قوة ردع حزب الله تشتت القوة الإسرائيلية وتثبت معادلات الصراع
منذ بداية عمل حزب الله المسلح في لبنان، وهو يحاول الوصول إلى مستويات متعادلة في الردع مع (إسرائيل) . تفاهم تموز 1993 ونيسان 1996 شكّلا بداية موفّقة لتثبيت معادلة ردعيّة تحمي المدنيين بدرجة أساسية. ومع انتهاء حرب عام 2006 كانت قد ترسخت منظومة ردعيّة لدى حزب الله تسببت بهدم كل المعتقدات الإسرائيلية الموروثة على الصعد العسكرية والسياسية والنفسية . إذ لم تعد الآلة العسكرية كرمز للقوة وحدها من يحسم الصراع، صار الأمر يستلزم وضع افتراضات وتصورات وإدراكات جديدة على المستوى التكتيكي والاستراتيجي. أي أنّ المسألة باتت ترتبط بالرؤية والنموذج أكثر من ارتباطها بالتشكيلات العسكرية والنطاق العملياتي. وهنا لا بد من فهم كيف استطاع حزب الله من تطوير نظريته للردع وتنظيم قوى وموارد لوجستية بقوات قليلة خفيفة وأسلحة محدودة، شكّلت حلولاً نموذجية لكسر إرادة العدو وإفشال أهدافه؟ وكيف تمكّن من ردع التهديد الإسرائيلي والرد عليه خلال كل الحروب اللامتناظرة التي خيضت بينه وبين القوات الإسرائيلية حتى من دون استخدام القوة بل بالاكتفاء بنشرها فقط أو العزم على استخدامها أو التلميح باستخدامها.
وبعد حرب عام 2006 ظهرت إسرائيل مردوعة إلى حد كبير، وعلى الرغم من امتلاكها ترسانة عسكرية ضخمة ومخيفة لكن لم يكن لاستخدام هذه الأسلحة أثر في حسم الصراع، ولا حتى إلى نتيجة تتناسب والقدرات المفترضة لهذه القوة، بل ظلت المشكلة الاستراتيجية الجوهرية مع حزب الله قائمة حين استمر يعمل بطريقة مرنة لإفساد كل استخدام لقوة العدو وجعلها بلا فائدة استراتيجية وسياسية.
وخلال السنوات الماضية التي خاض فيها حزب الله معارك ضارية مع القوات الإسرائيلية أظهر الأمين العام للحزب براعة وحرفية عالية في مراوغة العدو ومنازلته والصعود بحركته العسكرية إلى قوة رادعة ومصدر تهديد استراتيجي للكيان الإسرائيلي. وفي السطور القادمة أبرز ما يمكن ملاحظته من مساهمات الأمين العام في بناء قوة الردع التي غدت رهاناً لحماية لبنان:
1. فهمه العميق لطبيعة القوة وجدواها وكيفية استخدامها بكفاءة على نحو متدرج، وضمن سياق وظروف تحقق الأهداف والغايات المرجوة منها.
2. نجاحه في إبراز القوة وإخراجها إلى حيز الوجود وإرادة نشرها واستعمالها عند اللزوم.
3. نجاحه في لجم العدو على استخدام القوة والنيل من استراتيجيته، وبراعته في قذف رسائل الرعب لإبطال وإفساد خطط العدو، والتأثير على معنوياته وتغيير نواياه من دون الاضطرار إلى المواجهة المباشرة.
4. نجاحه في اختيار الأهداف ومسرح العمليات وتوقيت الضربات وطريقة ومنهج تطبيق القوة وتوظيف النتيجة على المستويين السياسي والاستراتيجي.
5. قدرته على تحسس تهديدات العدو وتفسير نواياه وتحليل سلوكه في إطار هيكل نظري دقيق ومترابط.
6. فهمه للسياق السياسي والاستراتيجي الذي تدور فيه المعارك والحروب، وإيجاده التوازن بين العناصر السياسية المحلية والأهداف العسكرية ذات البعد التكتيكي والغايات الاستراتيجية .
يمكن القول إنّ السيد نصر الله، هو مصدر المنطق المحرك للردع في كل أساليبه ودرجاته، وهو التجسيد الشخصي الحي للقوة، المصمم على كسب صراع الإرادات. فشخصيته وحضوره وبأسه ومعنوياته وفهمه للقوة وجدواها وحسن استخدامها لها وإجراءاته في ربط القوى والإمكانات في إطار الهدف الاستراتيجي السياسي الأوسع، كلها من المكونات الأساسية الدالة على الإرادة المطلقة لردع العدو والفوز عليه.
خاتمة : ما زالت المواجهة بين حزب الله والعدو الإسرائيلي متواصلة وممتدة بأشكال متنوعة. وكلاهما وصلا إلى علاقة صراعية تقوم على مفهوم التدمير المتبادل في حال نشبت حرب شاملة. وفي السنوات الأخيرة خصوصاً مع دخول حزب الله الحرب في سورية كان كل طرف يعمل على بناء تموضعاته لإظهار القوة بهدف إبراز المستوى الذي وصل إليه من التحفز والتأهب للحظة يتم فيها اختبار جديد للقوة سيفوز به مَن يُحسن استخدامه بفعالية وذكاء. السؤال اليوم ليس ما إذا كانت إسرائيل قادرة على انتاج واستدانة القوة، وإنمّا في التحولات النفسية والجيوستراتيجية التي ظهرت تحديداً بعد الأزمة السورية والتي كان للسيد نصر الله دور رئيسي فيها والتي جعلت فكرة خفوت ضوء النجمة الصهيونية تثير استياء وتجهماً وقلقاً لا حدّ لأثاره النفسية !