نتنياهو يتفقد مواقع داعش عن قرب... فأين اختفى البغدادي؟؟ .. خفايا اتفاق الجنوب السوري في هامبورغ...ودور إسرائيل وداعش (الجزء الأخير)
ربطاً على ماسبق في الجزئيين السابقين، قد يبدو للمراقب أن واشنطن مقبلة على تنازلات غير مسبوقة من خلال تضارب التصريحات الأخيرة حول الوجود الأمريكي في سورية وشرعيته، وحول وقف برنامج تمويل المعارضة التابع للاستخبارات المركزية الأمريكية(CIA)، وخاصة أنها أتت تباعاً بعد الاتفاق الروسي-الأمريكي في هامبورغ، ولكن واقع الأمر أن واشنطن لاتريد التواجد الدائم في سورية، ليس حباً بالسوريين وحفاظاً على أمنهم، وإنما لاستبدال تواجدها بكيانات تابعها لها وتحمل أجندتها تكون وكيل رسمي لمصالحها الجيوسياسية في المنطقة، كدعم فدرلة سورية، ومحاولة السيطرة على حوض اليرموك واستبدال داعش بالتواجد الصهيوني أيضاً، وحتى وقف برنامج تمويل المعارضة هو ليس قطعاً للتمويل، وإنما وقف لبرنامج الاستخبارات المركزية الأمريكية بسبب الفشل في تحقيق الغاية منه، ليحال هذا الملف إلى لجنة الاستخبارات في البنتاغون والذي أثبتت نجاحها بعد تبنيها قوات سورية الديمقراطية وسيطرة الأخيرة على أجزاء واسعة من الأراضي التي كانت تخضع لداعش، مما يضع مستقبل حوض اليرموك في جنوب غرب البلاد تحت سيناريو شبيه بسنياريو محاربة داعش في الرقة بقوات معارضة سورية مدعومة من البنتاغون وبمشاركة لقوات أمريكية ولكن الفارق هنا قد يكون بدخول قوات جيش الاحتلال الاسرائيلي تحت ذريعة دعم مكافحة الإرهاب.
غير أن قبول الولايات المتحدة الأمريكية لاتفاق وقف اطلاق النار مع روسيا والذي أتى بمبادرة وضغط روسي منح بعض الوقت للقيادة السورية والروسية لإعادة ترتيب الكثير من الأوراق والميادين العسكرية، ولكن إلى متى سينتظر نتنياهو وهو يرى أطماعه من الأرضي السورية أمام عينيه،التي ربما قد تذهب سدى في حال تحرك كل من سورية وروسيا وحزب الله نحو تلك المنطقة، وتذهب بالتالي أحلامه في سلخ الجولان بشكل نهائي عن سوريا وخلق منطقة عازلة متقدمة أدراج الرياح.
ومايزيد الوضع لهيباً هو زيارات نتنياهو المتكررة والمكثفة إلى الجولان المحتل، وليس آخرها على مايبدو زيارة جنوب الجولان المطل على حوض اليرموك في 25 من الشهر الحالي، وهكذا سلوك بالنسبة لشخص يميني متطرف أخرق غارق في قضاياه الداخلية ومتهم بالفساد يعني أنه يلوح بخرق الاتفاق وجر واشنطن معه، كما أن دلالات استعداده لهذا الاعتداء كثيرة، أهمها نقده الصريح والواضح للاتفاق واعتباره خطأ كبيراً، والتصريحات المتتالية بأن الفراغ الذي يولده انسحاب داعش يملؤه حزب الله، باعتباره أخطر على إسرائيل من أي شيء في الأرض.
بالتالي السؤال الذي يطرح نفسه ماهي الذريعة التي ستستخدمها تل أبيب لجر واشنطن نحو إبطال الاتفاق ودخول حوض اليرموك؟
حقيقة نعتقد أن الذريعة التي من الممكن أن تستخدم هي وجود أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم داعش في تلك المنطقة، واعتقادنا بذلك مبني على عدة أسباب تحليلية بحتة:
1. إن الفكر الجهادي الوهابي لايسمح بفراغ في منصب الخلافة، لأنه يعتبر حل للدولة الإسلامية وضعف ووهن لها، وبالتالي لم يتم الإعلان عن مقتل البغدادي أو تعيين خلف له على أقل احتمال، وخاصة أن تنظيم داعش كان قد انتقد حركة طالبان لإخفائها موت الملا عمر لمدة سنتين واعتبره عمل يخالف الشريعة.
2. التعاون الدائم والطبيعي بين كل من جهاز الموساد و(CIA)، وصمت الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) عن خبر مقتل البغدادي في الغارة الروسية مؤخراً، يشير إلى أنه من الممكن أن يكون في موقع أسود (سري) يشرف عليه الطرفين، وبالتالي تستخدمه المخابرات الأمريكية كورقة لتعويض خسائرها وفشلها في الملف السوري أمام البيت الأبيض والبنتاغون، وتستخدمه الموساد لتحقيق المشروع الصهيوني.
3. من أهم تكتيكات الولايات المتحدة الأمريكية القبض على رأس الأفعى كما تسميها، لتدعم روايتها وتزيد من هيبتها أمام الرأي العام العالمي، كما شهدنا في اسامة بن لادن وصدام حسين وعدة شخصيات أخرى.
4. التعاون غير المعلن بين تنظيم داعش والكيان الاسرائيلي، والذي نستشفه من التصريحات الإسرائيلية حول أن خطر إيران على إسرائيل، أكبر من خطر داعش وأن الأخيرة لا تشكل خطرأ على الكيان الصهيوني، ولا يجب السماح لحزب الله بملئ الفراغ الناتج عن تراجع داعش.
5. عدم وجود مكان آمن يمكن أن يتواجد به البغدادي بعد تحرير الموصل ومحاصرة الرقة بشكل كامل وتوجه الجيش السوري وحزب الله إلى دير الزور وانكشاف باقي مناطق سيطرة التنظيم على طيران التحالف والطيران الروسي والسوري.
6. امتيازات الموقع الجغرافي المتمثلة بصعوبة الوصول إلى حوض اليرموك أو شن الغارات على تلك المنطقة بحيث توجد مذكرات وبروتوكولات بين كل من سلاح الطيران الروسي والاسرائيلي تتيح التنسيق من أجل الهجمات، إضافة إلى العلم الإسرائيلي المسبق بموجب البروتكول لمسار الطائرة ومكان الهدف المراد قصفه، بالتالي تمتلك الأفضلية أو الأسبقية في حال نية استهداف المنطقة والقدرة على تلافي النتائج غير المرغوبة، ناهيك عن أن المنطقة ليست من أولويات العمل العسكري الروسي حالياً.
7. صعوبة وصول الجيش السوري والقوات المواليه له براً إلى تلك المنطقة بسبب سيطرة جبهة النصرة وفصائل موالية على المناطق الممتدة من حوض اليرموك حيث سيطرة داعش إلى درعا حيث سيطرة الجيش السوري بحيث تشكل حاجزاً بوجه الجيش والقوات البرية.
8. التسريبات التي خرجت عن موقع (daily beast) الأمريكي حول وجود قاعدتين سريتين غير معلن عنهما الاولى بالقرب من معبر التنف في داخل الأراضي العراقية والثانية في الجنوب السوري دون ذكر أي تفاصيل عن موقعها وطبيعة عملها.
وما الحديث الأمريكي السابق عن احتمال تفجير سد الموصل وسد الفرابت إلا تمهيداً لاستهداف سد المقارن (سد الوحدة) المقام على نهر اليرموك، والذي يحجب أكثر من 115مليون متر مكعب من المياه العذبة عن الأراضي التي يحتلها العدو الإسرائيلي، والتي سبق أن استهدفها الكيان الصهيوني بقوة وبشكل متكرر كما فصلنا في الجزء الثاني.
الخلاصة:
حجم المخطط الذي يحاك للشرق الأوسط عموماً ولسورية على وجه التحديد كبير وخطير جداً ويسعى لتحقيق تعديلات بنيوية في شكل المنطقة وطبيعة أنظمة الحكم، واستهداف أركان الأمن القومي للدول، وإحداث خرق استراتيجي (بعيد المدى) في هيكليتها، ولكن الأمل معقود دائماً على معاصم أبطال الجيش السوري وشرفاء المقاومة والدول الحليفة، التي تسعى للحفاظ على استقلالية الدول المقاومة للمشروع الإمبريالي، وتضحي لأجل أن لا تكون الجمهورية العربية السورية وغيرها جزءاً من أي إنتداب أو احتلال أو خلافة سياسية بغطاء إسلامي.