قمة سنغافورة... ونجاح استراتيجي للرئيس الكوري كيم
عقد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون قمة في سنغافورة، وكانت مثالية أكثر من القمم السبعة التي عقدت في كيبك. وتوجت هذه القمة بأقاويل كثيرة، وأعطى السنغافوريون آمالاً كبيرة للعالم بأسره. وستعتمد هذه الآمال على الكثير من العوامل.
وقع ترامب وكيم الوثيقة الختامية شاكرين بعضهما البعض. وكان من الواضح أن قائدي البلدين مرتاحان لبعضهم البعض وأنهما يعتبران أول قمة بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية ناجحة. وأعلن كيم بداية جديدة وتغييرات كبيرة.
وقد وعد رئيس كوريا الشمالية في حفل التوقيع على الوثيقة النهائية قائلاً: "سيشهد العالم تغييرات كبيرة". وقال الرئيس الأمريكي أنه أقام علاقة خاصة مع الزعيم الكوري الشمالي ووقع معه وثيقة هامة للغاية. وأعلن عن ثقته في أن العلاقات بين البلدين ستكون مذهلة.
على ماذا وقع ترامب وكيم؟
من الواضح أن الرئيس الأمريكي يتعهد بتقديم ضمانات أمنية لكوريا الديمقراطية، وأكد الرئيس كيم جونغ أون التزامه بنزع السلاح النووي لشبه الجزيرة الكورية. وتتضمن الوثيقة التزامات الأطراف ببذل الجهود لإيجاد سلام دائم ومستقر في شبه الجزيرة الكورية، وفي جميع أنحاء العالم. وينص البيان الختامي أيضاً على أنه في المستقبل القريب سيستمر وزراء خارجية البلدين بالمحادثات من أجل ضمان تنفيذ نتائج القمة بين الولايات المتحدة وجمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية.
كما اعترف الطرفان في الوثيقة بأنها أول قمة بين الولايات المتحدة وجمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية وتشكل حدثاً مهماً، مما يدل على التغلب على التوترات والعداء الذي وقع بين الدولتين لعقود من الزمن. ويتعهد قادة البلدين بتنفيذ أحكام البيان المشترك بالكامل ودون تأخير.
النجاح كان مطلوباً من كلا الطرفين، ولكن بشكل خاص من قبل كيم
بعد التوقيع على الوثيقة المشتركة، عبر ترامب بطريقة مختلفة تماماً واصفاً الزعيم الكوري الشمالي بأنه رجل موهوب جداً، ومفاوض جيد جداً وذكي جداً، ويمتلك ليس فقط عقلاً بل أيضاً شخصية ممتازة. وانتهى ترامب من هذا المديح قائلاً إن كيم يحب بلده كثيراً. وأن هذا اليوم كان رائعاً.
مما لا شك فيه أنهم يحترمون بعضهم البعض. وإن كلمات ترامب التي تقول " نحن مرتاحون للغاية للحصول على شرف التوقيع على هذه الوثيقة" تظهر بوضوح أن الطرفين يتلاقون بالفعل.
وأعرب ترامب عن ثقته بأن العلاقة بين الولايات المتحدة وكوريا الديمقراطية ستكون مختلفة تماماً عما كانت عليه. وأشار الرئيس الأمريكي دون ذكر تواريخ محددة إلى أن عملية نزع الأسلحة النووية من كوريا الديمقراطية ستبدأ بسرعة كبيرة جداً، ودعا كيم لزيارة واشنطن، كما قام كيم بدوره بدعوة ترامب بالذهاب إلى بيونغ يانغ.
كان توقيع الوثيقة مسبوقاً بحديث لمدة ساعة من خلال مترجمين لقادة البلاد، وبعد ذلك انضم المستشارون والمشاركون رفيعو المستوى من كلا الوفدين إلى الرئيسين. على الجانب الأمريكي كان وزير الخارجية "مايك بومبيو" ومستشار الأمن القومي "جون بولتون" ورئيس هيئة الأركان في البيت الأبيض "جون كيلي". ومن جانب كوريا الديمقراطية كان نائب رئيس حزب العمال الكوري " كيم يونغ تشول"، ووزير الخارجية "لي يونغ هو"، ونائب رئيس اللجنة المركزية لحزب العمال الكوري "لي سو يونغ". وفي نهاية النقاش خرج الرئيسان بابتسامة على وجوههم، ومن الواضح أنهم يشعرون بالرضا.
كيف استعدت الولايات المتحدة وكوريا الشمالية لهذا الاجتماع
أعلن ترامب في 10 أيار أنه سيجتمع مع كيم في 12 حزيران في سنغافورة. وفي 12 أيار قامت كوريا الشمالية بتفكيك موقع التجارب النووية، والذي لم يعد ممكناً استخدامه على أية حال. وفي 16 أيار قالت بيونغ يانغ أنها قد تلغي القمة بسبب تهديد بولتون بأن كوريا الشمالية ستلقى نفس مصير ليبيا إذا لم تستسلم لواشنطن. في 18 أيار، استنكر ترامب تصريح بولتون، قائلاً إن الولايات المتحدة لا تصر على أن تتخلى كوريا الشمالية عن أسلحتها النووية مقدماً. وفي 22 أيار هدد ترامب بأنه لن يكون هناك قمة إذا لم تف كوريا الديمقراطية بشروط معينة، وبالفعل تم إلغاء القمة في 24 أيار. ويبدو أن هذه الخدعة تهدف إلى خلق الانطباع بأن بيونغ يانغ وافقت على بعض الشروط المسبقة. وبعد ذلك في 1 حزيران، بعد سلسلة من المحادثات بين ممثلي البلدين الرفيعين المستوى، أعلن ترامب بأن الاجتماع سيظل كما هو مخطط له في 12 حزيران.
من ربح أكثر
في الحقيقة إن الاجتماع الذي عُقد في سنغافورة يرجع أساساً إلى بيونغ يانغ، وليس واشنطن، ونتائجه أكثر فائدة للكوريين الشماليين من الأمريكيين. فبفضل النجاح في الحصول على الأسلحة النووية، تمكنت كوريا الشمالية من إجبار الولايات المتحدة على مراجعة نفسها، هذا أولاً. وثانياً تمكنت كوريا الشمالية من إجبار واشنطن على عقد القمة دون شروط مسبقة حاولوا طرحها في واشنطن، مثل نزع السلاح النووي عشية اجتماع سنغافورة. وثالثاً، لن يثني كل من في الولايات المتحدة على جهود ترامب في هذه القمة.
أما بالنسبة لكوريا الشمالية، فمن الواضح رغبتها الصادقة في تغيير بلادها وتحويل اقتصادها من اقتصاد منغلق إلى اقتصاد ينمو بشكل حيوي، مهتم بالصداقة والسلام مع جيرانها ومنفتحين على العالم بأسره. وحتى إذا لم يحدث أي شيء من التقارب في وقت لاحق مع الولايات المتحدة، وهو أمر محتمل، لن يكون لدى واشنطن مبرر مقنع للمطالبة من دول أخرى والأمم المتحدة بفرض عقوبات جديدة على بيونغ يانغ أو دعم العقوبات المفروضة بالفعل. لذلك، تفوق كيم على ترامب في كل الأحوال.
قبل رؤية كيم، كانت تجربة الصين، التي نجحت في تحويل أدوات الحزب إلى هيئة بيروقراطية فعالة، وحولت الصين في غضون بضعة عقود من دولة فقيرة إلى اقتصاد رائد في العالم. ويمكن لكوريا الشمالية أن تفعل نفس الشيء ولكن على نطاق أصغر، لأن الكوريين لا يقلون قدرة عن الصينيين. بالنسبة لكيم الذي درس في سويسرا، يمكن أن يكون خياراً طبيعياً، وبالطبع سيدعمه الشعب الكوري الشمالي. المهمة الرئيسية الآن هي إزالة القيود الخارجية على نمو كوريا الشمالية، وجذب الاستثمار، والتفاهم مع كوريا الجنوبية.
وقال "يوشيهايد سوغا" الأمين العام لمجلس الوزراء في اليابان: "نأمل أن تغير كوريا الشمالية نتيجة للاجتماع سياستها كعضو مسؤول في المجتمع الدولي".
في الوقت نفسه لا تتوقع طوكيو أن تكون مسألة نزع الأسلحة النووية بالفعل مسألة مستقبل قريب. وكما قال وزير الخارجية الياباني "تارو كونو": "قد يستغرق الأمر عدة عقود لإزالة المنشآت النووية بالكامل".
ويعتقد "مون جونغ يينغ"، المستشار الخاص لرئيس كوريا الجنوبية بشأن التوحيد والعلاقات الدولية والأمن القومي، أن قضية الأسلحة النووية الكورية الشمالية والصواريخ الباليستية العابرة للقارات يمكن حلها خلال عامين ونصف العام، ولكن مع إزالة المرافق ذات الصلة بالموضوع، يمكن إكمال العملية خلال 10 سنوات.
الاستنتاجات
سيكون لدى كوريا الشمالية الوقت الكافي لمعرفة إذا ما كانت الولايات المتحدة جادة أم لا، وإذا ما كان الأمريكيون يفون بوعودهم الاقتصادية أم لا. وإذ كانت النتيجة سلبية ستلغي بيونغ يانغ تفكيك سلاحها النووي.
لذلك وكما أشار رئيس لجنة الدوما للشؤون الدولية "ليونيد سلوتسكي" فإن من السابق لأوانه الحديث عن انفراج فوري في شبه الجزيرة الكورية عقب انعقاد القمة في سنغافورة، ولكن اليوم هناك أمل لإحراز تقدم بشأن قضايا الحل السلمي للوضع في كوريا الشمالية. كل هذا يعني أن كيم حقق التأثير المطلوب وأن ترامب لعب على طلباته بشكل جيد للغاية.