيرانية على شبكات المحليات والبلديات الأمريكية، والتي تضم خدمات مثل جمع الضرائب.

خلال المتابعة لاستراتيجيات إيران في الهجمات السيبرانية عقب استشهاد سليماني، نجد أن الهجمات التي قامت تمثل نوعين من الهجمات؛ النوع الأول: هجمات عالية المستوى على منشآت النفط، أو شبكات النقل، أو القيادة العسكرية، و من أبرز العمليات التي أثارت جدلا وأضرارا جمة عملية مجموعة "سيف العدل القاطع" وفيروس "شمعون"  الشهير الذي استهدف في نسخته الأولى السعودية ومنشآت أرامكو عام 2012 و من ثم  بنسخة ثانية عام  2017و النسخة الثالثة عام 2018 .

الخلاصة.... تعكس استراتيجيات الحروب السيبرانية مرحلة متطورة من آلية الصراع والتنافس، التي قد تفضي إلى استهدافات جوهرية ترتبط بالمصالح الأمنية والجيوسياسية والاقتصادية للطرفين، في ظل عصر تتزايد فيه التهديدات الوجودية للدول بعيداً عن أساليب الحروب المباشرة والخسائر البشرية المباشرة